أستاذاً في فنون التعليق الإذاعي و التلفزيوني.. و ناقداً رياضياً كبيراً في مجال الصحافة
*كان علماً و صاحب مدرسة لها جماهيريتها وشعبيتها
*ماريا ديب: بعد كل هذا الفراق. ما زال صوته الرنّان عالقاً بالأذهان
*ياسر علي ديب: علمنا أسلوب التعليق بعيداً عن الصراخ والضجيج
كتب ـ عبد الكريم البليخ
عدنان بوظو اسم كبير في عالم الصحافة الرياضية والتعليق الرياضي.. كان صوته يكفي لمجرد سماعه، كان يثير لدى محبيه وعشاقه روح الإقدام والرغبة في حضور المباراة التي يقوم في التعليق عليها، ناهيك بلغته الفصيحة، وإخلاصه لعمله الذي أعطاه الشيء الكثير. إنه مدرسة بامتياز في عالم الصحافة، حيث ترك إرثاً كبيراً لا يمكن أن ننساه. فهو بستحق تسميته بشيخ المعلقين العرب، ومن أفضلهم، فضلاً عن كونه معلقاً رياضياً، كان لاعب كرة ماهر وحكم دولي، وساهم في تأسيس عدد من الصحف الرياضية، وإسهاماته في تطوير البرامج الرياضية. إنه أشهر من نار على علم، فشهرته تضاهي إن لم نقل تتجاوز مشاهير السياسة والأدب والفن والمجتمع.
نحاول في “المزمار” استرجاع ذكرى رحيله الذي يصادف في الخامس والعشرين من أكتوبر “تشرين الأول” الـ 29 والوقوف على ذكريات أستاذ الإعلام الرياضي الأشهر عدنان بوظو، والحديث عن تاريخه الرياضي، الذي من حقنا أن نفاخر ونعتز به، وماذا قال عنه زملاء المهنة، وما مدى وفائه لأصدقائه، وما قاله بوظو عن صديقه وائل عقاد، مدرب نادي الاتحاد سابقاً، في ذكرى تأبينه.
رحيل عدنان بوظو في الـ 25 من شهر أكتوبر “تشرين الأول” لعام 1995 كان يوماً حزيناً في تاريخ الرياضة السورية. في صباح يوم ذلك اليوم ودّع الإعلام الرياضي المحلي والعربي أحد أبرز روّاده الصحفي والمعلّق والناقد عدنان بوظو الذي أمضى حياته منذ صغره في خدمة الصحافة المحلية والعربية فأحبها وأعطى لها وقته وجهده فكان الأبرز والأشهر والأفضل. و في صباح اليوم التالي خرجت دمشق عن بكره أبيها في موكب مهيب تودع ابنها البار إلى مثواه الأخير، كيف لا و جيل كامل من عشاق الرياضة عموماً وكرة القدم بصورة خاصة نشأ و ترعرع و شبّ على صوت عدنان بوظو المعلّق المبدع الذي كان أستاذاً في فنون التعليق الإذاعي و التلفزيوني، و ناقداً رياضياً كبيراً في مجال الصحافة المحلية والعربية، وله حضوره الدولي في مختلف الدورات و المناسبات العالمية التي شارك بها.
ولد عدنان بوظو في أحد أحياء دمشق العاصمة السورية عام 1936م، وتعلم في مدارسها، و نال الشهادة الثانوية من ثانوية جودت الهاشمي الشهيرة و إلتحق بجامعة دمشق.
اختار كلية الحقوق، و تخرّج حاملاً إجازة في الحقوق. بدأ حياته الرياضة لاعباً بكرة القدم في نادي بردى العريق الملّقب بشيخ الأندية السورية عام 1950م.
كان لاعباً بارزاً، الشيء الذي دعا مدرّب منتخب دمشق لإختياره ضمن الفريق الأساسي، و لتألقه اختير لتمثيل المنتخب الوطني السوري، لكن ظروفاً لم تمكنه من شرف إرتداء القميص الوطني رسمياً، بعد أن اعتزل الكرة في الثلاثين من عمره.
لم يستطع الابتعاد عن معشوقته، فدخل سلك التحكيم، وتدرّج فيه حتى نال الشارة الدولية عام 1966م، وكان يشهد له بالنزاهة والجرأة والفهم التحكيمي وعدم المحاباة وعدم الانحياز.
مع شقيقه العميد فاروق بوظو
قاد بوظو العديد من المباريات المحلية والدولية، وفي جميعها نال الاستحسان. اعتزل التحكيم نهاية العام 1980 بعد سجل حافل وكبير ومليء بالإنجازات، وتفرغ للعمل الإعلامي، ومنذ أن كان طالباً في جامعة دمشق كان يمارس دوره في مجال الإعلام الرياضي الذي أحبّه عبر الكتابة في العديد من الصحف المحلية، و في أواسط الخمسينات وهو لا يزال لاعباً عمل في صحيفة البعث التي كانت تصدر أسبوعياً، وعندما تأسست صحيفة الوحدة إبّان الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 عمل محرراً فيها، بل وتسلّم القسم الرياضي فيها.
وعندما تأسس التلفزيون العربي السوري في العام 1960 كان أول معد ومقدّم للبرامج الرياضة، وبقي رئيساً للقسم الرياضي في إذاعة وتلفزيون الجمهورية العربية السورية حتى وافته المنيّة عام 1995 عن عمر يناهز الستين عاماً. وخلال مشواره أعدّ وقدّم برامج شيقة مثال: الثلاثاء الرياضي، عالم الرياضة، الرياضة حضارة وغيرها.
كما أسس البرامج الرياضة في إذاعة دمشق، ولعلّ أبرزها البرنامج الناجح جداً ملاعبنا الخضراء الذي يغطي مباريات الدوري المحلي، وخلال دورة ألعاب البحر المتوسط التي استضافتها اللاذقية عام 1987 م تألق في التعليق وأقام ستديو خاصاً لنقل جميع فعاليات الدورة جعل الجميع يشيد بهذه التغطية الرائعة جداً والمتميزة.
في عام 1963م كان من أبرز مؤسسي صحيفة الرياضة، وفي العام التالي أصدر جريدة الموقف الرياضي، ثم صحيفة الملاعب. ومنذ صدور صحيفة الاتحاد واسعة الانتشار عمل رئيساً لتحريرها حتى فارق الحياة.
خلال مشواره الحافل تقلّد عدّة مناصب رياضية أهمها عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الرياضي العام، وعضو لجنة الحكام العرب، وعضوية اللجنة الإعلامية للاتحاد الآسيوي، ونائب رئيس الرابطة العربية في إذاعات الدول العربية ورئاسة لجنة الصحفيين الرياضيين السوريين وغيرها.
ألف الراحل عدة كتب أغنت المكتبة الرياضية العربية منها: “تونس صيحة العرب في الأرجنيتن”، “إنتصار الشباب”، و سلسة توثّق بطولات كأس العالم و كأس الأمم الأوروبية، و الكثير و كان قبيل وفاته يُعد كتاباً عن اللاعبة السورية المعروفة غادة شعاع لكن القدر كان أسرع.
لقد رحل عدنان بوظو بعد أن قرّب الناس من الرياضة و قرّبها منهم، فقد كان علماً و صاحب مدرسة لها جماهيريتها ومعجبيها وشعبيتها، لقد تبوأ المكانة الأرفع في الصحافة الرياضية العربية و أصبح عميدها من غير منازع حتى صار المعلقون يُقاسون بمسطرة عدنان بوظو، وقد يكون الوحيد في العالم الذي عمل و نجح و تألق في كافات مجالات الإعلام، حتى غدا رائداً من رواده، وكإنسان سوري استطاع أن يصبح نجماً ورمزاً عزيزاً في وجدان السوريين.
شهادات بحق الراحل
قالت عنه الإعلامية ماريا ديب في ذكرى رحيله الـ 25:
25 عاماً على رحيل الأستاذ عدنان بوظو
25 عاماً ولا زلنا نذكر صوته الرنان.
25 عاماً لم تنجب سوريا مثيلاً له.
25 عاماً ومازال أعلامنا هاوي.
25 عاماً لم نسمع كلمة “غووول” لسوريا بصوت الراحل أبو لؤي، وعلى الرغم من كل هذا الفراق مع هذا ما زال صوته الرنّان عالقاً بالأذهان.
25 عاماً على الرحيل ما بعد الرحيل تطاولت أقلام على الراحل عدنان ووصفته بالدكتاتور الإعلامي.
25 عاماً على رحيل الدكتاتور كما زعمتم أين أعلامكم اليوم.
25 عاماً ولم نشاهد من أطلق حكمه وعباراته ضد الراحل يخرج لنا جيل لعله ينسينا ألم الفراق.
أما زميله الإعلامي ياسر علي ديب فقال عنه:
لا بد أن نعترف له أنه هو الأستاذ. لا بد من أن نعترف له أنه هو الأقدم.
لا بد أن نعترف له أنه هو المبتكر، وهو الذي أسس للعمل التلفزيوني. وهو الذي علمنا أسلوب التعليق بعيداً عن الصراخ والضجيج، والذي علمنا أن نقول أقل ما يمكن من الكلمات، وهو صاحب نظرية “اترك الناس تستمتع بصوت الجمهور. اترك الناس تستمتع بصوت الكرة وهي تُركَل”.
برفقة سعيد عبريس
وفاء عدنان بوظو
وألقى كلمة في تأبين الفقيد وائل عقاد الذي كان يعز عليه كثيراً بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، جاء فيها:
“كيف لي أن أتردد حتى في ظل ظروفي الصحية التي تتحسن تدريجياً بمشيئة الله ودعاء المحبين.
كيف لي أن أتردد والفقيد بالنسبة لي شخصياً، رفيق عمري وهاجس حياتي.. بل وأغلى الغوالي.
ولكم أن تعذروني إن لم أحضر موكب وداعه الأخير، فقد احتار الأصدقاء الذين يعرفون مقدار حبي له، واعتزازي به، كيف يبلغونني نبأ الفاجعة. ولما قرروا.. كانت الساعة الواحدة ظهراً، وكانت الصدمة وكانت الدمعة.
وصدقوني لو أن هناك متسعاً من وقت.. لما ترددت في أن أمشي في موكب الوداع الحزين، ولو على عكّازين.
إنه الوفاء للأصدقاء .. وهذا من طبعي.. ومتى في زمن للأسف قل فيه الوفاء.
أربعون يوماً مضت على رحيله.. وفي كل يوم أتذكر أربعين عاماً عشناها عاشقين للرياضة.
شاهدته وهو في عزّ شبابه لاعباً في نادي الاتحاد فعشقته.
لم يكن لاعباً عادياً، بل كان لاعباً استثنائياً.. عشقته الجماهير وكان يبادله الوفاء بعطاء.
ولما أصبح لاعباً في منتخبنا الوطني، بل ومن أبرز لاعبيه ازداد تواضعاً.. وزاد عطاء.. فكبُر في عيون الملايين وفاءً.
نادي الاتحاد.. كان حياته وكان حديثه اليومي، وهاجسه الفكري. انتصار فريق الاتحاد كان يساوي لديه ملك الدنيا.
شجعته على تولي إدارة فريق كرة القدم، وحاز له في عام واحد على بطولة الدوري الكروي بعد صبر وانتظار دام خمسة عشر عاماً.
لم يكن بالنسبة للاعبين مشرفاً إدارياً فحسب.. بل كان أخاً كبيراً وربيعاً دائماً وأيضاً نسمة ونعمة.
كان يحرص على حياتهم ومستقبلهم، مثلما يحرص على النهوض بمستواهم.
كان يوفر لهم بعد كل انتصار المكافآت التي يستحقون من خلال كرم أصدقائه الميسورين وما أكثرهم وأغلاهم في أسرة الاتحاديين.
وكانت مكافأته على كل ما بذل وعمل إعفاءه من مهمته، وخلف ذلك في نفسه غصة.
وألم أقل لكم أننا في زمن قلَّ فيه الوفاء.
لكنني ما ترددت في الدفاع عنه.. لأنهم ظلموه.. تماماً كما لم أتردد في الدفاع عن لعبة كرة السلة في نادي الاتحاد عندما شطبوها.
رغم كل الضغوط التي مورست عليَّ.. فكتبت دفاعاً عن مستقبل لعبة الاتحاد، وعلى مدى خمسة عشر عاماً فارسها.. وطالبت بإعادة النظر في قرار الشطب.. وقررت القيادة رفع قرار الشطب لتعيد للعبة كرة السلة في نادي الاتحاد إشراقتها.
إنها مواقف ذكرتها لأؤكد جملة عشقتها: إنّ الحياة كلها موقف ووفاء..
وهكذا كان الفقيد الغالي في حياته موقفاً ووفاء.. وخاصة فيما يتعلق بناديه الاتحاد: صلباً، عنيداً، متحمساً، بل ومتعصاً.
وهكذا الرجال.. وكان نعم الرجال.. والرجال لا يموتون إلا وقوفاً.
لقد ترجّل الرجل.. وترك في نفوسنا جميعاً لوعة.. ومضى رفيق عمري وخلّف في فؤادي غصّة.
كيف أنساه.. وكان في حياتي بسمة وربيعاً؟!.
وكان في أزمتي الصحية الحادّة يزورني كل اسبوع مطمئناً.. مشجعاً.
قبل خمسة أيام من رحيله.. جمعتنا جلسة طويلة، وكان محور حديثنا كيف النهوض بالرياضة في حلب؟ وكيف نجعل من أندية حلب أندية نموذجية؟
وكان الفقيد الغالي رحمه الله، يدافع عن نادي الاتحاد مثلما يدافع عن بيته وأهله وعشقه.
وكم يسعدني أن أشاهد كل أندية حلب وهيئاتها تشارك في هذا الاحتفال مؤكدة أنها أسرة واحدة.. وأن الفقيد الغالي كان ابناً باراً في هذه الأسرة، بل وأخلص المخلصين فيها.
ومثلما كنت ولا زلت وسأبقى أحب حلب.. كان الفقيد يحب دمشق، ويعشق الجلسة صباح كل جمعة في مكتبي مع زملائي
الصحفيين والقادة الرياضيين نتجاذب الحديث في الرياضة وهمومها كي نصبح، كما نريدها إشراقاً وربيعاً وانتصاراً”.
ملك التعليق الراحل عدنان بوظو