قطعة جديدة في خزانة حمراء مكتظة

محمد رضوان
ما أقسى كرة القدم عندما تذهب إلى ركلات الترجيح، حينها تُختصر التسعون دقيقة إلى ركلة واحدة.
ركلة واحدة تقلب الطاولة فوق رؤوس المجيدين، وترد الأرواح في صدور الخائبين.
ركلة تجعل المستحيل ممكناً، والمُحال مستطاعاً.
هي ركلة واحدة، يمكنها إيقاف الدماء في العروق، وكتم الأنفاس في الصدور، وقتل الزمان والمكان في دقائق معدودات.
حقاً ما أقسى كرة القدم، حينما توجز جُل أمرها في ركلة، وتختصر كل حكايتها في قذفة، ويصير الأمر كله حائرٌ بين قدم رشيدة وأخرى طائشة.
•الحقيقة أن ما شهده ملعب محمد بن زايد بدولة الإمارات في نهائي كأس السوبر المصري، إنما هو أشدُّ قسوة. قسوة على الجماهير قبل اللاعبين، وقسوة على الأجهزة الفنية، وقسوة حتى على حكام المباراة ومديريها الفنيين، هي قسوة للكبار والصغار، والرجال والنساء، قسوة يعقبها الصراخ، إما احتفالاً بالنصر، أو ندماً على الهزيمة.
عادت ركلات الترجيح مرة أخرى لتُلقي بأحكامها أمام الأهلي والزمالك، عادت لتضع حداً لحالة التعادل السائدة بين قطبي الكرة المصرية، عادت وفي يدها قرار يقضي، إما بالنصر، وإما الخسارة، رغم أن الفريقين يستحقان، رغم أن الفريقين لامسوا أطراف الفوز، إلا أن كرة القدم أعلنت قرارها وأرست قواعدها بالالتجاء لركلات الترجيح الفظة الغليظة، هذه التي لا تعرف قسمة الشطيرة، ففي نهايتها لا بُد أن يُسعد طرف ويشقى الطرف الآخر.
•في ليلة الجمعة الصاخبة هذه، قبل أيام، أجاد الأهلي بشدّة وهيمن على الكثير من أوقات اللقاء، وكان له اليد الطولى في غالب المواعيد، وكذلك أحسن الزمالك ورتب أموره المبعثرة، وجاهد واجتهد، وكاد أن يصل إلى مأربه في بعض الأحيان، إلا أن عدالة كرة القدم، أبت أن يخسر الأكثر استحواذاً والأشد تصميماً، وبين هذا وذاك سقط الفريقان في فخ التعادل، الذي أودى بهم إلى طور العذاب، المسمّى ركلات الترجيح.
في هذه الليلة، الليلاء أغلق محمد عواد حارس الزمالك كل الطرق التي تؤدي إلى مرماه، نعم، ساعدته العارضة مرة، وساعده القائم مرة أخرى، إلا إنه بحق استحق، بعد أن وقف حامياً أميناً على الشباك البيضاء، وأبلى بلاءً رائعاً، جعله جديراً بنيل لقب أفضل حارس في كأس السوبر المصري.
•بدأ البرتغالي جوزيه جوميز مضطراً، فدفع بناصر ماهر جناحاً أيسر، وهو ما لم يعتد عليه اللاعب، وفي ظل تألق أكرم توفيق ظهير أيمن الأهلي ظهر ناصر بشكل سيء، بل لم يؤدي نهائياً، حتى أدرك جوميز خطأه، فقام بسحب زياد كمال اللاعب الأكثر حركة ونشاطاً في منتصف ملعب الزمالك، وزج بالبولندي كونراد ميشالاك، وإن كنت أرى وجوب نزول ناصر ماهر إلى منتصف الملعب، فإنني أرى أيضاً أن سحب زياد كمال في هذا التوقيت كان خاطئاً، حيث كان الأولى تبديل أماكن اللاعبين أولاً، خاصة وأن زياد كان مميزاً جداً، إلا أن البرتغالي اختار استبداله باللاعب البولندي، فكان ميشالاك أسوأ حالاً من ناصر ماهر في الرواق الأيسر.
•على الجانب الآخر، أصلح مارسيل كولير أخطاء لقاء سيراميكا السابق، بعد أن دفع بقوته الضاربة، وزج بإمام عاشور في مركزه الأصلي، وأشرك حسين الشحات على الرواق الأيسر، وهو ما جعل الاتزان يعود إلى الفريق، مع إعادة الفلسطيني وسام أبو علي ليقود الهجوم الأحمر، وبالفعل تألق الأخير في شوط اللقاء الأول، وكاد أن يُسجل لولا الرعونة التي صاحبت أغلب لاعبي الأهلي في الثلث الهجومي.
•أجاد لاعبو الأهلي بشدة في شوط اللقاء الأول، وكان لديهم تصميم شديد على إدراك الفوز، لكن لن أقول أن الكرة عاندتهم كما يقول البعض، فالحقيقة أن الكرة لا تُعاند، وإنما الحقيقة أن لاعبي الأهلي في هذه الليلة كان لديهم تسرع في اتخاذ القرار عند مرمى الزمالك، لذلك فقد أهدروا العديد من فرص التسجيل السانحة، بدءاً بلقطة حسين الشحات التي لو رفع عينه قليلًا قبل التسديد لسجل، لكنه لم يفعل وأهدر الفرصة، ومروراً بكرة وسام أبو علي التي انتشلها من أقدام التونسي حمزة المثلوثي ثم سددها بغرابة في جسم الحارس عواد الذي خرج لملاقته، وقد كان أولى بوسام الفلسطيني أن يمررها عرضية لحسين الشحات الخالي من الرقابة، لكنه أيضاً لم يفعل، وختامًا بالعديد من التصويبات الضالة حول مرمى عواد من طاهر محمد طاهر وإمام عاشور وأكرم توفيق، ناهيك عن سوء التوفيق في كرتي العارضة والقائم من المغربي يحيى عطية الله والفلسطيني وسام أبو علي.
•أما الفريق الأبيض، فقد وضح من أول اللقاء أن المدير الفني البرتغالي يريد اتقاء شر الهجوم الأحمر، لذلك أشرك زياد كمال، الذي أدى بشكل مميز، ولا زلت أرى تغييره بالبولندي ميشالاك تغييراً متسرعاً، لكنه قد حدث، أقول أن فريق الزمالك أراد في مطلع اللقاء أن يُحافظ على شباكه نظيفًا، لكن ما حدث في الملعب غير ذلك، حيث كاد أن يفعلها الشحات ثم وسام، ولم يقدم الزمالك أي دور هجومي في هذا الشوط ما عدا لقطة الهدف الملغي في الدقيقة 27، التي نتجت عن كرة ثابتة وليس هجمة منظمة، وعن هذا الهدف الذي يبدو أن الزملكاوية كانوا يبحثون عنه كعادتهم، فإما أن يُحتسب هدفاً أو أن نبعث بدخان المؤامرة في سماء اللقاء، هذا الدخان الذي يستخدمه أبناء القلعة البيضاء كلما خسروا أو ضاق عليهم المكان بما رحب، لذلك فهم دائماً يبحثون عن مثل هذه اللقطات حتى تكون ذريعة للخسارة، إذ أنني في السنوات الأخيرة لم أرى خسارة حقيقة للزمالك أمام الأهلي، وإنما جميعها كما يدعي الزملكاوية بسبب التحكيم، أو اتحاد الكرة، أو جدول المسابقات، أو غير ذلك من الحجج الواهية البلهاء.
