فيصل أبو شادي
عندما كنتُ أنا أنا، ولم تكن هي هي، لم أعد أعرف من أنا؟
ولم أعد أعرفُ من هي؟
عرفتك متملقاً .. باهتاً. كيف عثرت على الملح؟!
ها أنت تفرُّ إلى الخلف؟..وأنت الهارب. ابحث عن نفسك .. ابحث عمّا تبقّى منك.
إن لم تعرفك سجادة الصلاة لن تعرف من أنت.. وستبقى من أنت؟
سكوت …هدوء يتنفس تحت الركام. إنه حَيّ .. (هَسَّ)….يا ترى؟! أن أخرجناه هل سيبقى على قيد الحياة؟.
أبقى على قيد الحياة حتى أعانقك، وبعدها نحلق معاً.
لم يعد ينزفُ ذلك الجرح. لم يندمل بعد، ما زال مفتوحاً. رفوفه فارغة بعد أن امتلأت بكل البضائع …هرب البائع وهرب المشترون، وما زال الجرح مفتوحاً لم يندمل!. لم يعد ينزف؟!
**
أشهدُ أنّي ولدتُ مبصراً، وخطوت مُبصراً، وتعثرتُ مُبصراً، وتلعثمتُ مُبصراً، وغضبت مبصراً، وصرخت مبصراً، وتعلمت العوم مُبصراً، وعشقت مُبصراً، ونظرت إلى المرآة مُبصراً، وتعربشتُ وتدليتُ وسقطتُ مُبصراً.
علمتكَ عمراً، وتعلمتُ منكَ قَدَراً، وعبرتُ بكَ جسراً، وارتحتَ على ضفةِ حلمٍ بظلٍ من الأمل.
لي وِتْرٌ من الهوى.. تَهجُّدٌ لا يستقيمُ بلا وِتْرِ.
أيها العمر… إيّاكَ أن تصدق أني لا أُبصر.. ما زال هناك من يلوّن السماء بسحابٍ من العشقِ إن تعذر الإِمطار.
**
أعرف أن أكتب وأنا الأعمى. أعرف أن أُعَبِّر وأنا الأبكم. أعرف أن أثور وأنا الجبان. أعرف أن أشدو وأنا الأصم. أعرف كل شيء.
أعرف أنك تطارد حتى في نومك المال والجاه وملذات الوهم. أعرف أنك تستطيع الإنجاب، والبيع والشراء. أعرف أنك تجيد التغليف و(الأمبلاج). أعرف أن آدم زوج وأب، وأن نوح زوج وأب. أعرف أننا أولاد.
أعرف أننا عرب.. وعربان..وجاهلية وأديان. أعرف أن هناك ديمقراطيّة وحرية، وشورى وسجاناً وسياف. أعرف أن شهريار طفلٌ (فلتان) بعد الإعصار والمعتصم. لا ياء للنداء.
أعرف أن الشام أم الدنيا، وأن حلب ست الدنيا. أعرف أن أبا فراس ماااات.. والمتنبي مااات.. والماغوط ونزار.. ونصار ابن عريبي.
أعرف أن الحكومة لا ترتدي سروال وتجيد ستر العورة. أعرف أن سيبويه مات، وإبن خلدون وصلاح الدين.
أعرف أن السيف أصدق أنباءً من الكتب. أعرف أن العلم نور والجهل ظلام، أعرف أن العِلم يرفع بيوتاً لا عماد لها.. أعرف أم كلثوم، فيروز. أعرف جار القمر، وجارة الوادي. أعرف من قال يا خوف فؤادي من غد. أعرف أن ……..؟؟!
أعرف أنَّ الجنة تحت أقدام الأمهات.
أعرف أن الشهداء أحياء عند ربهم.
أعرف أن بلاد العرب أوطاني.
أعرف أن تشرتشل مااات.
أعرف أن هتلر أنجب قبيلة من الأوغاد.. وأعرف أن الأمريكان واليهود يتلذذون بدق الهبرة العربية بالجرن، وأعرف أن الحوت أكبر من السمكة، وأن الحال يأتي منصوباً بالفتحة، وأن الفاعل مرفوع بالضمة، وأعرف أن السَّلَطة مفيدة.
