اللايك باللايك والبادئ أظلم

إبراهيم الزيدي
ذات يوم قالت لي إحدى السيدات، أنها من خلال متابعة ما أنشره تبين لها أن أقصى ما يمكن أن أحصل عليه هو (200) لايك. لم أعد أذكر مناسبة الحديث، ولا السياق الذي قالت لي به تلك الكلمات. آنذاك اخترت ثلاث عينات من صفحات الفيس بوك. 1-الكتاب المحترفون. 2-الهواة. 3-العامة.
العينة الأولى والثانية كان التفاوت بينهما بسيطاً. عند العامة وجدت الخبر اليقين.
تبين لي أن لا علاقة بين المنشورات واللايكات. العلاقة بين الناشر (سواء كان المنشور خبراً أو نصاً أو صورة أو أي شيء آخر)، وبين أصدقائه على صفحات الفيس بوك. وهذه العلاقة تقوم على مبدأ شائع في بلادنا (حكلّي لحكلّك)، بمعزل عن رأيك الحقيقي بما أنشره، لا بل أن البعض قام بتحديث هذا المبدأ، وصار يعلّق للجميع، مرة، ومرتين، وثلاث، يملأ صفحاتهم بكلامه الجميل عنهم، وبالتالي سيخجلون، ويردون إليه الجميل أيّاً كان منشوره!! وإلا ما معنى أن ينشر أحدهم صورة صحن فول، وتحصل الصورة على 2700 لايك، و 460 تعليقاً!! وقس على ذلك. وهذا ما يسمى في علم النفس “المحاكاة الاجتماعية”. تهذيباً لمقولة محاكاة القطيع.
يقول آلان دونو في كتابه ذائع الصيت “نظام التفاهة”: أن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم، ذلك أنّ التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً. إنّ مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين”. لست مع آلان دونو في إطلاق صفة التفاهة على الناس. أعتقدُ أنّ التفاهة شيء آخر، يمكن تسمية ما يحدث أنه عدم اكتراث، أو عدم مسؤولية. أو عدم معرفة بخطورة ترويج الكلام المجاني.
من طرائف ما سمعت في هذا الإطار، زارني ابن أحد أصدقائي ذات يوم، شاب في مقتبل العمر، يتقن اللغة الإنكليزية، وموظف في إحدى المؤسسات، وبنفس المؤسسة لديه صديق إيراني يعمل بصفة مهندس، وهذا الإيراني لديه شقيقة مقيمة في أميركا، فاقترح على صديقه السوري صداقة شقيقته الأميركية، وأخبر شقيقته بذلك، وأصبح الشاب السوري، والفتاة الإيرانية – الأميركية أصدقاء، وكان الشاب السوري يعلق على منشورات الفتاة المكتوبة باللغة الإنكليزية، إلى أن نشرت الفتاة ذات يوم منشورا باللغة الفارسية، فوضع لها الشاب السوري لايك، حين رأت الفتاة اللايك، تحدثت إليه عبر الماسينجر، وسألته إن كان يعرف اللغة الفارسية، فأخبرها أنّه لا يعرف اللغة الفارسية، فقالت: إذاً على أي أساس أعجبت بمنشوري؟! فارتبك الشاب، ولم يجد ما يقوله لها، وقامت الفتاة بإلغاء صداقته فوراً.
قد يقول أحدكم “شو علاقتك، كل واحد حر بصفحتو”، يقول فيكتور هوجو: “تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل، لأن منح الحرية لجاهل، كمنح سلاح لمجنون”.
شاعر وكاتب سوري