•أعود إلى اللقاء، حيث كان يتوجّب على لاعبي الأهلي التسجيل لينفتح الملعب أمامهم أكثر، لكن كما قلت فإن الرعونة الشديدة ضربت الهجوم الأحمر في مقتل، فأهدر اللاعبون الفرص الواحدة تلو الأخرى، والحقيقة أن هذا اللقاء، شهد البداية الحقيقة للمغربي عطية الله بقميص الأهلي، وكذلك القطري يوسف أيمن، الذي أرى أن كرته جميلة جداً، ومع الاستمرار في المشاركة سيصبح ركيزة مهمة في دفاع أبناء الجزيرة، مع زملائه ربيعة وياسر والمغربي داري، لكن هناك نقطة وحيدة رأيتها سلبية في أداء السويسري كولير في هذه الليلة، وهو تبديل طاهر محمد طاهر بالمغربي رضا سليم، فالحقيقة أن الأولى بالتبديل هو الجنوب أفريقي بيرسي تاو وليس رضا سليم، حيث أن الأخير بعيد عن المشاركة، كما أن تاو كان أساسياً في لقاء سيراميكا السابق، المهم أن رضا سليم شارك وظل يبحث عن رضا سليم الذي عرفناه قبل الإصابة، وما زلنا ننتظر، ثم شارك بيرسي تاو في مركز المهاجم، وبالطبع لم يُقدم ما يستحق، وهو ما يجعلنا نعود إلى مشكلة النقص في المهاجمين، التي لا زال يُعاني منها المارد الأحمر، والتي لا أعرف لها سبباً.
•لفت نظري لاعب خط وسط نادي الزمالك محمد السيد (18 سنة)، الذي أراه خامة مُبشرة جداً، خاصة وأنه اللقاء الأول له، وأمام النادي الأهلي، وفي جو مشحون وأوقات عصيبة، إلا أن اللاعب استطاع تأدية ما عليه بشكل رائع ومميز، لذلك فإنني أتوقع أن يكون أحد الصاعدين البارزين في القريب العاجل، إن لم يصبه دخان المؤامرات السام المدمر.
•أرى أن هذه المباراة من أجمل مباريات القمة في السنوات الأخيرة، إذ أن الجماهير ظلت واقفة على أطراف الأصابع حتى ضربة عمر جابر الأخيرة، ورغم أن الأهداف غابت عن اللقاء، إلا أن الشد والجذب، جعلا اللقاء في أبهى صوره، حتى أن أحداً في الملعب أو خلف الشاشات لم يكن له أن يتوقع هوية المنتصر.
•لمحت حالة من المزايدة الرخيصة على صفحات التواصل بخصوص موضوع ثلاثي الزمالك المحبوسين، الذين أدعو لهم الله أن تنتهي مشكلتهم ويعودوا سالمين إلى ديارهم، لكن قبل أن تحدثني عن الوطنية وكرامة مصر، فإن للوطن كذلك حقاً علينا، أن نجعل صورته باهية في الخارج، لا أن نُظهر بلطجة وسوء سلوك، ثم نستنجد متدثرين بكرامة مصر وهيبتها، ولماذا أوجعتنا كرامة مصر بشدة، ولم توجعنا كرامة الإمارات؟ خاصة وأن المعتدى عليه أحد رجال الأمن هناك، أي أنه يمثل هيئة الوطن وكرامته في صورة رجل شرطة قبل أن يمثله هذا اللاعب اللاهي، وقد تذكرت لتوي اعتداء الجهاز الفني لنادي الهلال السوداني منذ سنوات على حارس الأهلي علي لطفي، ولماذا لم نتشدق حينها بكرامة مصر؟ الحقيقة هي أننا بذاتنا الذين نهدر كرامة مصر وليس من يدافع عن نفسه في بلده من بلطجة بعض أولادنا سوء تربيتهم.
المهم أنني كنت أعتقد أنَّ حكاية ثلاثي الزمالك المحبوسين فيها عبرة للطائشين، وأنها قد تلقي بظلالها على سلوك اللاعبين داخل وخارج الملعب، وكاد أن يحدث هذا، لولا فتى الزمالك المدلل وأيقونته، الذي لا زال يرتع ويلعب دون زاجر أو ناهر، بل لا زال بعض الأخوة الزملكاوية يختلقون له الأسباب والأعذار، مثل هؤلاء أراهم صغار، بل وصغار جداً.
•مبروك للكرة المصرية على هذا اللقاء المشرف كروياً وسلوكياً، ومبروك للقلعة الحمراء على إضافة قطعة جديدة في خزانة البطولات المكتظة المكتنزة، ووافر التقدير لفريق الزمالك الذي لم يخسر وإنما طالته لعنة ركلات الترجيح القاسية، مثلما طالت الأهلي في لقاء السوبر الأفريقي.
أديب الرياضة