أعرف أن الله موجود. أعرف أن.. أعرف أن .. أعرف أنني أشــــــــتاق إليك.
**
من إلى ..عن على…
غروبك أيها الساكن تقهره رياح فجرٍ قادمة من بين أضلع ماضٍ يلفح صباحك بعبق التاريخ، ورياحين المودة والحب والوفاء.
لروح ذلك الزمن العتيق…
إليك أيها الأخ والصديق معانقة زهرةٍ ظمأى لندى اللقاء.
استبقي فرحتي بالخداع، وأبطئ… تعجل الوجع بالرجاء، فهذه حالك فرح من ثقب التسامح، ووجع من باب المسلّمات.
لا يستطيع أحد، أي كائنٌ ما كان أن يُعطل معاني الحياة.
ها هو الصديق من أجمل معاني الحياة.
شكراً لكم.. تهمس بها الحياة من على سرير ألمها.
**
أريد أن أعود طفلاً أبكي، لا حزناً ولا لضياعٍ، ولا فقدٍ، ولا هوانٍ. لا لسبب أو لأسباب.
أريد أن أكون طفلاً أبكي غيرةً وأنانية (دلعاً) لأتفه الأسباب!
أريد أن أكون طفلاً أبكي.. لا لشيء. لا أعرف شيئاً.. لا أريد أن أكبر..لا أريد اللحية والشارب، أريد أن أعود طفلاً يصرخ في وجه الأيام.
أريد أن أعود طفلاً.
سأعيد إليكم الجغرافيا والتاريخ والقومية، والحساب والفيزياء. لا أعدكم بأنني سأعيد العربية، لا أعرف لماذا؟
سأعيد لكم كل شيء، فقط أريد أن أعود طفلاً أبكي بدون أسباب، وأفرح وأضحك بدون أسباب… أنتم خذوا كل الأسباب.. فقط أريد أن أعود طفلاً بدون أســــباب!
**
قابعوا مستنقعات الأوحال سئموا من مرورِ قصاصةُ ذاكرة، حتى وإن قذفتها رياح النسيان والنكران.
سئموا رائحة الظلام (العفنة) … حيث امتلأت عقولهم قبل بطونهم بوحل الضياع.
وهل للضباع من مرتعٍ إلا جيفة الأيام؟!
سأروي عنكم، وليس لكم .. فإنكم لا تستحقون همزة وصل من ضياء الكلمات.
قذفتكم ريح عاتية بوجوه مغبرّة، وألسنةٍ مصفرّة تساقطتم في كل اتجاه.
من خلفنا… من فوقنا .. من تحتنا ..عن يميننا وعن شمالنا. خرجتم من كتبنا.. من دفاترنا.. من حقائب أمانينا .. من أنفاسنا.
خرجتم من قرآننا .. خرجتم من رحم أمنية السيف والقلم… ومن محبرة الدموع ترسمون وتخطَّونَ من جهلكم وهذيان عقولكم.
أسطر من أساطير الخبز المر، وحلاوة الأحلام.
هنالك من دخل من أوسع الأبواب.. يتأبط كتب التاريخ والجغرافيا، ويرفع بيد راية الحرية، وبالأخرى سيف الديمقراطية.
إن لم يقتلك رمح الحرية بتهمة العَمالة الجاهزة والمعلبة، قتلك سيف الديمقراطية بتهمة التشبيح الجاهزة والمعلبة لكل من لم يحني رأسه، أو هامته بتزوير التاريخ والجغرافيا، وبفتح كتاب التاريخ ليقرأ على روحك.
يقف صامتاً إنهُ لا يجيد القراءة .. ويتابع النهيق!
* أجمل ما حصل لي أن ما حدث ويحدث جعلني أحب بلدي أكثر.
وكما قال صديقي: للأوطان حرمة لا يبيعها إلّا الأنذال.
الرقة ـ سوريا