آراء و مقالات

الصحافة الورقية .. موت غير معلن ؟!

ملكون ملكون

مما لا شك فيه أنَّ الصحافة الورقية تئن تحت وطأة ثورة الاتصالات و المعلومات و ضغط شبكة الإنترنت .. القرّاء اختاروا أسهل الطرق للقراءة وهجروا الورق وتشبثوا بشاشاتٍ برّاقة غيّرت من أنماط الإهتمام والقراءة في مجتمع المعرفة.

كبريات الصحف في العالم ألغت نسخها الورقية و تحولت لمنصات رقمية، والمؤسف أنّ هذا الأمر امتد حتى للكتب أيضاً، فظهرت النسخ الالكترونية و الكتب الصوتية، حتى الموسوعة البريطانية وهي أشهر موسوعة عالمية انتقلت للنسخة الإلكترونية.

بلغة الأرقام يبلغ عدد قرّاء الصحف الورقية في العالم نحو 1,7 مليار شخص، مقابل حوالي 2,5 مليار شخص يتعاملون مع النسخ الإلكترونية.

الجيل الجديد في عالم اليوم يريد الحصول على الأخبار بسرعة، كما يأكل في مطاعم “الفاست فوود”. وهذا التحول في عادات القراءة تشكل جوهر الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية في العالم.

ولأن معظم المتصفحين من الفئة الشبابية، لا يهتمون كثيراً بالمقالات الجادة والتقارير المطولة ولا بتفاصيل الأخبار، بل يلقون نظرة عابرة على العناوين في الصفحة الأولى. وهذه حقيقة أدركها فتى إنجليزي في السابعة عشرة من العمر يدعي “نك دي اليوزي”، الذي وضع برنامجاً لتلخيص الأخبار وتحول إلى مليونير في فترة وجيزة.

التطبيق الجديد يقوم بتحليل الخبر ومن ثم تحويله إلى نص مكوّن من 400 حرف، بحيث يحصل المستخدم على الخلاصة المفيدة من الخبر. وحسب قناة بي بي سي يشير نك إلى أنه وجد أنّ قراءة التقارير الإخبارية المطولة على شاشة الهاتف الذكي الصغيرة أمر غير مريح، من هنا قام ببرمجة هذا التطبيق.

ابتكار

لنعترف أنه لا تستطيع الصحف الورقية مجاراة الصحف الإلكترونية كوسيط نقل جديد للمعلومة والإعلان والتنافس مع مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت – التي تجتذب مئات الملايين من المتصفّحين مثل “تويتر”، “فيسبوك” وغيرهما – في سرعة نشر الخبر للقارئ وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة، في زمن يتقادم فيه الخبر بسرعة بالغة، وإتاحة المجال للقرّاء المشاركة في تحريرها والتعبير عن آرائهم ومناقشتها مع قرّاء آخرين بكل حرية على نحو لم يسبق له مثيلاً.

 ولكن الاتجاه إلى النشر الإلكتروني والاستغناء عن النسخة الورقية للصحف لا يُمثل حلاً، كما قد يعتقدُ كثير من ملاّك الصحف. فمع التدفق المعلوماتي الهائل والثورة التكنولوجية سريعة الخطى التي ستؤدي حتماً إلى مزيد من الازدهار للإعلام الرقمي؛ لا بد للصحافة التقليدية – في نسختها الورقية أو الإلكترونية – من أن تسعى لابتكار أساليب حديثة في العمل الصحفي.

ولا بد لها كذلك من أن تمتلك قدراً من الذكاء المهني الذي يؤهلها لأن تتكيف وتتعايش بشكل سلمي مع الإعلام الجديد، حتى لا تصبح بعد عقدين أو ثلاثة شيئاً من الماضي مكانه المتاحف وأرشيف الوثائق القومية.

الديمومة

لم ينته بعد، زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر ولن ينتهي قريباً كما يزعم المتشائمون، ولكن تبقى مسألة جوهرية في غاية الأهمية، وهي أن الصحافة الإلكترونية تفتقر إلى الديمومة التي تتصف بها المطبوعات الورقية. وأن معظم ما نعرفه عن ماضي البشرية مدوّن بطرق مختلفة على الأشياء المادية: ألواح الطين، أوراق البردي، الأحجار، الجلود ثم الورق، ولولا هذا التدوين لضاع تاريخ البشرية ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة. والأسوأ من ذلك انّ التراث الرقمي – إن صح التعبير – يمكن تغييره أو تحريفه بسهولة، خلافاً للآثار المادية للتأريخ. و ثمّة إمكانية للوقوف على أي تغيير أو تحوير أو تشويه في الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما في النصوص الإلكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبداً.

كاتب وصحافي سوري مقيم في السويد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى