يوميات

الدور الخفي للآباء في الأسرة

مجدي جادو

صدر في أمريكا مؤخراً كتاب بعنوان “أبي، ماذا تفعل خارج المنزل؟” يتناول دور الأب ومكانته في الأسرة والجهد الخفي الذي لا يراه الأبناء، والمشاكل التي يواجهها في عمله دون أن يشعر بها أحد. الأبناء يرون فقط ابتسامته، رغم قلة الأوقات التي يلتقي فيها بهم، إذ يتلقى التقارير اليومية كل مساء من الزوجة حول أحوالهم.

ويبدو أن الأم تستحوذ في تكوين الأسرة على اهتمام الأبناء وحبهم الفطري، وتفيض عليهم بمشاعر القلق تجاه أي مرض أو إرهاق أو ضيق يصيبها. الأبناء يحسبون حساباً لغضبها ويتجنبون عقابها، خصوصاً إذا كانت من النوع الصارم الذي يحاسب الأبناء – البنين والبنات – على كل فعل أو كلمة أو علاقة مع الزملاء والأصدقاء. كما تفتش في ملابسهم وتتحسس رائحة الأبناء المراهقين الذين يحاولون تجربة التدخين بعيداً عن المنزل.

الارتباط بين الأبناء والأم هو ارتباط عاطفي يخلو من حسابات العقل، لأنها مصدر الطاقة والدفء والحماية من تقلبات الأيام، وهي الستار الذي يخفي عن الأب أي فعل قد يصل إلى مسامعه. السبب الأهم لهذا الارتباط هو أنها تتولى إدارة شؤون المنزل: الطبخ، النظافة، الأطباء، الأدوية، التعليم، الدروس الخاصة، تدريبات النادي، المناسبات، وأعياد الميلاد. كل هذه الأمور تقوم بها الأم، وأثرها يصل إلى جميع أفراد العائلة، كما أنها الوسيط بين الأبناء والأب في تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم، أو التوسط عنده حين يغضب من أحدهم لأي سبب يلاحظه صدفة أثناء وجوده مع الأسرة وقت الراحة أو العطلات الأسبوعية.

إذن، أين الأب في الكيان الأسري؟ وما هي مكانته؟ ما دوره؟ وما علاقته بالأبناء؟ وماذا يفعل خارج المنزل لساعات طويلة؟ وما الحالة التي يسببها وجود الأب بين الأبناء؟

من أسوأ المشاعر التي يمكن أن تصيب الرجل أن يصبح مجرد مصدر للمال تعتمد عليه العائلة، دون اعتبار للجهد والعناء الذي يبذله، أو الأزمات التي يواجهها للوصول إلى أفضل مستوى معيشي للأسرة. إن المواقف الصعبة التي يمر بها الأب في عمله، وعلاقاته مع الزملاء والرؤساء والمتعاملين، تظل خفية عن الجميع.

الأب الذي يعاني خارج المنزل يعود ليترك كل همومه خلفه – سواء كانت معنوية أو مادية – حتى لا يشعر الأبناء بما في نفسه من ضيق أو ألم. الأب لا يفصح كثيراً عن معاناته ومشاكله، ويحاول دائماً أن يفرض الابتسامة والهدوء في المنزل، ليزرع في أبنائه إحساساً بالأمان والسكينة كل مساء.

الأب الحنون يمر على غرف الأبناء ليطمئن عليهم، يداعبهم، يستمع لمطالبهم واحتجاجاتهم على بعض قرارات الأم، ويوعدهم بأن الأمور ستكون بخير.

الأب يفعل الكثير خارج المنزل، وربما لا يراه الأبناء ولا يلمسون ذلك، لكن آثاره تعود عليهم عندما تتحقق رغباتهم ومطالبهم، دون أن يشعروا بحجم التضحيات التي قدمها من أجل سعادتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى