Site icon المزمار الجديد

أحمد بهاء الدين.. رمز الصحافة النزيهة

حاضراً أو غائباً، يبقى أحمد بهاء الدين أكبر من أي تقديم. فمن ذا الذي لم يسمع باسمه في مصر أو العالم العربي؟ هذا الكاتب المرموق، طيّب الله ثراه، كان أحد أعمدة الصحافة العربية، وواحداً من ألمع وأشهر الأقلام التي أضاءت سماء الإعلام في النصف الثاني من القرن العشرين.

كان أحمد بهاء الدين نموذجاً استثنائياً في الصحافة، ليس فقط بفضل موهبته المتفردة، ولكن أيضاً من خلال حياته وسلوكه وأدائه المهني. لم يعتمد في نجاحه على تأييد حزب أو دعم حاكم أو جهة نافذة، بل بنى مسيرته على الإخلاص لعمله، والاجتهاد، والإبداع الشخصي. اعتمد على قلمه فقط، ليصبح رمزاً للإصرار والتميز.

أحمد بهاء الدين

خلال رحلة صحافية امتدت لأكثر من أربعين عاماً، ظل أحمد بهاء الدين صادقاً مع نفسه ومع قارئيه. لم يكن من الذين يتلونون وفق المصالح أو الظروف، ولم يسعَ يوماً للتقرب من أصحاب السلطة أو النفوذ. كان صوته صوت المبدأ، وكلماته تفيض بالصدق والوضوح، رافضاً المهادنة أو الاستسلام. ظل وفياً لرسالته حتى النهاية، محافظاً على شرف المهنة ومبادئها في وجه إغراءات الشهرة والمال والعلاقات.

كان أحمد بهاء الدين، بحق، كاتباً من أصحاب الرسالات. لم تكن الصحافة بالنسبة له مجرد مهنة، بل وسيلة لنقل الفكر والثقافة والوعي. لم يسقط يوماً في مستنقع المصالح أو التفاخر الشخصي، وظل مترفعاً عن الصغائر، محترماً من الجميع، مهما اختلفوا معه في الرأي. كان قادراً على الجمع بين النقد البنّاء والتحليل العميق، متحدثاً بجرأة وشجاعة عن القضايا الكبرى التي تهم وطنه وأمته.

على الرغم من اهتمامه العميق بالسياسة، إلا أنها لم تكن الشغل الشاغل الوحيد له. كان أحمد بهاء الدين مثقفاً شاملاً، يتحدث عن التاريخ، والفن، والاجتماع، والثقافة، والعلاقات الإنسانية. وكان يحرص دائماً على تقديم رؤية متكاملة تمزج بين السياسة والثقافة لتنوير القارئ، وإثراء فكره.

مع رحيل أحمد بهاء الدين، فقدت الصحافة العربية ذاكرة استثنائية، قادرة على التحليل وجمع المعرفة بدقة. غاب الذكاء الخارق، والموهبة التعبيرية الفريدة، والمصداقية التي لقيت التقدير والاحترام من مختلف التيارات الفكرية والثقافية. كان غيابه في 24 فبراير 1990 عن عمر يناهز 69 عاماً خسارة فادحة للأدب والصحافة، لكنه ترك خلفه إرثاً غنياً من الكتب والمقالات التي تظل شاهدة على عظمته.

تولى أحمد بهاء الدين رئاسة تحرير سبع صحف ومجلات مصرية، من بينها الجريدتان الأشهر “الأخبار” و”الأهرام”. في شبابه المبكر، قاد مجلة “صباح الخير”، وبرز كرائد في تقديم محتوى عصري ومختلف. في قمة نضجه الفكري، شغل رئاسة تحرير مجلة “العربي” الكويتية، حيث بقي فيها سبع سنوات، مقدّماً نموذجاً للحلم القومي الذي آمن به طوال حياته. كانت “العربي” بالنسبة له مساحة فكرية مفتوحة تجمع كل الأفكار العربية، وتدعم الحوار والتواصل بين أبناء الأمة.

ترك أحمد بهاء الدين خلفه عشرات الكتب ومئات المقالات التي أثرت الفكر العربي وأسهمت في تشكيل الوعي الجمعي. كان منارة للإبداع والنزاهة الفكرية، مثالاً يُحتذى به لكل من يعمل في الصحافة والإعلام. إجماع الجميع على نزاهته، سواء على المستوى الشخصي أو الفكري، يعكس المكانة الرفيعة التي احتلها في قلوب محبيه وقرائه.

لم يكن أحمد بهاء الدين مجرد كاتب أو صحافي، بل كان مدرسة فكرية متكاملة. ترك إرثاً يُلهم الأجيال الجديدة من الكتاب والصحافيين للتمسك بمبادئ المهنة، والعمل على تعزيز ثقافة الحوار، والنزاهة، والابتعاد عن الإغراءات التي قد تفسد الرسالة الصحافية.

سيبقى أحمد بهاء الدين رمزاً خالداً، وحضوراً مهيباً في تاريخ الصحافة العربية، يذكرنا دائماً بقيمة الكلمة الصادقة، وأهمية الرسالة الإعلامية في تشكيل مستقبل أفضل للأمة.

المزمار

Exit mobile version