مقالات

مدرباً للنادي أم للمنتخب…؟

محمد رضوان

أفتح اليوم ملفاً يُشبه مِلف المقارنة بين المدرب الوطني والمدرب الأجنبي، وأيهما الأصلح؟، هذا المِلف القديم الجديد، الذي طالما تحدثت عنه الصحف العربية منذ أزمان بعيدة، ولم يتوقف عند حل معين، حتى أن الكل تركه جانباً، يأساً وقنوطاً، لكني هنا أقصد الحديث عن مِلف آخر أكثر شراسة وأشد التباساً، ألا وهو الفارق بين مدرب النادي ومدرب المنتخب، وهو الذي أثارته نتائج بطولتي الأمم الأفريقية والأمم الآسيوية الأخيرتين، وما هي الثمار والعوائد التي منحها المدربون الأجانب لمنتخباتهم؟.

الحقيقة التي لا غبار عليها هي أن كثيراً من المدربين يرفضون العمل مع المنتخبات، ويفضلون الاستمرار في تولي القيادات الفنية للأندية، وربما يكون مِن هؤلاء مِن يفكر بشكل مُعاكس، لكنهم قلة، فالغالب أن المدربين يسعون بشدة للعمل مع المنتخبات عنه مع الأندية، لكن القاطع البات، أن العمل هنا، يختلف عنه هناك.

إنَّ خبرة العمل مع المنتخبات تحتاج مواصفات كبيرة وإدراكاً أشد، وتحتاج فهم واسع لطبيعة العمل مع المنتخب عنه مع النادي، وهو ما يفتقده الكثير من المدربين، الذي يجعلون العمل مع المنتخب مثلما هو مع النادي، فيتخذون إجراءات وممارسات لا تتوافق مع طبيعة المنتخب، لذلك يكون فشلهم مدوياً وذريعاً.

إنَّ المدرب الذي يعمل مع المنتخب بالطبع يملك الكثير من المعطيات الإيجابية، وهي التي يُقابلها أيضاً معطيات أخرى سلبية ربما لا تجدها مع الأندية، فإن كان مدرب المنتخب يملك ما لا يقل 400 لاعب للاختيار والانتقاء، فإن نقصاً في مركز واحد يمكنه أن يُؤرق هذا المدرب ويُهدد صفاءه، ويجعله لا يألو جهداً في البحث عن البدائل الممكنة، وربما يكون الحل في تغيير مركز أحد اللاعبين من أجل سد العجز ورأب الصدع، وفي المقابل يكون الحل بسيطاً جداً عند مدربي الأندية الذين سوف يجدون ضالته بسهولة في أية لاعب أجنبي، أي أن سلة الخيارات الخاصة بهم متسعة جداً وغير محدودة.

إن الفوارق كثيرة جداً وكبيرة بين العمل مع المنتخبات ونظيره مع الأندية، فإن كان مدرب النادي يعيش مع اللاعب عاماً كاملاً بأيامه ولياليه، وهو ما يعطيه الفرصة لمراقبة اللاعب عن كثب، في الملعب وخارجه، ومن ثم يقدر على علاج كل ما يراه لا يتوافق مع منظومة النادي وأهدافه المرجوة، فإن علاقة مدرب المنتخب محدودة بوقت قصير، لذا فإن عليه تعظيم الوقت المتاح لتطوير استراتيجياته كمدرب، وهذا بالطبع مرهون بقدرته كمدرب وحنكته على احتواء اللاعب والاندماج معه ومع زملائه في أيام تجمعات المنتخب القليلة، وهو بالطبع أمر شاق، ويحتاج الخبرة من المدرب واللاعب في ذات الوقت.

وفترات تجمع المنتخبات دائماً ما تكون قصيرة، فهي على أقصى تقدير لا تتعدى الشهر الواحد، وهو ما يصعب معه خلق تناغم وانسجام بين اللاعبين مثلما الحال مع الأندية، كما أنه لا يمكن اعتماد طرق لعب مختلفة والتبديل بينها في هذا الوقت القصير، علي عكس مدرب النادي الذي يمتلك مساحات كبيرة في تغيير وتبديل طرق اللعب وكذا مراكز اللاعبين، بل واختبارهم في أكثر من مركز لتحديد أيها الأصلح.

