“قسمة ونصيب”.. صور فاضحة تثير المشاعر!

عبد الكريم البليخ

تابعت، وبشيء من الاستغراب، برنامج “قسمة ونصيب” الذي تديره وتشرف عليه الفنانة اللبنانية ريتا حرب. ماذا يمكن أن نستخلص ـ نحن كمتابعين ـ من حلقاته التي عرضت على “يوتيوب” وتجاوزت الواحد والتسعين حلقة، والذي يصور علاقات فاضحة، وصوراً مزرية أكثر ما تثير المشاعر، وتخلُّ بالأدب في عز النهار؟ إنها تصوّر التفاهة بكل قيمها وألوانها!
ما الذي تريده الفنانة “حرب” من هذا البرنامج الذي أثار الكثير من الجدل بين المتابعين؟ البرنامج، الذي كان يُبث يومياً عدا يومي السبت والأحد، أساء لعقل المشاهد العربي بتقديم محتوى يُغرقه في الإسفاف، ويعرض صوراً ومشاهداً لا تمت للأدب أو الأخلاق بصلة.
البرنامج يُشارك فيه حوالي خمسة عشر شاباً وشابة، منتقين بعناية من دول عربية، خاصة من بلاد المغرب، مع عدد محدود من المشاركين من سوريا والعراق ولبنان. يفرض البرنامج قواعد سلوكية على المشاركين، مثل منع شدّ الشعر أو استخدام الألفاظ البذيئة، ويدّعي أنه يهدف لاختيار شريك الحياة من خلال قناعات متبادلة بين الطرفين. الهدف النهائي هو الدخول في “القفص الذهبي”، إلا أن الحلقات تشي بعكس ذلك، حيث يغلب عليها الصراعات السطحية التي لا تُنتج علاقات حقيقية.

ما يثير الاستغراب هو أن البرنامج لا يسعى إلى بناء علاقات جادة، بل يعزز التفاهة والانحطاط الأخلاقي. المشاركون يتنافسون للحصول على قبول الآخرين، وفي حال فشل أحدهم في كسب شريك الحياة، يُستخدم ما يُعرف بـ”بطاقة الطرد”، ليُقصى من البرنامج بتصويت المشاركين أنفسهم.

البرنامج، الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الاحترام للعادات والتقاليد العربية الأصيلة، يسيء لعقل الشباب العربي، ويقدّم أفكاراً مبتذلة تسخر من قيم الأسرة والمجتمع. يُظهر المشاركات بملابس فاضحة تُثير المشاعر، وتُضعف أي مصداقية قد يحملها البرنامج. علاقات الحب المفترضة بين المشاركين لا تتجاوز كونها تمثيليات عابرة خالية من أي عمق أو جدية، وسرعان ما تنهار بعد فترة قصيرة.
الصراعات والمشاحنات التي تظهر في الحلقات تُبرز جانباً آخر من البرنامج؛ إذ تتعدى بعض المشاركات على زملائهن بالضرب أو الإهانة، مما يُظهر البيئة السطحية والفوضوية التي يعمل البرنامج على تعزيزها. وبدلاً من تقديم صورة إيجابية عن الحب والعلاقات الجادة، نجده يُكرّس للسلوكيات السلبية، ويُفسد القيم التي يُفترض أن تكون حجر الزاوية في مثل هذه البرامج.

البرنامج فشل في تحقيق هدفه المعلن بتقديم علاقات تؤدي إلى الزواج. بل على العكس، معظم العلاقات التي نشأت من البرنامج انتهت بالفشل، تاركة خلفها مشاعر الندم والإحباط لدى المشاركين. عوضاً عن بناء جسور التفاهم، ساهم البرنامج في تعميق الخلافات، وخلق بيئة من الفوضى والسخط بين المتنافسين.
الأغرب أن القائمين على البرنامج يبدون أكثر اهتماماً بالمشاهدات و”الترندات”، على حساب تقديم محتوى جادّ يمكن أن يؤسس لعلاقات صادقة. البرنامج لا يُلبي تطلعات الشباب المقبلين على الزواج، ولا يُقدّم حلولًا واقعية لبناء شراكات مستدامة، بل ينحصر في دائرة الاستعراض والإثارة غير المبررة.
رغم الإمكانات المادية التي صُرفت على البرنامج، إلا أنه يبقى فاقدًا لأي قيمة حقيقية. هو مضيعة للوقت وإهانة للمشاهد العربي الذي يتابعه. المشاركون في البرنامج، بدلًا من أن يجدوا شريك حياتهم، يجدون أنفسهم في مواقف مهينة ومخيبة للآمال. بل أن بعضهم اضطر للاعتذار عن المشاركة أو اختلاق مشاكل للخروج منه حفاظاً على ماء الوجه.
لا يمكن لهذا البرنامج أن يُلبي طموحات الشباب العربي أو أن يُحقق حلم الزواج الناجح. بل على العكس، يُقدّم صورة مشوهة للعلاقات العاطفية، ويُكرّس لفكرة أن الحب والزواج يمكن اختزالهما في تصويت وتصفيات لا تخدم أي غرض حقيقي.
برنامج “قسمة ونصيب” ليس أكثر من تمثيلية فارغة تُخاطب الغرائز بدلاً من العقل، وتُسيء لقيم المجتمع العربي وتقاليده. هو مثال على المحتوى السطحي الذي يُروَّج له على حساب القيم الحقيقية. النتيجة النهائية ليست سوى مشاعر خيبة الأمل والإحباط لدى المشاركين والمشاهدين على حد سواء، مما يجعل من البرنامج رمزاً للتفاهة في زمن أصبحت فيه القيم الحقيقية مهددة أكثر من أي وقت مضى.

برنامج قسمة ونصيب