الربيع المتثاقل والحرية الغائبة!


عبد الكريم البليخ
تحوَّل ذلك الربيع، الذي كان يحمل في طيّاته آمالاً كبيرة، إلى كابوس ثقيل، جاثم على الصدور، ينثر الألم حيثما حلّ، ويمضي كإعصار هائج لا يبقي ولا يذر. لقد خيّب الظنون، فبدل أن يكون موسماً للحرية والكرامة، صار فصولاً من الدمار والمآسي، حطم الأحلام، وأضرم في القلوب نيران الحقد، وأحال المدن العامرة إلى أطلالٍ، والنفوس الطاهرة إلى جراح لا تندمل.
أي ربيع هذا الذي أزهقت فيه الأرواح، وتحولت فيه البسمات إلى دموع، والحب إلى كراهية، والتآخي إلى صراعٍ يلتهم كل جميل؟! كيف أضحى درب الحرية، الذي كان ينبغي أن يكون منارةً تُضيء المستقبل، طريقاً وعراً ملطخاً بالدم، محمّلاً بالخيانة والتآمر والخذلان؟
وهل يعقل، وسط هذا الخراب، أن نظل غير مكترثين بمصير ملايين البشر، الذين باتت حياتهم شتاتاً بين المنافي، وأحلامهم محاصرةً بجدران الطغيان، وآمالهم معلقةً بين الموت والبقاء؟ كيف صار البحث عن مأوى، ولقمة عيش، ونظرة طمأنينة، حلماً بعيد المنال؟ أليس هذا القهر كافياً لإشعال ثورة من الوعي، بدلاً من أن يكون وقوداً لمزيدٍ من العنف والكراهية؟
لكن، وسط هذا السواد، يبقى ابن سورية شامخاً رغم الجراح. فابنها الذي تربّى على الكرم والمروءة، لم يعرف غير الحب والوفاء، لم يحمل إلا رسالة النبل والتسامح، ولم يتطلع إلا إلى الحرية التي تُشرق في كل إنسانٍ يؤمن بحقّه في حياة كريمة، بلا قيود ولا خوف. الحرية ليست شعاراً أجوف، بل هي أبسط حقوق الإنسان؛ في تنفسه، في حديثه، في صلاته، في لقاء أحبته، في مشيه في شوارع مدينته دون وجل، في أن يكون سيد قراره بعيداً عن أعين الرقيب الذي لا يرحم.
الحرية ليست رذيلة، وليست ترفاً، بل هي انطلاق نحو وعي متكامل، بعيداً عن سطوة الظلم والاستبداد. لكنها، في بلادٍ أرهقتها المؤامرات، باتت حلماً عصيّاً، مطلباً تُسفك لأجله الدماء، بينما الأعداء يتربصون، ينهشون من جسد الوطن، ويصنعون له قفصاً من العزلة والبؤس.
ومع ذلك، فإن سورية، مهما حاولوا تدميرها، ستبقى بلد الأحرار، بلد الحضارة والأبجدية الأولى، أرض الزيتون والقمح والنهر والجبل، ووطن الشرفاء الذين لن يسمحوا أن تُمحى هويتهم، أو أن يصبح حلم الحرية سراباً في صحراء الاستبداد.
هذه سورية، الأم التي تحتضن أبناءها رغم الجراح، التي وإن نزفت، لن تنحني، وستنهض يوماً، رغم كل ما حلّ بها، لتعود كما كانت: سورية الخير، سورية المجد، سورية الحياة.