مقالات

الرياضة والسياسة … قضية شائكة

وليد رمضان

تحذر القوانين الرياضية الدولية (التسييس) وإقحام الصراعات الحزبية عليها واستخدام منصاتها لدعايات عنصرية… وبقدر وضوح القواعد اكتسبت الألعاب الرياضية شعبيتها… فكل شيء يمضي وفق قوانين تحترم وقواعد تلزّم… من هذه الزاوية اكتسبت الرياضة قدرتها على التقريب بين الشعوب والثقافات… أنها لغة واحدة خاصة كرة القدم التي تقام منافستها بين الدول والأندية في القارات الخمس تحت شعار الروح الرياضية والتنافس الشريف في الوقت الذي تعكّر صفو السياسة في أحيان كثيرة هذه الثقافة الرياضية والكروية خاصة والشعار الأوليمبي (الأسرع والأعلى والأقوى).

وتستخدم الحكومات الرياضية خاصة كرة القدم للتغطية على القضايا السياسية والاقتصادية بهدف إلهاء الشعوب في بعض البلاد وتحقيق شعبية وشرعية قبل الانتخابات أو خلال الأزمات التي تعيشها البلاد، ويتمّ في أحيان كثيرة انتساب هذه النجاحات الرياضية إلى رصيد الحاكم.

كما استخدمت الرياضة كوسيلة للتأثير في العلاقات الدبلوماسية والاجتماعية والسياسية، وكان لاستخدام الرياضة والسياسة آثار إيجابية وسلبية على مرّ التاريخ… كما يرتبط الحماس الوطني أحياناً بالانتصارات أو الخسائر لبعض الرياضات في الميادين الرياضية، واستخدم الرياضة لعزل جنوب أفريقيا؛ بسبب التفرقة العنصرية وروسيا بسبب الاعتداء على أوكرانيا، وأصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بياناً مشتركاً مع الاتحاد الأوروبي أيضاً من خلاله استبعاد كل المنتخبات الروسية من مسابقاتها لأجل غير مسمى… الأمر الذي حرم منتخب روسيا من التأهل لكأس العالم في قطر 2022 حال تأهله وبالفعل لم تشارك روسيا في المونديال الماضي في قطر.

منذ سنوات طويلة والسياسة هي الخطر الخفي الذي من الممكن أن يدمّر الرياضة، ويحولها إلى معركة سياسية تفقد كل المعاني الجميلة للرياضة ومنذ وقت طويل والسياسة تلاحق الرياضة، وتضع أنفسها الضخم الصلب في أمور شتى سواء في إسناد تنظيم بطولات كأس العالم أو سحبها من دول أسند إليها التنظيم بالفعل وكذلك تنظيم الدورة الأوليمبية والبطولات القارية، ودخلت السياسة وتحكمت في الرياضة، فكانت سبباً في مقاطعة عدو دول لدورات أوليمبية وحرمان دول من المشاركة في بطولات كبرى في كرة القدم كما حدث ليوغسلافيا في بطولة الأمم الأوروبية عام 1992، وشاركت بدلاً منها الدنمارك التي فازت بالبطولة في مفاجأة صارخة. 

وكانت السياسة والخلافات الدولية سبباً في تحول مباراة عادية بين هندوراس والسلفادور إلى حرب راح ضحيتها المئات من الأرواح، وغابت دول متقدمة رياضياً عن دورة انفرس عام 1920 وهي ألمانيا والنمسا والمجر وتركيا وبلغاريا بسبب الهزيمة في الحرب العالمية الأولى (1941 – 1918) وتعرضت الدورة الأوليمبية عام 1940 إلى الإلغاء؛ بسبب الحرب اليابانية الصينية، وعندما تقرر نقلها إلى هلسنكي اندلعت الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) التي كانت سبباً في إلغاء دورة عام 1944 وكأس العالم عام 1942 و 1946.

وغابت أكثر من دولة عن دورة ملبورن الأوليمبية عام 1956 منها هولندا وإسبانيا كما انسحبت جميع الدول العربية بسبب العدوان الثلاثي الغاشم على مصر من دول (إنجلترا – فرنسا – إسرائيل) ولكن مصر اشتركت في لعبة الفروسية التي أقيمت منافستها في قارة أخرى غير قارة أستراليا (بالسويد) وقبل انطلاق الدورة بخمسة شهور.

وانسحبت من دورة مونتريال الأوليمبية عام 1976 ثلاث وثلاثون دولة أفريقية وعربية بناء على قرار المجلس الأعلى للرياضة في أفريقيا وهو القرار الذي صدر احتجاجاً على عدم طرد نيوزيلندا من أوليمبياد مونتريال؛ بسبب علاقتها بجنوب أفريقيا العنصرية في مجال الرياضة عامة والرجي خاصة كما رفضت بعثة الصين الوطنية (تايوان) الاشتراك بالدورة؛ بسبب اشتراط كندا أن تشترك تايوان بدون اسم أو علم أو نشيد وطني، وذلك مجاملة للصين الشعبية.

وكادت دورة ميونيخ 1972 أن تفسد بسبب ما حدث أثناها من ثمانية فدائيين فلسطينيين في القرية الأوليمبية، وقتلهم (11) رياضياً إسرائيلياً وخمسة فلسطينيين، وغابت (62) دولة عن دورة موسكو 1980؛ بسبب احتلال روسيا لأفغانستان، وكان على رأسهم أريكا واليابان وألمانيا والصين الشعبية، وكل الدول العربية وردت روسيا في دورة لوس أنجلوس 1984، وقاطعت الدورة مع فيتنام وأفغانستان وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وكان الهدف هو إسقاط الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في انتخابات الرئاسة الأمريكية وخوفاً من تحريض الرياضيين الروس وغيرهم على طلب حق اللجوء السياسي وفي كأس العالم 1934 بإيطاليا قرر رئيس الوزراء الإيطالي نبيتو موسوليني وضع كل إمكانيات إيطاليا تحت تصرف اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم، وأمر الفريق بالفوز بالكأس بأي ثمن قائلاً (الكأس أو الموت) وعادت إيطاليا لتفوز بالكأس عام 1938 بفرنسا بجانب بطولة كرة القدم في دورة برلين عام 1936.

وتم سحب تنظيم بطولة كأس العالم للشباب عام 1995 من نيجيريا وإسنادها لدولة قطر نتيجة انتشار الأمراض وعدم استقرار الأوضاع السياسية في نيجيريا، وتعرضت نيجيريا للإيقاف وعدم الاشتراك في بطولة الأمم الأفريقية في بطولة 1996، 1998 نتيجة انتهاكات سياسية وقتلهم (7) أشخاص أجانب.

واستخدام الملك فاروق نادي المختلط (الزمالك حالياً) في مصر للتقرب إلى الشعب من خلال كرة القدم وحضور المباريات والمنافسات الرياضية، وحمل النادي اسم الملك (فاروق) حتى رحيه عن مصر (1944 – 1952) وكان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو يعطي من وقته مساحة كبيرة للرياضة والملاكمة بشكل خاص حتى حققت كوبا نجاحات كبيرة في هذه اللعبة عالمياً وأولمبياً كما زادت شعبية كاسترو بصداقته بنجم الكرة مارادونا، وسافر الرئيس الإيطالي إيساندرو بيرتيني إلى إسبانيا لمساندة المنتخب الإيطالي وحضور المباراة النهائية في كأس العالم عام 1982 أمام منتخب، وكان فوز إيطاليا باللقب من أسباب ارتفاع شعبية بريتيني بعد عودته حاملاً كأس العالم… وفعل هذا الرئيس الفرنسي جاك شيراك في كأس العالم 1998 بفرنسا، وكان شيراك حريصاً على حضور كل المباريات حبّاً في كرة القدم وتقرباً من الشعب الفرنسي الذي لن ينسى أول بطولة لكأس العالم تحققت في حضور جاك شيراك مرتدياً فانلة المنتخب الفرنسي وهو نفس الأمر الذي حدث للرئيس الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا في بطولة كأس الأمم الأفريقية بجنوب أفريقيا عام 1996 وفوز منتخب جنوب أفريقيا بكأس البطولة لأول مرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى