على الملأ

هل تُستعاد لسوريا قوتها الاقتصادية؟

عبد الكريم البليخ

مع توقيع الاتفاق التاريخي الذي ينص على اندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية، وعودة هذه المناطق المهمة إلى كنف الدولة، تتجه الأنظار إلى التداعيات الاقتصادية العميقة لهذا التحول. فهذه الأراضي، التي تشكّل نحو 35% من مساحة البلاد، ليست مجرد امتداد جغرافي، بل هي قلب الثروات الوطنية، حيث تحتضن أكثر من 70% من المقدرات النفطية والزراعية والحيوانية لسوريا. لذا، فإن هذا الاتفاق لا يعد مجرد خطوة سياسية أو أمنية، بل هو نقطة تحول كبرى في مسيرة إعادة بناء الاقتصاد الوطني، وانطلاقة نحو استعادة الاستقرار المعيشي الذي طال انتظاره.

وبذلك، يمكن القول إن سوريا تستعيد شيئاً فشيئاً قوتها الاقتصادية، قوة تنبض بالأمل وتستشرف المستقبل لأهلها، الذين ذاقوا الويلات قبل عودة هذه المناطق إلى كنف الدولة، بعد معاناة قاسية تحت حكم الفساد والقهر والاستبداد. لقد عاش المواطن السوري سنوات من الحرب والدمار والتشرد، وعانى من السجون والذل والإهانة والفقر المدقع، لكن الأمل لا يزال حاضراً، والفرصة سانحة لبداية جديدة، تعيد لهذا الشعب ما يستحقه من حياة كريمة ومستقبل أكثر استقراراً.

أحد أهم المكاسب الاقتصادية لهذا الاتفاق هو استرجاع الدولة لسيطرتها على الموارد النفطية، التي كانت لسنوات خارج قبضتها. فمنطقة الشرق السوري تحتضن ما يقارب 90% من إنتاج النفط في البلاد و40% من إنتاج الغاز، وهي ثروات لطالما شكّلت العمود الفقري للاقتصاد الوطني قبل عام 2011. حينها، كانت سوريا تنتج نحو 400 ألف برميل يومياً، جاء 360 ألفًا منها من شرق الفرات. اليوم، مع عودة هذه الحقول إلى سيطرة الدولة، يتجدد الأمل في استعادة الإيرادات المفقودة وإعادة تشغيل عمليات الاستخراج، ما قد يرفع الإنتاج اليومي إلى أكثر من 450 ألف برميل. هذه الزيادة ستوفر موارد ضخمة للخزينة العامة، وتخفّف من الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية، الذي أصبح عبئاً يرهق الاقتصاد السوري.

في ظل أزمة الطاقة الخانقة التي تعاني منها البلاد، ستكون هذه الخطوة بمثابة طوق نجاة، إذ ستساهم في تعزيز إنتاج الكهرباء وتحسين إمدادات الوقود، وهو ما سينعكس مباشرة على تحريك عجلة الإنتاج في القطاعات الصناعية والزراعية، وتقليل الأعباء المعيشية عن كاهل المواطنين الذين أرهقهم شحّ الطاقة وارتفاع أسعارها.

إلى جانب الثروات النفطية، تشكّل الأراضي المستعادة مصدراً رئيسياً للأمن الغذائي في سوريا، حيث تنتج أكثر من 70% من محصول القمح و80% من محصول الشعير. ومع استعادة هذه الأراضي، يصبح بإمكان سوريا تقليل اعتمادها على استيراد القمح، الذي شكّل أحد أبرز التحديات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل العقوبات وصعوبة تأمين النقد الأجنبي. تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لا يعني فقط توفير العملة الصعبة، بل ينعكس أيضاً على استقرار أسعار الخبز، أحد أهم أساسيات الحياة اليومية للمواطن السوري.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فتعزيز إنتاج الشعير سيؤدي إلى دعم قطاع الثروة الحيوانية، الذي يعد من الركائز الاقتصادية المهمة. إذ إن المنطقة الشرقية تحتضن أكثر من 25 مليون رأس من الأغنام، أي ما يعادل 70% من الثروة الحيوانية السورية. وهذا التطور سيساهم في تحسين إنتاج اللحوم والألبان، وتوفير فرص عمل واسعة في مجال تربية المواشي والصناعات المرتبطة بها.

بعيداً عن النفط والزراعة، تملك المناطق الشرقية أهمية استراتيجية باعتبارها الخزان المائي لسوريا، إذ يمر عبرها نهرا الفرات ودجلة، وتحتضن ثلاثة سدود كبرى تعدّ شرياناً رئيسياً للري وتوليد الكهرباء. عودة هذه الموارد إلى سيطرة الدولة يعني تحسين البنية التحتية المائية، ما سيسهم في دعم الإنتاج الزراعي، واستقرار إمدادات المياه في ظل التحديات البيئية المتزايدة.

إضافة إلى ذلك، تتمتع هذه المناطق بموقع جغرافي استراتيجي، يجعلها ممراً تجارياً حيوياً بين سوريا والعراق وتركيا. ومع استعادة الاستقرار، يمكن إعادة تشغيل أنابيب النفط العراقية المتوقفة منذ عام 1980، والتي كانت تدرّ على سوريا دخلاً سنوياً يقدر بمليار دولار.

استعادة هذه المناطق لن تعني فقط عودة الموارد، بل ستؤدي إلى تحريك عجلة الإنتاج، وزيادة الإيرادات المالية للدولة، ما يعزّز استقرار الليرة السورية، ويقلل من الضغوط التضخمية التي أثّرت على القدرة الشرائية للمواطنين. ومع زيادة الإنتاج المحلي من النفط والزراعة والثروة الحيوانية، ستتقلص الحاجة إلى الاستيراد، ما يُحسّن الميزان التجاري، ويخفّف من العجز في الموازنة العامة.

في المحصلة، لا يمثل هذا الاتفاق مجرد خطوة لإنهاء حالة الانقسام السياسي والعسكري، بل هو بداية عهد جديد في مسيرة النهوض بالاقتصاد السوري. فعودة هذه المناطق الغنية بالموارد تعني إرساء أسس إعادة الإعمار، وبناء اقتصاد أكثر استدامة. إنَّ هذه التحولات قد تكون المفتاح الحقيقي لتحسين الظروف المعيشية لملايين السوريين، وفتح الباب أمام مرحلة من التعافي الاقتصادي، بعد سنوات من التحديات والضغوط.

بهذه الخطوة، تعود سوريا إلى امتلاك مقدراتها، وتستعيد زمام اقتصادها، ليكون المستقبل أكثر إشراقاً لكل مواطن حلم طويلاً بعودة الاستقرار والحياة الكريمة.

11/3/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى