مسرح

سهرة ديمقراطية على طريقة الحشّاشين (1)

د. حمدي موصللي

رجلان على رصيف خمارة في ليلة صيفية .. جلسا إلى طاولة فيها عدد من الصحون الصغيرة تحوي متطلبات الخمرة من خبز وحمّص وبعض الحشائش، وسيخين من لحم الكباب، وقدحين، وبطحتين من عرق الريان، ومستلزمات الجلسة.. الخ .. يشربان الخمرة و يدخنان الحشيشة بالتناوب على أركيلة واحدة بينهما .. بين فترة وفترة يمر بهما صبي الاركيلة يعمرها لهم ويدعمها ..

* الشخصيات

1- أبو طبلة: شخصية كاريكاتورية .. مربوع القامة.. مثل برميل مازوت لا رقبة له فهي غائرة بين كتفيه في الجسد ..عينان واسعتان مكحلتان ورموش مثل عيدان الثقاب وأنف عريض أفطس .. الخ

2- أبو زمّارة: طويل.. نحيف شبح كهيكل عظمي أقرب إلى المومياء .. العينان غائرتان.. الشفتان بارزتان وعريضتان..يداه طويلتان أطول من جسمه.. صوته حين يتكلم حاد ومخنوق ..إلى ٱخره من الصفات..

3- النادل (صبي الأركيلة والقهوة).

-(الحوار باللهجة العامية السورية). 

(الحلقة الأولى)

– أبو طبلة: (بعد أن مجٓ نفساً طويلاً ثم نفثه، وبلسان ثقيل).

الحمد للة مستورة خيّ ابو زمّارة.. بس بتعرف شو؟

أبو زمّارة: (وهو يسحب خرطوم الأركيلة من يد ابو طبلة، ويمج نفساً ثم ينفث الدخان للأعلى ) .. بس شو أخي أبو طبلة؟ تحت لسانك كأنو في حكي! هات من الآخر.

-أبو طبلة: (وقدح العرق بيده) لا.لا. ما في حكي ولا شي .. بس عم قول: المازات كانت مش ولا بد خيٓ أبو زمّارة ..(يتناول صحن صحن ويعلعليه) شوف هالشوفة.. شايف هيدا الصحن .. فيه حب رمان معفّن.. وهيدا صحن بطاطا مقلية كمان معفّن .. وهيدا صحن حمص بزيت مغشوش كمان معفّن.. شوف هالخبز .. رغيف بوشّين محروق ومعفّن.. صحن سلطة كمان معفّن..(يسحب سيخ الكباب من تحت رغيف الخب) ماشاء الله .. شوف  سيخ الكباب.. قديش ضعيف وكمان معفّن .. دخيل عينك ..شو القصة؟ أنت كأنك مالك عايش معنا ولا حاسس انو.. انو كلشي صار معفن..

(يتناول القدح ويشرب)، أنا شايف كلشي معفّن بهالبلد .. ولا شو..خيٓ أبو زمّارة؟!

أبو زمّارة: (يأخذ خرطوم الاركيلة ويمج نفساً عميقاً.. ثم ينفثه.. وبصوت حاد ومتقطع) اي شو بيعرّفني؟ خيّ أبو طبلة.. أنا شايف انك بدك تورطني؟! أنا ناقصك أنا!! خلينا على رواق .. الله يستر على حريماتك.

(أبو زمارة لنفسه) قال: ما في حكي تحت لسانو .. قال؟! واحد بندوق أخو محلوشة.. على هامان يا فرعون. 

ابو طبلة: (بعد فترة صمت.. يمج وينفث)..

 العرقات.. ( يكح ) .. العرقات يا بو زمارة!!

أبو زمّارة: (والقدح على شفايفه.. يتراجع) العرقات! شُبهن كمان؟!

أبو طبلة: ولا شي.. بس كمان مش ولا بد!

أبو زمّارة: بشرفك!! لعفى..إلا العرقات!! معقول! (يدلف ما في القدح في جوفه وبسرعة).

أبو طبلة: (يمج نفسا وينفث) اي. اي! صدقْني!! العرقات مغشوشة.. خلطهبيطة

أبو زمّارة: شلون؟ ما فهمت؟!

-أبو طبلة: سبيرتو على كاز صافي مع صودا على خميرة على عنب مخمخم.. على كزبرة بريحة اليانسون.. خلطة عجيبة غريبة؟! شو بعرّفني؟ بلد معفن.

-أبو زمّارة: (يمج نفساً وينفث) شي عجيب! خلطة عجيبة غريبة؟! لك شو بيعرفني؟ اللعمى.. صارت خلطبيطة ..

ابو طبلة: (يمج وينفث) قولك! خلطبيطة! بس بدّي أفهم ..نحنا ناس طيبين .. صحيح أغنياء و.و.و.و

-ابو زمّارة: (يمج و ينفث.. مقاطعاً بتوتر) أغنياء نحنا؟! مستحيل! والله مالي خبر!! شلون هيك طلع معك خيّ أبو طبلة؟! ليكون بلشت تخلط .. ليكون سكران عن جد..

ابو طبلة: (وهو يمج وينفث)  مافهمت؟  عن شو عم تحكي؟

– أبو زمّارة: نحنا أغنياء .. هاي ما فهمتا؟(يمج وينفث).

– ابو طبلة: نحنا ..مين قال نحنا ..

أبو زمارة: انت!

ابو طبلة:  أكيد! نحنا

– ابو زمّارة: مين نحنا (يمج وينفث)..

– ابو طبلة: انا وأنت (يمج وينفث)

– ابو زمّارة: ما فهمت؟ (يشرب) شلون انا وانت منساوي نحنا؟

-ابو طبلة: ها .هااا.. رح جاوبك.. انت كويس هلق .. يعني انت تمام؟

– ابو زمّارة: (يقف على طوله ثم يقع على الكرسي) تمام!

– ابو طبلة: وأكيد مصحصح!

ابو زمّارة: (يقف ثانية على طوله ثم يقع على الكرسي) تمام!

– ابو طبلة: وانت في كامل قواك العقلية والجسدية؟

– ابو زمّارة: (يقف ثالثة على طوله ثم يقع على الكرسي) تمام!

– ابو طبلة: عندك قدّاحة.

– ابو زمّارة: قدّاحة (يفتش جيوبه) لا . لا ما عندي قدّاحة.

– ابو طبلة: (يمج نفساً ثم ينفثه .. يصرخ على صبي القهوة) يا ولد.. هات نارة  وزقْ الحشّة بالحشوة.

– صبي البوفيه: جاي لعيونك ابو طبلة..

(صبي القهوة يعدل المزاج)

أُمرني .. شي تاني .. حبة وجع راس .. حبة زرقا .. كلو على بعضو حلو ابو طبلة .. جاي (يذهب) ..

– ابو طبلة: قلتلي ماعندك قدٓاحة.. طيب عندك شعلة؟

– ابو زمّارة: شعلة غير القدّاحة قصدك؟!

 ابو طبلة: (يهز راسه) اي .اي . اكيد! 

– ابو زمّارة: (يفتش جيوبه) لا . لا. كمان ما عندي شعلة.

– ابو طبلة: غريب .. لا قدّاحة ولا شعلة؟! طيب عندك كبريته.

 -ابو زمّارة: حدد نوع الكبريته.. بمدفع او بمدفعين؟

– ابو طبلة: إمْ مدفع واحد أفضل .. صوتها أخفض وموسيقي.

– ابو زمّارة: (يقف ويفتش جيوبه ثم يقع على الكرسي)  لا. ما في عندي كبريته إمْ مدفع ..

-أبو طبلة: طيب.. اكيد عندك إمْ مدفعين؟

– ابو زمّارة: (يقف ويفتش جيوبه ثم يقع على الكرسي) لا. ما في عندي كبريته إمْ مدفعين ..

– ابو طبلة: (يشرب من القدح) يعني ماعندك كبريتة .. لا إمْ مدفع ولا إمْ  مدفعين؟!

– ابو زمّارة: (يقف ويفتش جيوبه ثم يقع على الكرسي) لا. ما في عندي كبريته.. لا إمْ مدفع ولا إمْ مدفعين ..

– ابو طبلة: ها .هااا. معقول!

– ابو زمّارة: (يمج وينفث الدخان إلى أعلى ماطاً شفتيه) وشو هُوّي إلّي مش معقول؟!

– ابو طبلة:(بدوره يمج وينفث الدخان بوجه ابو زمّارة).. مش معقول ما معك لا شعلة ولا قدّاحة ولا كبريته؟! بس بدّي افهم انت وين عايش .. بأي بلد؟!

– ابو زمّارة: (واقفاً ثم واقعاً على الكرسي) هون .. إي هون عايش.. تمام!

– أبو طبلة: جلوس! حلو!! إذن هات سيكارة.

-ابو زمّارة: (يجلس ثم يقف ويفتش جيوبه ثم يقع على الكرسي) ما عندي سيكارة (يمج وينفث).

أبو طبلة:  كمان! انت متاكد إنو ماعندك سيكارة؟

ابو زمّارة: (يقف ويفتش جيوبه ثم يقع على الكرسي) تمام! ما عندي سيكارة .

–  ابو طبلة:(بدوره يمج وينفث الدخان بوجه ابو زمّارة).. مش معقول ما معك لا شعلة ولا قدّاحة ولا كبريته ولا سيكارة؟! بس بدّي افهم انت وين عايش .. بأي بلد؟! 

 – ابو زمّارة: (واقفاً ثم واقعاً على الكرسي) هون .. إي هون عايش.. تمام!

ابو طبلة: إي تمام .. هلق فهمت!!

(يشرب ابو طبلة من القدح .. بينما ابو زمُارة يمج وينفث بسرعة .. بعد فترة صمت) ..

– ابو طبلة: أبوك أخي ابو زمّارة ..

-ابو زمّارة: شبو كمان ابوي أخي ابو طبلة؟

– ابو طبلة: ما في شي .. بس عم اسالك عنو

– أبو طبلة: شو خص نص بهل قعدة لتسأل عن ٱبوي؟

– ابو طبلة: هيك! شو فيها؟ يعني مو لازم يسال الإنسان عن أخيه الإنسان إلّي قاعد معاه؟. مين حضرتو؟ شو اصلو وشو فصلو؟. شو بيشتغل؟ رجال أكابري .. محترم .. صاحب نخوة ..

– أبو زمّارة: (يمج وينفث) والله كلام حلو .. ٱبوي بزمناتو كان هيك!

– أبو طبلة: (يمج وينفث) متأكد!.. إنو ٱبوك كان بزمناتو هيك ..

– أبو زمّارة: (يمج وينفث) واكثر من هيك!

أبو طبلة: كمان! ماشاء الله.. كاسك أخي ابو زمارة

– أبو زمّارة:  (يتناول القدح ويشرب) في نافوخي.. سؤال محيرني يا ابو طبلة.. زمان كنت بدي أسلك .. هلق أجا وقته..

– ابو طبلة: اسأل وخذ راحتكوعلى ( سنگة عشرة) أخي ابو زمّارة..

أبو زمّارة: (يمج وينفث).. أبوك  يا ابو طبلة .. ابوك

– ابو طبلة: أعوذ بالله! ٱبوي شبو؟

– ابو زمّارة: ابوك مجوز .

أبو طبلة: (وكأن السكرة طارت ) شو! مافهمت؟

ابو زمّارة: اي .اي . عم أسالك ابوك مجوز.

أبو طبلة:(لنغسه بعد تفكير ومج ونفث) ٱبوي مجوز! انا شو بيعرفني؟! (يلتفت لابو زمارة) .. ما عندي علم إذا كان ٱبوي المحترم مجوّز و إلا لا!

أبو زمّارة: متأكد!

– ابو طبلة:  (بعصبية) شو بيعرفني الله واكبر!!

-أبو زمّارة: غريب! طيب.. اخي لا تعصب عم نتحاور

– ابو طبلة: ( بالفصحى) كلي إذان صاغية .. هات ماعندكم ..

ابو زمّارة: أمك.

– أبو طبلة: شو!! ابن الحرام .. شو بدك من أمي كمان؟

– أبو زمّارة: اي عم اسالك عن امك .. شوفيها؟! انت سألتني وأنا جاوبتك بكل شفافية ..

أبو طبلة: بكل شفافية!! شفافية شو؟! عم تحكي مثل هادول!! (يشير برقبته) اي مثل هدول!!

ابو زمارة: هادول مين؟

ابو طبلة: هنن ماغيرن!! (يرفع القدح و يشرب).

أبو زمٌارة: هنن.. هادول .. مين هنن هادول؟

أبو طبلة: ما غيرن (يرفع القدح ويشرب).

ابوزمارة:(بعصبية) ما غيرن.. مين هنن؟!

ابو طبلة:(يمج وينفث) شو قصتك ابو زمّارة .. ليش معصب؟! عم نتحاور حوار ديمقراطي.

-أبو زمّارة: تمام! يعني عم نتحاور حوار ديمقراطي ..

-ابو طبلة: اصلاً الحوار الديمقراطي يجمعنا .. انا مع الحوار الديمقراطي.

-ابو زمّارة: تمام! پس حضرتك.. انت عم تخرج خارج الحوار الديمقراطي. 

– ابو طبلة:(بإعجاب.. يمج وينفث) معقول! انا خارج هذا الحوار الديمقراطي! مستحل! طيب.. رح ادخل داخل الحوار الديمقراطي.. ليش لأ! شو سالتني؟ أعد السؤال ..

ابو زمّارة: سالتك عن إمك إذا كانت مجوّزة و إلاّ لأ؟.

ابو طبلة: اعوذ بالله من الشيطان!! شو قصتك عم تسال هيك اسئلة غريبة .. ٱبوي.. أمي.. يا أخي انا شو بيعرفني ٱذا كانت أمي مجوّزة او ٱبوي مجوّز..

أبو زمّارة: أمرك غريب وعجيب!! أنت واحد بلوى وخطير!! لك انت شو؟

-ابو طبلة: أنا شو؟ أنا عم حاورك حوار ديمقراطي.. انت سألتني عن ٱبوي وعن أمي اذا هنن متزوجين.. جاوبتك.. شو بيعرفني.. تمام؟!

-أبو زمّارة: تمام!!

-أبو طبلة:  طيب! انت ابو زمّارة بشحمك ولحمك بدّي اسالك ..

-ابو زمُارة: (يمج وينفث) اسال بشرط يكون سؤال ديمقراطي.

-ابو طبلة: شلون جيت على هاي الدنيا. 

-أبو زمُارة: (مرتبك) أنا؟!

-ابو طبلة: اي انت .. شلون جيت على هاي الدنيا؟

-ابو زمّارة: (بعد تفكير  ومع مج ونفث وقدح .. لنفسه يكلمها) شلون انا ابو زمّارة .. بشحمي ولحمي جيت على هاي الدنيا شلون؟! سؤال ديمقراطي عويص!! 

(يكلم ابو طبلة) .. أخي أبو طبلة..غيرلي هاد السؤال..

-أبو طبلة: السؤال .. لا صعب ولا بطيخ .. الحمار بيجاوب عليه ..

-ابو زمّارة: (يشرب ما في القدح بسرعة .. ثم يمسح بكمّه انفه وفمه.. ينادي على صبي البوفية) يا ولد .. هات الحساب ..

 (اطفـاء)    

 ( يتبع )

مؤلف وناقد ومخرج مسرحي سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى