التشكيلي ومصمم الأزياء ميلاد حامد: الأزياء تعكس الهوية وتحكي قضايا الإنسان

من بغداد إلى فيينا.. رحلة إبداع لا تعرف الحدود
*الأزياء أداة تعبير سياسي وتحويلها إلى منصة لفضح القوانين
والممارسات الاجتماعية التي تشرّع زواج القاصرات!
عبد الكريم البليخ

يُعد الفنان التشكيلي ومصمم الأزياء العراقي ميلاد حامد، المقيم في العاصمة النمساوية فيينا، نموذجاً فريداً يمزج بين أصالة التراث الشرقي والحداثة العصرية. بدأ رحلته الإبداعية منذ نعومة أظفاره، منطلقاً من شغفه بالألوان والخطوط والتصاميم التي سرعان ما تحولت إلى لغة خاصة للتعبير عن هويته الثقافية وحسه الفني الفريد. في هذا الحوار، يتحدث حامد عن تحدياته الأولى، نجاحاته في المحافل الدولية، وكيف استطاع أن يجعل من تصاميمه جسراً للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب. كما يكشف عن فلسفته الفنية التي تتجاوز حدود الجمال لتصبح رسالة للتغيير الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن مشاريعه المستقبلية التي تعكس طموحاً بلا حدود.
يقول الفنان التشكيلي ميلاد حامد في حواره مع “العرب”، والذي يقيم حالياً في العاصمة النمساوية فيينا، عن نشأته والأعمال التي أوكلت إليه، وبداياته في عالم الفن التشكيلي وتصميم الأزياء، وأبرز التحديات التي واجهته في مسيرته الفنية: “بدأت مسيرتي في الفن التشكيلي والرسم وتصميم الأزياء من شغف كبير بالفن والجمال منذ صغري. في السنة السادسة من عمري، كنت أرسم على كل شيء. لقد كنت دائماً أحب الألوان والخطوط والتصاميم المختلفة، وكنت أرى أن الأزياء وسيلة رائعة للتعبير عن الهوية والثقافة وشخصيتي. لطالما كان لي ذوق غريب في اختيار ملابس لا أجدها في السوق العراقية، على الرغم من توافر كل الماركات والانفتاح في بغداد. من خلال دراستي وعزيمتي، طورت موهبتي. ومع مرور الوقت، قررت أن أخوض هذا المجال بشكل احترافي، وأعمل على إبراز تصاميم تعبّر عن ثقافتي العراقية بلمسة عصرية. بعد المرحلة التجارية المحلية في شركتنا العراقية الشهيرة (سمير أميس)، بدأت مرحلة أخرى نحو احتراف الرسم وتصميم الأزياء، وأنا أدرس في كلية الفنون الجميلة في بغداد. وفي الوقت ذاته، كنت موظفاً في وزارة الثقافة كمصمم أزياء أول محترف، حيث قدمت تصاميم فنية للعروض الدولية”.
رسام موهوب
ويضيف: “على صعيد الفن التشكيلي، كنت رساماً موهوباً ودرست الرسم منذ المرحلة الابتدائية على يد أساتذة محترفين من خلال دورات رسمية. كان أول معرض رسم لي خلال فترة المدرسة، حيث شاركت في معرض الأطفال الذي أقيم بإشراف اليونيسيف في الهند عام 1988. أما بالنسبة للتحديات، ففي المرحلة الأولى لم أواجه صعوبات كبيرة. التحديات الحقيقية بدأت مع الاحتراف في بداياتي الأكاديمية منذ عام 2000، حيث ظهرت تحديات النجاح والتنافس والمحاربة، خاصة بعد بروزي سواء في الفن التشكيلي أو تصميم الأزياء، وهو اختصاص صعب لم يكن يتميز فيه الكثيرون في تلك المرحلة”.

الفنان التشكيلي ميلاد حامد
أما عن التحديات التي واجهها في بداية مشواره الفني، فيقول: “التحديات كانت كبيرة، خاصة مع بداية مسيرتي، لذلك كان من الصعب أن أوصل تصاميمي وأصل بصوتي إلى العالم، وأن أجد من يؤمن برؤيتي. العمل في مجال تصميم الأزياء يتطلب جهداً كبيراً وأموالاً طائلة لمواكبة التغيرات السريعة في الموضة العالمية. لكن هذا التحدي كان دافعاً لي لأكون أفضل، وأحرص على أن تكون كل مجموعة جديدة تعكس التطور والشغف الذي أحمله”.
وعن مدى تأثره بالثقافة العراقية وما تركته من أثر في تصميماته للأزياء، يشرح: “الثقافة العراقية غنية بالتاريخ والفن والتقاليد، وقد ألهمتني كثيراً في تصاميمي. أستمتع بدمج عناصر من تراثنا العريق بطريقة حديثة تناسب الأذواق العالمية. من النقوش والزخارف التقليدية إلى الألوان الدافئة التي تميز ثقافتنا، أحاول دائماً أن أقدم تصاميم تروي قصة عراقية أصيلة، وتعبر في الوقت ذاته عن الأناقة المعاصرة، وعن الحقب التاريخية لوادي الرافدين وحضارة ميزوبوتاميا، لأنطلق نحو العالمية من خلال هذه الثقافة العريقة وأقدمها برؤية معاصرة للأجيال في داخل الوطن والعالم”.
وعن الرسالة التي يرغب في إيصالها من خلال تصاميمه، قال: “نعم، أتمنى أن تنقل تصاميمي رسالة إيجابية وفخراً بالهوية والثقافة العراقية والعربية. أؤمن بأن الأزياء ليست مجرد ملابس، بل وسيلة للتعبير عن الذات والتواصل بين الثقافات. رسالتي هي أن الجمال موجود في التنوع، وأننا كعراقيين لدينا الكثير لنقدمه للعالم. وأرغب دائماً بأن يشعر كل من يرتدي من تصاميمي بالثقة والتميز”.
وعن النصائح التي يوجهها للمصممين الشباب الذين يطمحون إلى النجاح في عالم الموضة، يقول: “أنصح المصممين الشباب بالعمل الجاد وتطوير مهاراتهم باستمرار، وأن يكون لديهم رؤية خاصة تميزهم. عالم الأزياء يحتاج إلى شغف وإصرار، كما يحتاج إلى فهم للثقافة والجماليات التي تلهمنا. ومن المهم أيضاً أن يكون لديهم القدرة على التكيف والتعلم من كل تجربة، وألا يتوقفوا عن الإبداع والابتكار”.

من أعمال الفنان

مزج التراث مع الموضة
وعن مزج التراث العراقي مع عناصر الموضة العالمية في تصاميمه، أكد: “عند مزج التراث العراقي مع الموضة العالمية أو تقديم مجموعات المواسم وعروض الأزياء، أحرص على مراعاة عدة عوامل أساسية لضمان توازن يعكس الهوية العراقية ويواكب الذوق العالمي. أولاً، أركز على انتقاء العناصر التقليدية التي تحمل رموزاً تاريخية أو ثقافية عميقة، مثل الكتابات المسمارية، والحروف العربية، والنقوش والزخارف التي تعكس طبيعة وثقافة العراق. ثم أعمل على تبسيط تلك العناصر وتقديمها بأسلوب عصري، بحيث تصبح مناسبة لأزياء اليوم ويمكن أن تقتنيها النساء العراقيات أو الشرقيات وحتى الأوروبيات. هذه مهمة مضاعفة؛ مراعاة مزاج الشرق والغرب في آن واحد”.
وأضاف: “أضع في اعتباري أن تكون التصاميم مريحة وعملية، لأن الموضة العالمية اليوم تميل إلى الراحة والبساطة دون التضحية بالأناقة. أخيراً، أهتم بأن تعبر كل قطعة عن رسالة تعزز فخرنا بتراثنا، وتلهم الآخرين لاكتشاف جمال الثقافة العراقية من خلال الأزياء”.
وعن تأثير مشاركاته في أسابيع الموضة العالمية في باريس وميلانو ونيويورك على انتشار أعماله عالمياً، وهل من مشاركات مستقبلية في هذا الإطار؟ يقول: “مشاركاتي في أسابيع الموضة العالمية لها تأثير كبير على انتشار أعمالي عالمياً. هذه المنصات تمنح المصممين فرصة للوصول إلى جمهور أوسع، ولتقديم رؤيتي وإبداعي على مستوى عالمي، حيث تساهم في تعزيز حضور المصممين والمشاهير وأصحاب التأثير في صناعة الموضة”.
ويضيف: “إن التواجد في أسابيع الموضة يفتح أبواباً للتعاون مع مجلات عالمية ومتاجر راقية من مختلف أنحاء العالم. كما أنه يتيح لي فرصة التفاعل مع جمهور متنوع واكتساب رؤى جديدة تساعدني في تطوير التصاميم والمنتجات لتتناسب مع احتياجات الأسواق المختلفة”.
وعن عمله الحالي يقول: “أسعى جاهداً لتعزيز حضوري في هذه الأسابيع من خلال تقديم مجموعات تتميز بالابتكار وتراعي التوجهات الحديثة في الموضة. كما أن لدي حضوراً في النمسا على مدى 7 سنوات، من خلال أسبوع الموضة في فيينا (Vienna Fashion Week). بالإضافة إلى ذلك، أعمل على إنتاج حلقات عن أسبوع الموضة عبر التلفزيون النمساوي من خلال برنامجي (جماليون)، حيث ألتقي مع مصممات ومصممين للأزياء وصناع الإكسسوارات وأطرح ما يقدم في هذه الفعاليات بمشاركة كادر فني من إعدادي وتقديمي. أما بالنسبة للمشاركات المستقبلية، فأنا أطمح للاستمرار في هذه المنصات”.
وعن مؤسسة “أورنمو” للثقافة والفنون والاندماج، وما الذي ألهمه لإنشائها وما هي رسالتها وأهدافها الأساسية؟ يقول: “مؤسسة (أورنمو) للثقافة والفنون والاندماج (Ornam) أُسست في فيينا في بداية عام 2020، ولكن تم تسجيلها رسمياً والاعتراف بها في بداية عام 2023. المؤسسة هي من تأسيسي بالتعاون مع الزميل مهند، المسؤول الإداري، وأنا المشرف الفني والمدرس في المؤسسة. هدفها أن تكون مظلة ثقافية لدعم التنوع الثقافي، وتعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، وتشجيع الإبداع الفني والأدبي”.
وأضاف: “اسم (أورنمو) مستوحى من قانون (أورنمو)، الذي يُعد أقدم قانون مكتشف في التاريخ، وقد سبق قانون حمورابي بثلاثة قرون. الإلهام لإنشاء (أورنمو) جاء من رغبتي في سد الفجوة بين المجتمعات الثقافية المختلفة التي تعيش في النمسا، وتحديداً في فيينا، المدينة التي تُعتبر بوتقة تجمع مختلف الثقافات. لاحظت أن هناك العديد من الأفراد الموهوبين والمبدعين، خاصة من خلفيات مهاجرة، الذين يملكون قدرات هائلة ولكنهم يفتقرون إلى المنصات المناسبة التي تمكنهم من التعبير عن أنفسهم أو تقديم فنهم وثقافاتهم بالشكل الذي يستحقونه. كما لاحظت وجود فجوة في التفاهم بين المجتمعات المحلية والمجتمعات المهاجرة. من هنا جاءت فكرة المؤسسة لتكون حلقة وصل بين المهاجرين والمجتمع النمساوي الذي فتح الأبواب ودعمهم في كل المجالات”.
وقال: “رسالة (أورنمو) هي بناء جسور التواصل بين الثقافات، وتشجيع التفاهم والاحترام المتبادل من خلال الفنون والثقافة. نسعى لخلق مساحات فنية تعبر عن أصوات متنوعة، وتتيح للجميع المشاركة والتفاعل، سواء كانوا فنانين أم جماهير من خلفيات مختلفة. نعمل على تعزيز الاندماج الثقافي من خلال تنظيم ورش عمل وفعاليات ثقافية ومعارض فنية تجمع أفراداً من ثقافات وخلفيات مختلفة. كما ندعم الفنانين الصاعدين والمهاجرين بتوفير منصة لعرض أعمالهم في مجالات الفنون التشكيلية، الموسيقى، الأدب، تصميم الأزياء، أو المسرح، إلى جانب تقديم الدعم والتوجيه اللازم لتحقيق إمكانياتهم الفنية”.
وأضاف: “نؤمن أن التعليم جزء مهم من عملية الاندماج. لذلك، نقدم برامج تعليمية وورش عمل حول تاريخ الفنون وأهمية التعددية الثقافية في تعزيز المجتمعات. نهتم أيضاً بإحياء الثقافة الأصلية للمهاجرين وتعريف المجتمع المحلي بها، لتعزيز الشعور بالفخر والانتماء الثقافي”.

الفنان التشكيلي ميلاد حامد
الفن ودوره في التغيير
وعن استخدام الفن لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية وثقافية، يقول: “رسالة الفن بالنسبة لي تتجاوز الأزياء والموضة كمنتج للاستهلاك. أعتبره منصة للتعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية حساسة. من خلال عروض الأزياء التي قدمتها، سواء في العراق سابقاً أو في النمسا حالياً، أحرص على تسليط الضوء على موضوعات مثل تزويج القاصرات، الاضطهاد، واستغلال الأطفال، عبر تصاميم تحمل عمقاً ومعاناة واقعية. رسالتي هي أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير وكسر الصمت حول القضايا الحساسة”.
وأضاف: “من أهم النقاط المضيئة في مسيرتي كفنان هو تقديم الأزياء كأداة تعبير سياسي وتحويلها إلى منصة لفضح القوانين والممارسات الاجتماعية مثل تشريع زواج القاصرات. من خلال الأقمشة، الألوان، والتصاميم، أحكي قصصاً عن المعاناة الإنسانية. هذه الرسائل وصلت إلى الصحافة العالمية والعربية، ووصفتني بعض الأقلام بـ(الحبر الذي جف بأقلامهم المظلومة)، لأنني استطعت التعبير عن قضايا لم يُسمح لهم بالتعبير عنها”.
وعن دور الفن في تحدي القوانين الرجعية التي تسمح بزواج القاصرات في الألفية الثالثة، يقول: “الفن له دور كبير في إعادة تعريف المجتمعات، في كشف الحقيقة والدفاع عن حقوق الإنسان. كما أنه وسيلة للتواصل مع جمهوري عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أعمل على تكثيف وجودي لإشراك جمهور أكبر في القضايا التي أناقشها.
فأنا لا أكتفي بتصميم ورسم اللوحات والأزياء، بل يكمن دوري في إشعال ثورة فنية ضد الظلم. رسالتي تبرهن على أن الفن يمكن أن يكون سلاحاً أقوى من الكلمات، وأن يتفوق على صوت رجال الدين أو السياسيين الفاسدين في العراق، الذين بأفعالهم شتتوا كل مبدعي وعلماء ومثقفي العراق في دول العالم، لكون الفنان بنظرهم لا يجب أن يعيش”.
ويؤكد: “الفن يجب أن يكون صوتاً لمن لا صوت لهم. سأستمر في إيصال رسالتي. فأنا لست مجرد مصمم أزياء، بل مؤرخ للمعاناة ومبشر بالتغيير، وهذه أهدافي ومهمتي”.

من أعمال الفنان في مجال الأزياء
كيف تأثرت حياتك ومسيرتك بانتقالك إلى النمسا؟ وكيف استطعت نقل روح الشرق وثقافة العراق إلى الجمهور الأوروبي؟
يقول: “كوني مصمم أزياء عربي أعيش في أوروبا، في النمسا تحديداً، أعتقد أنني أساهم في تصحيح الصور النمطية عن الثقافة العربية، وتقديمها في قالب متجدد ومعاصر. النجاح الذي حققته في أوروبا كان قد بدأ قبل وجودي وانتقالي إلى النمسا، حيث سبقه حصولي على جائزة كأس العالم الدولية للموضة في لندن عام 2014. هذا النجاح يعكس قدرتي على تقديم إبداع يتجاوز الحدود الثقافية المحلية، ويجمع بين هويتي وتراثي مع الذوق العالمي. وأجد إقبالاً وإعجاباً من المتذوقين الأوروبيين، خاصة في دول مثل النمسا التي تمتلك تاريخاً عريقاً في الفنون والموضة”.
مؤرخ للمعاناة
ويضيف: “تصاميمي تعد جسراً ثقافياً، تحمل أصالة شرقية تمتزج برؤية عصرية تلهم الجمهور الأوروبي المتذوق الذي يقدر التفرد والابتكار. إعجاب الأوروبيات بتصاميمي يعكس تميزي في تقديم شيء مختلف وجديد. كما أن المشاركة في فعاليات مرموقة، مثل عرض أزياء (فاشنستا) الأخير، ونجاحي مع واحدة من أهم وكالات الموضة في النمسا وأوروبا، يبرز قيمة رسالتي الإنسانية التي أضافت عمقاً إلى تصاميمي. هذا يجعلها ليست فقط قطعاً فنية، بل حوارات صامتة مع الجمهور”.
أما عن كيفية تعامل الفنان ميلاد حامد مع الانتقادات والتحديات التي تواجهه كمصمم أزياء عربي على المستوى العالمي، فيقول: “بعد بروزي في العراق والشرق الأوسط، سواء في مجال الفن التشكيلي أو تصميم الأزياء، وهو اختصاص صعب، تظل التحديات كبيرة. خاصةً في بداية مسيرتي، كان من الصعب أن أوصل تصاميمي وصوتي إلى العالم، وأن أجد من يؤمن برؤيتي. بالإضافة إلى ذلك، العمل في مجال تصميم الأزياء يتطلب جهداً كبيراً وأموالاً طائلة لمواكبة التغيرات السريعة في الموضة العالمية. لكن هذه التحديات كانت دافعاً لي لأكون أفضل، وأحرص على أن تكون كل مجموعة جديدة تعكس التطور والشغف الذي أحمله”.
وختم: “الفن يجب أن يكون صوتاً لمن لا صوت لهم. سأستمر في إيصال رسالتي. أنا لست مجرد مصمم أزياء، بل مؤرخ للمعاناة ومبشر بالتغيير، وهذه هي أهدافي ومهمتي”.
الصور
وكالة الأزياء (عارضات المركز الأول MAGI)
Modeagentur (1 st Place
(Models MAGI)
أزياء: مصمم الأزياءالعالمي

ميلاد حامد