الإعلام السوري .. إرث ثقيل!

عبد الكريم البليخ

الإعلام السوري يقف اليوم على مفترق طرق، محاولاً النهوض من واقع متردٍ عاشه لعقود طويلة. فمنذ سنوات، تحول الإعلام السوري الرسمي إلى مرآة تعكس الأزمات التي تعيشها البلاد بدلاً من أن يكون صوت الشعب وأداة لنقل الحقيقة وتحليل الأحداث بموضوعية. وبينما يشهد الإعلام العربي انفتاحاً وتطوراً ملحوظاً، يبقى الإعلام السوري عالقاً في عصور بائدة تتسم بالجمود والفساد وضعف الإمكانات.
الواقع الإعلامي في سوريا يُعاني من مشاكل بنيوية عميقة، بدءاً من الفساد المالي والإداري الذي يستنزف المؤسسات الإعلامية، وصولاً إلى ضعف الكوادر والتجهيزات التقنية التي لم تعد تواكب العصر. الأرقام التي كشفها وزير الإعلام في لقائه الأخير مع عدد من الصحفيين ترسم صورة قاتمة: آلاف الموظفين بلا عمل حقيقي، معدات تقنية تعود لأكثر من عقدين، ومطابع متوقفة عن العمل. هذا كله يعكس حالة من الترهل الإداري والتقني الذي يجعل مهمة إنقاذ الإعلام السوري شبه مستحيلة.
إضافة إلى ذلك، تعاني المؤسسات الإعلامية من فقدان المصداقية والثقة لدى الجمهور. الإعلام السوري الرسمي، الذي كان يفترض أن يكون منبراً للشعب، أصبح رمزاً للجمود والمغالطات، ما دفع المواطنين للبحث عن مصادر إعلامية أخرى أكثر موضوعية وشفافية.

جهود الوزارة.. هل تكفي؟
في ظل هذا الواقع، تحاول وزارة الإعلام السورية إعادة الحياة إلى هذه المؤسسات من خلال مبادرات جديدة. الإعلان عن إصدار صحيفة “الحرية”، كبديل عن صحيفة “تشرين”، وعودة إصدار صحيفة “الثورة” الرسمية، قد يكونان خطوة إيجابية إذا ما تم تطبيقهما بشكل يراعي معايير الشفافية والمهنية. لكن التحدي الأكبر يكمن في بناء الثقة مع الجمهور، وهو ما يحتاج إلى جهود أكبر من مجرد تغيير الأسماء أو إعادة إصدار الصحف.
ومن أولى خطوات الاصلاح القضاء على الفساد الإداري والمالي المستشري داخل المؤسسات الإعلامية هو الخطوة الأولى للنهوض بالإعلام. لا يمكن لأي مؤسسة أن تكون فعالة إذا كانت غارقة في الفساد والمحسوبيات. ناهيك بتحديث شامل للمعدات القديمة والبنية التحتية المتهالكة.

الإعلام اليوم يعتمد على التكنولوجيا بشكل كبير، ولا يمكن منافسة الإعلام العربي والدولي بمعدات تعود للعام 2005، أضف إلى غياب الكفاءات، لا سيما في ظل غياب الكثير من الكوادر الإعلامية السورية المؤهلة التي هاجرت أو تركت العمل بسبب الأوضاع. إعادة تأهيل الكوادر الموجودة واستقطاب كفاءات جديدة أمر ضروري. بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون هناك بناء الثقة مع الجمهور وهذا يحتاج إلى تغييرات جذرية في السياسة التحريرية، بحيث يتم التركيز على نقل الحقيقة بكل حيادية وموضوعية. فضلاً عن إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية الحالية، سواء من حيث الإدارات أو البنية التحتية. يمكن التفكير في دمج بعض المؤسسات أو إلغاء بعضها واستبدالها بأخرى جديدة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في الإعلام يمكن أن يكون خطوة مهمة لخلق تنوع إعلامي ودعم التنافسية، أضف إلى تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للكوادر الإعلامية الحالية وتوفير فرص للشباب لدخول المجال الإعلامي. وفي عصر السوشيال ميديا والإعلام الرقمي، يجب أن تكون الأولوية لتطوير منصات رقمية قادرة على الوصول إلى جمهور واسع وبناء الثقة معهم، بحيث يتم العمل على نقل الصورة الحقيقية للأوضاع بدون تهويل أو إنكار يعزز من مصداقية الإعلام السوري. فالإعلام يجب أن يكون صوتاً للمواطن وليس مجرد أداة للترويج الرسمي.
الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار؛ هو أداة للتغيير والتأثير. إذا أرادت سوريا النهوض بإعلامها، فعليها أن تعيد النظر في الأسس التي بني عليها هذا القطاع. الإصلاحات قد تكون صعبة ومكلفة، لكنها ليست مستحيلة إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الشعبي.
الإعلام السوري يستطيع أن يعود إلى الساحة كلاعب مؤثر، لكن ذلك يتطلب خطوات جادة تتجاوز الشعارات إلى العمل الملموس. في النهاية، الإعلام هو مرآة المجتمع، وأي تطور فيه سينعكس إيجاباً على كل قطاعات الحياة في البلاد.