خارج أسوار الملاعب

النجم العاجي سباستيان هالر

قهر السرطان وأهدى بلاده كأس الأمم الإفريقية

محمد العباسي

بعد تأهل منتخب الأفيال العاجية بمعجزة إلى دور ثمن النهائي في بطولة كأس الأمم الأفريقية التي استضافتها بلاده مؤخراً كأحد أفضل أربعة فرق احتلت المركز الثالث في مجموعاتها وصفه الجميع بأنّه المنتخب العائد من الموت، لكن دراما كرة القدم لم تكن لتكتمل على النحو الأمثل إلّا بفوز أصحاب الضيافة باللقب ليس هذا فحسب، بل وبأقدام اللاعب سباستيان هالر الذي صارع الموت هو الآخر متمثلاً في مرض السرطان اللعين.

سباستيان هالر المولود في فرنسا لأب فرنسي وأم عاجية تصلح قصته لعمل درامي يفطر القلوب، فبعد أسبوعين فقط على انتقاله من نادي أياكس أمستردام الهولندي إلى بوروسيا دورتموند الألماني في صيف العام 2022 مقابل 33 مليون دولار اكتشف الأطباء إصابته بسرطان الخصية، فعاش كابوساً مرعباً ليخضع لعمليتين جراحيتين وعدّة جولات من العلاج الكيميائي على مدار ستة أشهر من دون أن يفقد الأمل في العودة ومواصلة رحلته مع كرة القدم.

كان سباستيان هالر قبل الانضمام لدورتموند في قمّة مستواه، وتألق مع أياكس كأفضل هداف في الدوري الهولندي بعدما أحرز 21 هدفاً إلى جانب تسجيله 11 هدفاً في دوري أبطال أوروبا ليعادل رقم البرتغالي كريستيانو رونالدو بالتسجيل في كل مباريات دور المجموعات وهو إنجاز لم يحققه سواهما حتى وقتنا هذا.

واعتبر سباستيان هالر هو الاختيار الأمثل لتعويض العملاق النرويجي إيراينج هالاند الذي انتقل إلى مانشستر سيتي، فهو ليس غريباً على الدوري الألماني، وسبق له أن أبلى حسناً خلال فترة تواجده مع إينتراخت فرانكفورت بين عامي 2017 و 2019 حيث سجل 24 هدفاً في 60 مباراة، وصنع لنفسه اسماً باعتباره مهاجماً من فصيلة الصقور بتميزه في اصطياد الكرات العرضية الطائرة بشكل لافت.

بعد التأكد من إصابته بالمرض الخبيث عاشت كل جماهير دورتموند في صدمة مروعة، وفي تلك الأثناء تعاقد النادي مع المهاجم الفرنسي أنطوني موديست كبديل لسباستيان هالر، حتى يتضح برنامجه العلاجي، وفي يناير 2023 بعد غياب قسري لمدة ستة أشهر عاد النجم العاجي إلى التدريب الكامل بحذاء نقش عليه (Fu*k Cancer) أي سحق للسرطان قبل أن يظهر مع فريقه الألماني للمرة الأولى، ويسجل في مرمى فريق فرايبورج ضمن مصادفة لا تصدق إذ كان هذا اليوم (4 فبراير) هو اليوم العالمي للسرطان نفسه.

عقب التوقف للميركاتو الشتوي شارك هالر في جميع مباريات الدوري الـ19 المتبقية منها 15 كأساسي وبوجوده في الفريق حصل بروسيا دورتموند على متوسط 2,4 نقطة في المباراة الواحدة، بينما في فترة غيابه كان المتوسط 1,7 فقط؛ مما دفع الفريق الأصفر والأسود إلى القفز نحو الصدارة بخطى عملاقة مكنته من المنافسة على اللقب حتى المرحلة الأخيرة حيث احتفظ العملاق البافاري بايرن ميونيخ باللقب بفارق الأهداف بعدما تساوى الفريقان في رصيد 71 نقطة.

لكن للمرة الثانية عبس الحظ في وجه هالر، وإن كان بصورة أخف وطأة هذه المرة أصيب في كاحله في منتصف ديسمبر الماضي، ولم يكن جاهزاً بما يكفي للانضمام إلى منتخب بلاده الطامح للفوز بكأس الأمم الإفريقية، لكنه أصر على استكمال علاجه في أبيدجان رافضاً كل محاولات الضغط عليه للبقاء في ألمانيا لذلك غاب عن المباريات الثلاث التي أقيمت ضمن دور المجموعات.

ونظراً لتفانيه وإخلاصه، فقد رسمت له الأقدار أفضل سيناريو من الممكن تخيله على الإطلاق فكان الورقة الرابحة في الأدوار الإقصائية، وعززت عودته الفريق المضيف بشكل جعله يتخطى كل الحواجز، ويتحسن من مباراة إلى أخرى بصورة كبيرة، وعلى الصعيد الشخصي كان له النصيب الأكبر في تتويج الأفيال باللقب الثالث في تاريخهم بتسجيل هدفي الفوز أمام الفهود الكونغولية بتسديدة فيزيائية غريبة في نصف النهائي ثم أمام النسور النيجيرية على طريقة الإيطالي الراحل باولو روسي في المباراة النهائية.

لقد كانت لحظات مؤثرة عندما تذكر سباستيان هالر معاناته مع السرطان وسط أجواء الفرح التي فجّرها في قلوب ثلاثين مليون عاجي، فأجهش بالبكاء بعدما التحمت قصته بصورة خيالية مع سيناريو منتخب بلاده في البطولة، فتحول من شخص كان ينتظر الموت إلى بطل قومي بكل معنى الكلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى