فواصل منقوطة

فواصل منقوطة ؛؛؛

عبد الكريم البليخ

*رأيت.. رجل في خريف العمر انحنت قامته مع الزمن، وملأت التجاعيد وجهه، لا ينفع مال ولا بنون. هذا الرجل تقريباً هو أكبر المعمّرين في مدينتنا، فقد بلغ التسعين عاماً ونيّف.

هذا الرجل كثيراً ما عمل أجيراً في حقول القطن والذرة والقمح ليكسب زاد يومه هو وزوجته العجوز… ولكن لما بلغ به الزمن مبلغاً جعله لا يستطيع أن يعمل، اكتفى بالليرات القليلة التي يدفعها له التأمين كغيره من العجزة.

ولكني صعقت أخيراً، وأنا أراه يُنظف الحشائش من أحد الحقول، وهو يَجرَ نفسه جرّاً.. فلما سألته عن الذي حدا به أن يعمل، وقد قبض منذ وقت قصير على ليرات التأمين… قال لي: نعم قبضت تلك الليرات، ولكنني ساعدت بها كثيراً من الناس الذين بحاجة أكثر مني إلى المال، وكما ترى واقع الحرب في سوريا وما آل إليه واقع حياة الناس من تشرذم وضياع وقلة حيلة، وفقر مدقع، وإفقار حقيقي طال الجميع، وتراجع مخيف في قيمة الليرة؟ هذا الانحدار الذي يبعث على القلق جعل الناس يعيشون في المجهول، ولم يعد يعرفون إلى أين سيمضون؟

وقال متذمراً: الناس صاروا بحاجة ملحّة للقمة خبز يسدّون بها رمق أطفالهم، هذا إذا وجدت!، ورغبت التبرع بجزء من المبلغ الذي حصلت عليه من مؤسسة التأمين كي أشعر أنّي راض عن نفسي.

وكما تعرف أن أيامي في الدنيا صارت بين قوسين أو أدنى، فحريّ بي أن أقدم ما أمكنني من مساعدة لجهة أسرة ما، أو إنقاذ حياة مريض وتأمين الدواء الضروري له، أو المساهمة في مبلغ بسيط لجهة ترميم مسكن آيل إلى السقوط، فضلاً عن كثير من الأشياء التي علينا أن نقف عندها والتعامل معها باحساس إنساني صادق نابع من القلب. 

وهكذا وقفت له إجلالاً وتعظيماً والدموع تنهمر من عيني.

**

*قرأت..  أن دار “كريستيز” طرحت في نيويورك ساعة “رولكس” قديمة للبيع كان يضعها أسير بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، واستُخدمت لتنظيم عملية “الهروب الكبير” الشهيرة من معسكر نازي سنة 1944.

وسبق أن قدمت دار “كريستيز” للمزادات في 9 يونيو (حزيران) الماضي مزاداً تُطرح فيه للبيع ساعة “رولكس 3525 مونوبلوكو”، وهي ساعة كان يضعها الملازم الأول في سلاح الجو الملكي جيرالد إيمسون خلال احتجازه في معسكر “شتالاغ لوفت 3” النازي في سيليزيا البولندية.

وشارك في خطة الهروب من المعسكر عبر الأنفاق 250 سجيناً من ضباط بريطانيين وكنديين وأميركيين وبولنديين وأستراليين، وفيما نجح ثلثهم بالهروب أعدم الألمان خمسين من الذين ألقوا القبض عليهم، وأطلقوا سراح الآخرين عام 1945.

وتناولت رواية للكاتب والطيار بول بريكهيل هذه الحقائق التاريخية، واقتُبس منها الفيلم الأميركي الشهير “الهروب العظيم” عام 1963 للمخرج الأميركي جون ستورجس ومن بطولة الممثل ستيف ماكوين.

وأشارت دار “كريستيز” على لسان مستشارها للساعات آدم فيكتور، إلى أنّ القيمة التقديرية للساعة تبلغ حالياً نحو مائتي ألف دولار، لكنّ تاريخها يجعلها لا تقدر بثمن.

وتعد قصة هذه الساعة استثنائية، إذ استطاع الملازم إيمسون الذي كان سجيناً في المعسكر أن يطلب الساعة الشهيرة من شركة “رولكس” ويتسلمها عبر الصليب الأحمر، وسُمح له بدفع ثمنها بعد انتهاء الحرب.

وقال فيكتور: “عندما وصلت الساعة إلى الملازم، كان التخطيط للهروب الكبير قد بدأ، وكان على الضباط تحديد الوقت الذي يحتاج إليه السجناء لاجتياز المسافة بين الحفرة والغابة عبر الأنفاق”.

وأشارت الرواية التاريخية إلى أنّ جيرالد إيمسون كان السجين الرقم 172 في عملية الهروب، لكنه لم يصل إلى النفق؛ لأنّ الجنود الألمان علموا بالخطة.

ورغم ذلك، نجا الطيار البريطاني من الإعدام على يد القوات الألمانية، وحافظ على ساعته خلال الحرب كلها.

وأوضح فيكتور أنّ سراح إيمسون أُطلق سنة 1945 عندما كان النازيون ينقلون السجناء عبر أوروبا لمحاولة الهروب من قوات الحلفاء، وعاد الملازم إلى زوجته وعائلته، وحافظ على الساعة حتى وفاته.

..

 وأن النجم الفرنسي الراحل ألان ديلون سبق له أن أدى أدواراً بارزة في أفلام مميّزة، مثل: “شمس ساطعة”، و”الساموراي”، و”الفهد”. وبموازاة ذلك، رفض أدواراً حقّقت -ولا تزال تُستعاد وتحقّق- أصداء عالمية، مثل “العراب” و”جيمس بوند” في سلسلة الأفلام الشهيرة. لكن ديلون – وفق ما نقل مقرّبون منه – لم يرَ أنه ارتكب بذلك الرفض خطأ يستحقّ الندم.

في نهاية سبعينات القرن الماضي، كان مشغولاً بتصوير فيلم “الطبيب” في استوديوهات “بولون” بباريس، حين زاره المنتج ألبرت بروكولي عارضاً عليه أداء دور العميل السرّي البريطاني “جيمس بوند”. وكان الممثل سين كونري قد أقلع عن الاستمرار في الدور. لكن النجم الفرنسي رفض، لإصراره على السيطرة بالكامل على أعماله، وأن تكون له الكلمة الأولى.

في حديث إلى إذاعة “إر تي إل”، يقول منتج “الطبيب” ألان ترزيان، إنّ ديلون رفض أيضاً الظهور في فيلم “لقاءات من النوع الثالث” للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبيرغ، عام 1977. ولمّا اتصل به المخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي عارضاً عليه بطولة “آخر تانغو في باريس”، اعتذر ورشّح له مارلون براندو.

ويمضي ترزيان ليؤكد أنّ ديلون رفض دور “الشريف علي” في “لورنس العرب”؛ وهو الذي ذهب إلى عمر الشريف. سبب الرفض أنّ الممثل الفرنسي لم يودّ إخفاء عينيه الزرقاوين بعدسات لاصقة سوداء، كما يقتضي الدور.

لم يكن ديلون مرتاحاً لفكرة الإقامة في هوليوود، وفوّت أدواراً كثيرة جاءته من هناك. ومنها الاشتراك في فيلم “العراب” للمخرج فرنسيس فورد كوبولا. فمنتجه روبرت إيفانز الذي كان صديقاً مقرّباً من النجم، لم يكن مقتنعاً باختيار آل باتشينو لدور “العراب”. وقد اقترح على المخرج: وارن بيتي، أو روبرت ريدفورد، أو ألان ديلون؛ لكنّ الفكرة سرعان ما استُبعدت. وقد اعتذر أيضاً عن دور البطولة في “لويس الخامس عشر وماري أنطوانيت”، وفق ما أعلنت مخرجته صوفيا كوبولا، في تصريح عام 2006.

أخذ النجم الفرنسي مسافة من السينما في سنواته الأخيرة؛ لكنه كان يودّ الظهور في فيلم مع الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، ومن إخراج باتريس لوكونت. قال في واحدة من أخريات مقابلاته: “لا أشتاق للسينما. عندي كل شيء، فلماذا تريدونني أن أبعثر أشيائي في الريح، وأذهب لتمثيل دور شرطي مع المخرج كاسوفياتز؟ أحبّ العمل مع كوستا غافراس، ولوك بيسون، ورومان بولانسكي، وسبيلبيرغ؛ لكن كل الآخرين مضحكون”.

**

*سمعت.. إنَّ الموسيقى من أفضل الوسائل لمعالجة مرضى الأعصاب كما يؤكد الأطبّاء الأخصائيون في علاج الأمراض العقلية.

وأشار أحد الأطباء لو أنه تم تخصيص في كل مصحّة للأمراض العقلية قسماً خاصاً بالموسيقى، يديره أخصّائيون مدربون يعرفون مدى تأثير الموسيقى في النفوس لكان في ذلك علاج مفيد للمرضى.

وهذا هو ما أخذ به فعلاً أحد مديري المستشفيات في مدينة منهاتن الأميركية، فقد عمد إلى عزل فئة من مرضاه، ومراقبة تأثير بعض الأدوار الموسيقية المختارة في عقولهم المضطربة، فكانت النتيجة أن شفت الموسيقى كثيراً منهم.

وقد نظم مدير آخر فرقة من الأوركسترا تعزف أنغامها للمرضى في أوقات الطعام، فكان تأثير الموسيقى في هؤلاء المرضى المصابين بمختلف الأمراض العقلية بالغاً أبعد الحدود.

ويعتقدُ المشتغلون بمسائل العلاج النفسي أنّ المعالجة بالموسيقى تعتمد على الصلة الوثيقة بين التركيب العضوي في جسم الإنسان والأنغام المنظمة، وأنّ تأثيرها يتصل بميكانيكية العقل، لأنها تؤثر في أجزاء من المخ التي تعتبر مركز الإحساس والانفعالات.

ومنذ ثلاثة أعوام قام أحد أساتذة الموسيقى بسلسلة من التجارب الطريفة بأحد المستشفيات الخاصة بالأعصاب في شيكاغو، فعزف طائفة من الأغاني الإيطالية أمام امرأة مريضة كانت ترفض إرضاع طفلها، فظلت جامدة لا تبدي أقل تأثير بنغمات البيانو، حتى بدأ الموسيقار يعزف قطعة معينة، فلم تلبث أن تنبهت لدى سماعها، وعادت ترضع وليدها.

وأصيب رجل بالعمى أثر “هيستيريا” حادّة عقب وفاة زوجته، فاستدعى لعلاجه موسيقار معروف عزف له لحناً مفرحاً ـ بعد أن عزف له أنغاماً خافتة في مبدأ الأمر ـ طلبه بنفسه، فلم تمض ثلاثة أيام حتى هدأت أعصابه؛ وهكذا يتبين أنَّ للنغم تأثيراً مختلفاً في حالات المرضى، لما يحدثه في الدورة الدموية بالمخ.

رئيس التحرير

1/9/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى