عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

علاء المفرجي
إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فإن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية، ومن نشاط المنتج (شركة أو أفراد) التي كانت في تلك الفترة (سنوات الخمسينيات والستينيات) تجد في الممثل النجم بيضة القبّان في نجاح الفيلم. وهكذا كان عماد حمدي، وإن لم يكن ذلك يمنع من أعتباره ممثلاً يمتلك عدة الممثل الناجح والصاعد بقوة إلى سوح مجده..
فالممثل القادم من سوهاج والدارس التمثيل في أثناء دراسته الثانوية في القاهرة على يد الفنان عبد الوارث عسر، انخرط في هذه الفورة السينمائية من خلال عدد من أبرز المخرجين حينذاك، وأهم أفلامها. حيث قام ببطولة العديد من الأفلام الهامة في السينما المصرية منها؛ “أنا الماضي” و”حياة أو موت” و”موعد مع السعادة” و”بين الأطلال” و”الرباط المقدس” و”الرجل الذي فقد ظله” و”خان الخليلي” و”ميرامار” و”ثرثرة فوق النيل” لنجيب محفوظ، و”الرجل الآخر” و”المذنبون”. لكنه برز في فيلم (السوق السوداء) الذي يتفق الكثير من نقاد السينما على أنه اللبنة الأولى التي قامت عليها للمدرسة الواقعية في السينما المصرية.
والممثل عماد حمدي ينتمي في أدائه إلى الممثلين الذين يغلب على أدائهم الجانب العفوي، بمعنى أنه يعي مهمته الأدائية، ولكن في الوقت نفسه لا يجهر بعناصرها، بل يبقيها ضامرة، وتتجلى في أدائه المعجز. فنحن لم نكتشف مواهب الكثير من الممثلين أمثال محمود المليجي، وعماد حمدي، وحتى فريد شوقي، إلا بعد أن قطعوا مسيرة طويلة في الأداء من خلال كم الأفلام التي شاركوا فيها، والتي وضعتهم بسبب كثرة طلبات المخرجين عليهم في الصف الأول من الممثلين. ولكن للأسف أسهمت هذه الأفلام بتكريس صورة نمطية لهم، كدور الشرير وصانع الدسائس بالنسبة للمثل محمود المليجي، حتى بات المتلقي يعرف سلفا الدور الذي سيؤديه المليجي في الفيلم، بل وحتى مصير هذه الشخصية. والأمر نفسه ينطبق على الممثل عماد حمدي، الذي سُجن بالأدوار الرومانسية، ودور الفتى الطيب المسالم والمحب والمحبوب، وكذا مع الممثل فريد شوقي الذي لطالما جسد شخصية الفتوة والمدافع عن كرامة الحبيبة أو الحارة.. هكذا. وبطبيعة الحال أن مثل هذه الأدوار فرضها الطابع التجاري للسينما حينذاك، إلا باستثناءات قليلة قياسا إلى المنتج من الأفلام، وأيضا لرغبات المخرجين الذي كانوا يفصلون الدور على الممثل النجم، بإعطائه مساحة كبيرة من الحدث والحضور.
ومع تطور معالجات السينما المصرية، وظهور عدد من المخرجين الذين اختلفت أدواتهم، وظهر منهم من يستغل بشكل كبير على الشخصية، برز دور (محمد أبو سويلم) الذي أداه بإتقان الفنان الكبير محمود المليجي، تحت إدارة المخرج الكبير يوسف شاهين.. والأمر نفسه، وفي الفترة نفسها تقريبا، ينطبق على الممثل عماد حمدي، الذي استطاع أن يختزل خبرته وتاريخه الطويل من خلال أدائه الذي استبطن روح الشخصية والحدث، ليعلن عن ولادة جديدة له وموهبة متجددة أبداً في التمثيل، من خلال فيلم ثرثرة فوق النيل المعد من رواية نجيب محفوظ بالاسم نفسه، حيث قدم وبأداء معجز شخصية “أنيس” الذي تفوق في على نفسه، الأمر الذي جعل من الممثل أحمد رمزي –وهو من أبطال الفيلم- يقول في حوار تلفزيوني: أن كلمة السر في نجاح (ثرثرة فوق النيل)، كان عماد حمدي.. والذي ما زلنا نتذكر ما يقوله وهو مسطول في الفيلم:” اللي يردموه يرجعوا تانى يفتحوه، واللي يسفلتوه يرجعوا تاني يهدوه، مرة عشان الكهرباء ومرة مواسير المياه، ومرة سلك التليفون، ومرة المجاري، وياما جارى في الدنيا، ياما جاري” وهو الفيلم الذي يعد أيقونة من أيقونات السينما المصرية. وفي آخر أفلامه ومع واحد من أبرز مخرجي الموجة الجديدة في السينما المصرية (سواق الأوتوبيس) كأنه يقدم مرثية لمسيرته التي دامت أربعين عاما، بدور أب لحسن سائق الأوتوبيس وهو يمتلك ورشة نجارة حيث يحاول حسن إنقاذ الورشة من البيع؛ لأنها تمثل سمعة والده، فيذهب إلى أخواته البنات وأزواجهن ليساعدوه، لكنه مع أبيه يواجه بالصد.