Site icon المزمار الجديد

شكسبير.. لم أسمع به قط؟!

ناديا عبد الله كعوش

في عصر تسوده وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العالم أصغر وأسرع وأكثر اعتماداً على المحتوى السريع والخفيف. ووسط هذا التسارع الرقمي، يجد الكلاسيكيون أمثال ويليام شكسبير أنفسهم في زاوية مظلمة، بعيداً عن أضواء الجيل الجديد.

قد تبدو فكرة أن تسأل شاباً أو فتاة من أبناء السوشيال ميديا عن شكسبير، وتسمع إجابة مثل: “لم أسمع به قط!” صادمة، لكنها تعكس واقعاً ثقافيًاً جديداً يحمل في طياته تحديات كبيرة.

ويليام شكسبير، الكاتب المسرحي والشاعر الإنجليزي، يُعد أحد أعظم أدباء التاريخ. ترك بصمة لا تُمحى في عالم الأدب من خلال أعمال خالدة مثل هاملت، عطيل، ماكبث، وروميو وجولييت. وعلى الرغم من أن شكسبير كتب نصوصه في القرن السادس عشر، فإنها تجاوزت حدود الزمن بفضل عمقها الفكري وجمالها الأدبي، إذ تناولت قضايا إنسانية مثل الحب، الخيانة، الصراع الداخلي، والطموح، وهي موضوعات خالدة في تأثيرها وشموليتها.

اليوم، يعيش الجيل الجديد في عصر تسيطر فيه منصات مثل “تيك توك”، “إنستغرام”، و”يوتيوب”، حيث تُستهلك الأفكار في دقائق معدودة، وأحيانًا في ثوانٍ. لم يعد لدى كثيرين منهم صبر أو اهتمام بالغوص في نصوص أدبية عميقة تتطلب التركيز والتحليل.

في ظل هذه الثقافة، لا يجد شكسبير مكانًا في قوائم الاهتمام، ما يجعل كثيرًا من الشباب ينشؤون دون معرفة بأعماله أو حتى اسمه.

ابتعاد الجيل الجديد عن شكسبير ليس مجرد فقدان لمعلومة ثقافية؛ بل هو مؤشر على تحول في الأولويات الثقافية.

غياب شكسبير عن وعي الجيل الجديد يعني انفصالهم عن جزء أساسي من التراث الأدبي الإنساني. أعماله ليست مجرد قصص، بل هي انعكاس لصراعات الإنسان وأسئلته الكبرى. فقدانها يعني ضياع نافذة مهمة لفهم الذات والآخر.

قراءة نصوص شكسبير ليست تجربة ترفيهية فقط، بل هي تمرين ذهني يساعد على تطوير التفكير النقدي والتحليلي. الابتعاد عن مثل هذه النصوص يجعل العقول أكثر سطحية وأقل قدرة على التفكير العميق.

النصوص الأدبية مثل أعمال شكسبير تشكل حجر الأساس في بناء الذائقة الفنية. الابتعاد عنها يعني فقدان الاتصال بالجماليات الأدبية التي صاغتها أجيال سابقة، ما يترك فراغًا في التقدير الفني والجمالي.

هل من أمل؟

رغم هذا الواقع، لا يزال هناك أمل في إعادة الجيل الجديد إلى عالم شكسبير. يمكن للتكنولوجيا، التي ساهمت في عزوف الشباب عن الأدب الكلاسيكي، أن تكون أيضًا جسرًا للعودة إليه.

يمكن استخدام وسائل مثل البودكاست، الفيديوهات القصيرة، وحتى الرسوم المتحركة لإعادة تقديم أعماله بطريقة تناسب العصر.

باستخدام التقنيات الحديثة مثل الواقع المعزز أو العروض المسرحية الافتراضية لجعل النصوص أكثر قربًا وإثارة لاهتمام الطلاب.

كتابة نصوص مستوحاة من أعمال شكسبير بلغة عصرية أو إعادة إنتاجها في سياقات حديثة يمكن أن تكون وسيلة لإحياء الاهتمام بأعماله.

إن جهل أبناء السوشيال ميديا بشكسبير هو علامة على فجوة ثقافية بين الأجيال، ولكنها فجوة يمكن تجاوزها إذا قُدم الأدب الكلاسيكي بطرق تناسب هذا العصر. شكسبير ليس مجرد كاتب مسرحي؛ بل هو مرآة للإنسانية، ولا يمكننا أن نترك هذه المرآة تُغطى بالغبار في زوايا النسيان.

ربما حان الوقت لنستخدم أدوات العصر الحديث ليس فقط لإعادة تقديم أعماله، ولكن أيضًا لإعادة تعريف علاقتنا مع الأدب في عالم سريع التغير.

Exit mobile version