محمد رضوان
إذا كان رمحك معوجاً، وكان عليك أن تبرز للطعان في الميدان، فلا بُد لك من تقويمه وتسويته، وهذا هو أصل التثقيف في اللغة، ومن اللغو كل اللغو أن يحاول متفيهق أو متكلف الزهو على الناس بما لا يملك، فاللغة الحية كالشجرة الباسقة تعيش وتنمو حتى بعد موت من زرعها بيده وتعهد بعنايتها.
إن الشعوب تندثر باندثار اللغة، ويصير لا أثر لها إذا ما أغفلت لغتها الأم، لكن هذا لا يمنع استغلال اللغة وتطويعها لمواكبة مستجدات العصر ومتغيراته، ومن هنا صار الناس يتناولون بعض الألفاظ في غير مواضعها الأصيلة، بل إن بعض الكلمات تتداولها بعض الشعوب العربية بمعنى، بيد أن أخرون يضعونها في أمكنة مخالفة تماماً، وهكذا هو صار الحال واستقر عليه الناس.
أما حكاية كرة القدم، فلا رابط لها ولا ممسك، فهي وإن كبر شأنها وعظم، لا تزال لعبة، وعليه فإن الباحث عن اللغة العربية في أسواق كرة القدم مخبول وغير واقعي، لكني هنا أعرج إلى شيء يشبه الكوميديا، يضرب ملاعب كرة القدم المصرية ضرباً، ويصنع فيها المزيد من الركاكة والهُزال، بل ونقص في البيان والفوضى العارمة.
لقد كانت ألقاب اللاعبين نهجاً سائداً للمصريين على طول الخط، منذ نشأة كرة القدم حتى يومنا هذا، حتى صار الدوري المصري يعج بالكُنى والألقاب، بدءاً من أحمد سليمان الذي لعب في عشرينيات القرن الماضي مع الأهلي وأيضاً الزمالك، وكان عنصراً أساسياً في منتخب مصر، هذا اللاعب منحته الجماهير لقب “هندنبرج” نسبة إلى القائد العسكري الألماني (بول فون هندنبرج)، وربما يكون اللقب عائداً لقوة اللاعب ومكر أدائه.
المهم أن الألقاب تداعت على الملاعب المصرية بشكل متسارع، فصار لدينا التتش وبيبو وزيزو وشطة وعفروتو وشيتوس وبامبو وجنش، وغيرها العديد من الألقاب التي أصبغتها الجماهير على لاعبيها، حتى أن نادياً مثل النادي الأوليمبي في أول حقبة الثمانينات كان يعجُّ بالألقاب والكُنى، حيث كان هناك سكر وبوبي وحليمو وكيبر وبطة وميكا، وكلها ألقاب للتدليل والمدح أو ربما لموقف مرّ به اللاعب، لكنى أتوقف عند لقب (زامورا) هذا اللقب الذي أطلقته جماهير نادي الزمالك على لاعبها الكبير محمد حسن حلمي، فاللقب بالتأكيد يعود لحارس مرمى المنتخب الإسباني (ريكاردو زامورا) في ثلاثينيات القرن الماضي، رغم أن حلمي كان يلعب في منتصف الملعب، لكني أتوقف هنا، لأنه ربما يكون لاعب الزمالك هو أول لاعب في تاريخ الكرة المصرية يُمنح لقب يعود لاسم لاعب عالمي، لكنه للأسف لم يكن الأخير.
في مطلع القرن الجديد، انتهج المصريون نهجاً عجيباً في منح الألقاب والكُنى للاعبيهم، ويبدو أن البداية كانت مع لقب (دونجا) هذا اللقب الذي لا زال متداولًا في الملاعب المصرية، ويتلقفه لاعب تلو الأخر، وهو بالطبع يعود لأسطورة البرازيل، وهناك كذلك محمود أحمد إبراهيم حسن لاعب الأهلي الذي صار (تريزيجيه) بين عشية وضحاها، نسبة إلى مهاجم فرنسا الشهير، وإذا ما كنت عزيزي القارئ قد تجاوزت هذين اللقبين، لعظم الشأن الكروي لهذين النجمين البرازيلي والفرنسي، فإن الدهشة ربما تحيط برأسك عندما تجد لاعباً مصرياً وقد لًقب باسم (شيكابالا) وهو الذي يعود إلى مهاجم زامبي شبه مغمور، المستغرب أن جماهير الزمالك دللت المُدلل، فبعد أن استقر لديها اسم شيكابالا عادت ولقبته (شيكا) ومن بعدها (أباتشي)، وعلى ذات النهج عاشت كرة القدم المصرية بكل طوائفها.
المدهش حقاً أن يمنح أحد لاعبي غزل المحلة لنفسه لقب (بن شرقي) في ظل وجود بن شرقي الحقيقي يصول ويجول في الملاعب المصرية، كيف يحدث هذا؟ وكيف يلتقي الأصل مع الصورة؟ وكيف للاعب المحلة محمد أشرف أن يرتضي بهذا؟ كلها أسئلة في وجه المنظومة برُمتها، إن كانت منظومة، فشتان بينها وبين النظام.
لا أعلم كيف رضي الإعلام المصري بتداول هذه الأسماء، وهو ما لم أجده سوى في ملاعب مصر، فإن كان للجماهير الحق في إطلاق ما تشاء، والتشبه بمن تشاء، فإن أجهزة الإعلام كان يجب عليها رفض ذلك، وعدم تناوله بالمرة، لكن هذا للأسف لم يحدث، وتداول كبار الإعلاميين هذه الألقاب بكل غفلة وسرور، حتى وصلنا إلى أن فريقاً في الدوري المصري يضم لاعبان تحت لقب (ميسي)، وهو وإن دل فإنما يدل على سطحية في الفكر وعجز في التداول.
وعلى ذات السياق، وفي هذه الأسواق المبعثرة، كان غير مستغرباً أن رأينا لاعباً وهو يضع اسم ابنه على ظهر قميصه، وهو مدافع النادي المصري باهر المحمدي الذي رأيته تحت اسم (تَيّم) ولما سألت عرفت أنه اسم ابنه، وهو أمر عجيب غريب، يدعوني للتساؤل عن دور لجنة المسابقات من هذا الهراء.
إن الإعلام الذي تداول بالأمس اسم (برازيل مصر)، (أرجنتين مصر) هو نفسه الإعلام الذي يقبل بهذه الخروقات التي تثير الحفيظة قبل الضحك، فقد نوهت من قبل إلى أنني لم أجد على وجه البسيطة مثل هذه الألقاب، فإن كان ولا بُد من تعاطيها فإن الأحرى أن نصف لاعبي الإسماعيلي بصفة (البرازيليون)، ولاعبي المحلة بلقب (الأرجنتينيون).
ربما يرى البعض أن الأمر لا يستحق، لكنني أرى فيه ضعف ثقافة وشطط شديد، وإن نم فإنما ينم عن جهل ضرب الإعلام المصري أولًا، مع سوء تنظيم للمسابقات ثانياً، فهذه الألقاب لا دخل للجنة المسابقات بها، ولكن المشكلة برُمتها تقع في جعبة اتحاد الكرة ولجانه، التي تغط في سبات، وتعمل في أودية بعيدة تماماً، لنا معها أحاديث أخرى.
أديب الرياضة