
عبد الكريم البليخ

في شرق سوريا، حيث تختلط ذاكرة النهر بعناد الصحراء، تنبثق مبادرات مدنية جديدة تُعيد للمنطقة صوتها ومكانتها. من بين هذه المبادرات، يبرز “تاج” – تجمع أبناء الجزيرة – كمثال حيّ على يقظة مجتمعية تقودها نخبة من شباب الرّقة، الذين اختاروا أن يكونوا فاعلين في رسم ملامح سوريا المستقبل، لا مجرّد متفرّجين على أطلال الواقع.
هذا التجمع، الذي نشأ بتمويل ذاتي وبروح طوعية، لا يكتفي بالشعارات، بل يقدّم نموذجاً عملياً في العمل السياسي والثقافي والمجتمعي، مرتكزاً على مبادئ الشراكة والعدالة والهوية الوطنية. من التعليم إلى التمكين، ومن المجالس الحوارية إلى المشاريع التنموية، يسعى “تاج” إلى تحويل التهميش إلى تمكين، والغياب إلى حضور، معلناً أنّ التغيير يبدأ من أبناء الأرض أنفسهم.
في هذا الحوار مع مؤسس “تاج” الدكتور عصام عبد الحكيم الحمد ، نغوص في دوافع تأسيس “تاج”، نواياه، ورؤيته، ونرصد جهوده وتحدياته في بيئة لا تزال معقّدة أمنياً واجتماعياً، لنفهم كيف يمكن لمبادرة محلية أن تكون حجر الأساس في بناء وطني أكثر شمولاً واستقراراً، حيث أكّد “أن الهدف من تأسيس “تاج” الخاص بأبناء الجزيرة والذي يأتي ضمن إطار مدني ثقافي اجتماعي مستقل، وتأسس بمبادرة من أبناء الرّقة السوريين المقيمين في أوروبا، بهدف خلق مساحة جامعة لتبادل الرؤى وتعزيز الوعي المجتمعي حول قضايا التعليم، والهوية، والانتماء الوطني”. مشيراً “أن هدف “تاج” ينبثق من إيماننا العميق بأن التنمية تبدأ من الإنسان، والتعليم هو مفتاحها الأول، لا سيما في منطقة حُرمت طويلاً من فرصها الكاملة”.

الدكتور عصام عبد الحكيم الحمد مؤسس تجمع “تاج”
يقول في رده على سؤال عن ابعاد وفحوى هذا التجمع الخاص بأبناء الجزيرة، “إنَّ “تاج” ليس مجرد تجمّع، بل محاولة جدية لتمثيل صوت أهل الرّقة في ساحات الفكر والعمل، وأن أبناء هذه المنطقة، رغم ما واجهوه من تهميش، قادرون على قيادة التغيير إذا مُنحت لهم الفرصة والدعم الكافي”.
ـ وكيف توازنون بين الأبعاد السياسية، الثقافية، والمجتمعية في رؤيتكم للعمل الوطني، يضيف؟ “نعتمد على خطاب عقلاني غير استقطابي يستوعب التعدد الثقافي والسياسي لأبناء الرقة والجزيرة عموماً. نعمل على تمكين المجتمع المدني دون انجرار وراء استقطابات سياسية، ونعتبر أن العمل الثقافي والاجتماعي هو جسر لبناء توافق وطني أوسع”.
وما الذي يجعل من رؤية “تاج” ناضجة؟ يقول “الوضوح في الأهداف والانطلاق من هموم الناس لا من رغبات النخب. نحن نعمل من القاعدة نحو الأعلى، ونشرك الناس في القرار والعمل، وهذا ما يمنح رؤيتنا واقعية ومصداقية”.
ـ كيف يسعى “تاج” لضمان مشاركة حقيقية في صنع القرار بعيداً عن التمثيل الشكلي؟
من خلال بناء شبكات تشاركية تضم كفاءات وممثلين حقيقيين عن المجتمع المحلي، واستطلاع الرأي بانتظام، كما نعتمد أسلوب المجالس الحوارية المفتوحة والمباشرة مع أبناء المنطقة.
ـ ما هي المبادرات التي تبنّاها “تاج” وتُظهر التزامه بتحقيق تنمية مستدامة في الرقة؟
من أبرز المبادرات التي أطلقها “تاج”:
ـ مشروع “مدرسة معدان” لدعم تعليم الأطفال المنقطعين.
ـ حملات توعية صحية وتنموية.
ـ إطلاق قناة تعليم الاقتصاد الخدمي.
ـ مبادرة “المدرسة اللغوية” التي تُعلّم اللغتين الإنجليزية والألمانية مجاناً عبر دورات أونلاين، بالإضافة إلى مشاريع كبيرة سنكشف عنها لاحقاً كي لا تُسرق أو يتم استغلالها بطرق غير مشروعة لكسب المال.
ـ أما عن آلية تعزيز ثقافة العمل التطوعي والإنساني في المجتمع المحلي، فقال: “من المبكر الحديث عن هذا الأمر طالما أن الرقة العربية السورية ما زالت تحت احتلال ميليشيا “قسد”، ولكن تجمع “تاج” يعمل بشكل طوعي بالكامل”.

من أنشطة “تاج”
وعن كيفية تفاعل “تاج” مع الكفاءات من أبناء الرقة، خاصة في ظل الظروف الأمنية والاجتماعية المعقدة؟ يكمل “نحن نؤمن أن الكفاءات المحلية هي رأس المال الحقيقي، ولهذا نعمل على الربط بين الداخل والخارج، وفتح قنوات تواصل مع أبناء الرقة المغتربين لخلق تكامل معرفي وتنموي. أما في الداخل، فتبقى قنواتنا مفتوحة رغم التحديات الأمنية، ونشرك الكفاءات المحلية بصيغة تراعي واقعهم وتحمي سلامتهم. والغاية من كل عملنا هو تصديرهم هم، وليس تصديرنا نحن كأشخاص”.
ـ وما أهمية اعتماد “تاج” على التمويل الذاتي، وكيف يؤثر ذلك في استقلالية قراراته؟
التمويل الذاتي يعزّز استقلالية “تاج” ويحميه من التبعية لأي جهة. نعتمد على مساهمات أبناء التجمع، وبعض التبرعات التي يمكن أن تأتي من أفراد، لا جهات رسمية. هذا الأسلوب يجعل قراراتنا مرنة، مستقلة، ومرتبطة بالمصلحة العامة، لا بأجندات خارجية.
ـ كيف ينعكس إيمان المؤسسين بواجبهم الأخلاقي تجاه مجتمعهم على طريقة عمل التجمع؟
هذا الإيمان هو جوهر “تاج”. نحن نرى في أنفسنا مسؤولين لا ممثلين، وخدمتنا للمجتمع تأتي من واجب أخلاقي أولاً، لا من طموح شخصي. لذلك نحرص على الشفافية والمكاشفة في كل نشاط نقوم به، ونسعى لأن نكون قريبين من الناس.
ـ كيف يتعامل “تاج” مع التفاعل الإعلامي والشعبي الكبير في الرقة خلال الأيام الأخيرة؟
نستقبله بتقدير عميق، ونعتبره مسؤولية. نحرص على الرد على كل استفسار، ونوثّق أنشطتنا بكل شفافية، كما نعدّ هذا التفاعل دافعاً إضافياً للاستمرار والتطوير. نحاول استثمار هذا الزخم الإعلامي في تسليط الضوء على قضايا مُغفَلة في المنطقة
ـ ما أبرز التحديات التي تواجهونها في محاولة تحقيق أهدافكم، وكيف تستعدّون لتجاوزها؟
من أهم التحديات: الواقع الأمني القمعي في الرقة، محدودية الموارد المالية، فضلاً عن ضعف البنية التعليمية والخدمية. لكننا نواجهها بالتدرج، والتخطيط بعيد المدى، وبناء التحالفات المدنية، إضافة إلى الاستفادة من الطاقات الشابة، والتواصل مع المغتربين من أبناء الرقة لدعمنا بالمشورة والموارد.
25/4/2025