مع المنتخب على الغالب تكون المباريات بطريقة خروج المغلوب، مما يعني أن الفشل في يوم يعني الإقصاء، ولا مجال للعلاج بعد أن يسبق السيف العذل، وعلى النقيض فإن المدرب مع النادي يمكنه الإخفاق مرة واثنتين وثلاث، بل وإنه إذا ما تدارك هذه الإخفاقات يمكنه إحراز قَصَب السَبْق في نهاية الأمر، لذلك فإن المدرب مع النادي يستطيع إعادة شحن طاقات اللاعبين، ومن ثم تجهيزهم للعودة السريعة إلى مضمار المنافسة بعد كل خسارة، وهو ما يفتقده المدرب مع المنتخب، فيجعله أكثر توتراً وأشد اضطراباً، إلا المتمكنين المحنكين منهم.

ومن إيجابيات العمل مع المنتخبات، هو الظهير الوطني الذي يمكنه أن يُحفّز طاقات اللاعبين بشدّة، ويشدُّ من أزرهم من أجل تقديم أفضل ما لديهم من أجل الوطن وجماهيره، وهو ما يحتاج من المدرب كذلك ضرورة تنحية التعصب للأندية جانباً، وإعلاء الحس الوطني لدى اللاعبين.

وفي المقابل فإن أدوات تحفيز اللاعبين في يد مدربين الأندية محدودة، لذا فإن عليهم دائمًا خلق دوافع وبواعث جديدة من أجل حث اللاعبين على بذل الجهد والعرق، ويجب أن يكون هذا مستمراً ودائماً مع كل مباراة وكل منافسة جديدة، على عكس ما يحدث مع المنتخب، حيث بمجرد استدعاء اللاعب لتمثيل منتخب بلاده، تُستحث لديه على الفور المشاعر الوطنية الجياشة، حتى من غير تدخل من المدرب أو أحد أعضاء الجهاز الفني.

ومن الأمور التي يجب التأكيد عليها عن استعراض الفارق الفني بين مدرب المنتخب ونظيره مع الأندية، أنَّ مدرب المنتخب يتوجّب عليه وبشدّة الاستقرار على تشكيل ثابت قبل البطولات الكُبرى، مع تجهيز حرس بديل معروف أيضاً، فلا مجال مع التجريب والاختبار مع المنتخبات في أثناء البطولات الكُبرى، وبالطبع يكون الأمر جائزاً ومستحباً مع هذا الذي يعمل مع الأندية.

ويبقى القول إن المبادئ الرئيسية للعمل كمدير فني تظل كما هي، فالعلامات البارزة لأية مدير فني واحدة، لا تتغير بتغير موقعه، لكن العمل مع المنتخب يحتاج كاريزما خاصة، وشخصية مختلفة تماماَ عن المدرب الذي يعمل مع الأندية، فلا سبيل لمدرب المنتخب لتعليم المهارات الأساسية للاعبين، ولا سبيل له للتفكير في انتقالات اللاعبين وعقودهم، ولا يمكنه متابعة اللاعبين ليل نهار، كما أن المدير الفني الذي يعمل مع الأندية يتعرض لضغط إعلامي أقل بكثير مما قد يقابله الذي يعمل مع المنتخبات.

في النهاية أضرب مثلاَ بمدرب منتخب مصر روي فيتوريا الذي يحمل سيرة ذاتية مميزة للعمل مع الأندية، لكنه بمجرد ما تولى القيادة الفنية للفراعنة، اتخذ إجراءات لا تصحّ مع المنتخبات، وممارسات لا يمكن أن تصلح أيضاً، حتى إننا شعرنا بأن فيتوريا مرتبك في اختياراته، وغير مُستقر على تشكيل محدد، وقد ظهر ذلك جليًا عندما أشرك اللاعب محمود حمادة فجأة، وهو البعيد عن اللعب والتشكيل طوال المسابقة.

الخلاصة هي أنَّ العمل مع المنتخبات يظل له المقومات الخاصة به، وكذلك الحيثيات التي تميّزه عن العمل مع الأندية، فلا يُمكن أن يختلط هذا بذاك، وعلى المدرب الحصيف الناجح أن يعلم ذلك، وإلا فإن النتيجة الحتمية هي السقوط المُدوّي.

أديب الرياضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى