فساد الصحافة

الصحافة، صاحبة الجلالة التي طالما حملت شرف القلم، ودافعت عن حقوق الناس، وعبّرت عن همومهم وآمالهم، باتت اليوم في مهب الريح بسبب ما آلت إليه بعض ممارسات المتطفلين على المهنة. عدد غير قليل من “الصحفيين” الأميين، ممن لا يمتلكون سوى الاسم، يشوّهون هذا الفن الراقي بأساليبهم المبتذلة، ويمارسون الابتزاز والفساد تحت مظلة الصحافة، ما يهدّد بقلب المعايير والمبادئ التي قامت عليها السلطة الرابعة.
في مشهد قاتم يطفح بالمرارة، نجد أعداداً ممن يُسمون أنفسهم صحفيين، وهم في الواقع غرباء عن المهنة. بعضهم لا يستطيع حتى كتابة جملة مفهومة، وآخرون بالكاد يمتلكون الحد الأدنى من مهارات الكتابة. هؤلاء المتطفلون جعلوا من الصحافة أداة للابتزاز وتحقيق المكاسب الشخصية، بدلاً من كونها منبراً للدفاع عن قضايا الناس.
الصحفي الحقيقي يمتلك أدوات التعبير، يحرر المادة بدقة وموضوعية، ويصوغها بأسلوب يمس القارئ. أما هؤلاء الأميون، فهم يقدمون مواد صحفية مترهلة، بعيدة كل البعد عن الواقع، تحمل في طياتها ركاكة الصياغة وضعف المحتوى.
لا يتوقف الأمر عند حدود الكتابة الرديئة، بل يمتد إلى ممارسات مفضوحة تتمثل في الابتزاز واستغلال النفوذ. بعض هؤلاء يتجولون في المؤسسات والدوائر الرسمية، يستغلون مناصبهم الوهمية لانتزاع مصالح شخصية. مديرو المؤسسات، خوفاً على مناصبهم أو تفادياً للفضائح، يرضخون لهم تحت شعار “من دهنه سقي له”.
نموذج صارخ لهذه التجاوزات يظهر في قضايا فساد كثيرة وهي جرائم تضع الصحافة في مواجهة تساؤلات عن دورها الحقيقي في كشف الفساد أو التواطؤ معه.
في المقابل، نجد قلة من الصحفيين المتمرسين الذين يمتلكون أدواتهم المهنية، ولكنهم للأسف يساهمون في تفاقم المشكلة من خلال تشجيع هؤلاء المتطفلين. يتم استخدام أسماء الصحفيين الأميين كواجهة لنشر مواد صحفية صاغها متمرسون، في مشهد يبرز ازدواجية غريبة بين الظل والنور.
هذا الأسلوب يفاقم الأزمة ويكرس حالة من الترهّل في الصحافة، التي باتت تعاني من تسطيح الرؤية وسطحية المحتوى.
هذه الممارسات البعيدة عن الأخلاق المهنية ألحقت ضرراً بالغاً بالصحافة السورية، سواء الورقية أو الإلكترونية. الصحفي، الذي كان يُنظر إليه كصوت للحق، أصبح اليوم أداة للفساد والابتزاز في أذهان الكثيرين.
التغني بالمواد المنشورة، رغم ضعفها، يعكس واقعاً مأساوياً يحكم المشهد الصحفي. يتفاخر الصحفي المتطفل بمواده الركيكة التي تنشر بأسمائه، ويهدد المسؤولين في حال رفضوا تقديم تنازلات شخصية له.
هذه المظاهر المتفشية أفرزت صورة قاتمة لواقع الصحافة، حيث أصبح اليأس هو السمة الغالبة. الصحافة التي كانت تحمل مسؤولية التنوير ونقل الحقيقة باتت تفتقر إلى المصداقية، ما يرسم ملامح مستقبل غامض للسلطة الرابعة.
رغم هذه الصورة القاتمة، يبقى للصحافة وهجها ومكانتها في قلوب محبيها. لا تزال هناك أقلام شريفة تدافع عن قيم المهنة وتسعى لإعادة بريقها. هذه الأقلام، رغم قلتها، تمثل الأمل في استعادة الصحافة لدورها الحقيقي كمرآة للمجتمع وصوت للحق والعدالة.
إنقاذ الصحافة يتطلب جهداً مشتركاً من جميع الأطراف: الصحفيين المخلصين، المؤسسات الإعلامية، والجهات الرقابية، لوضع حد لهذه الممارسات المخزية، والحفاظ على مكانة الصحافة كركيزة أساسية للديمقراطية والمجتمع.
رئـــــيس التـــــــحرير