فواصل منقوطة؛؛؛

عبد الكريم البليخ

كثير من الصور المقززة صرنا نشاهدها في الأماكن العامّة. في المطعم، في الحديقة، في عيادة الطبيب، في المركز الصحي، في الشارع، وحتى في زيارات بيوت الأقارب والأصدقاء والمعارف.. وكثيراً غيرها صارت تفجّر اليأس، وتثير الحواس وبكل ألوانها، وتشمئز منها النفوس الصادقة التي تحب أن تفعل شيئاً يرضي الله سبحانه.
وأين نحن من قوله تعالى: “ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً”.
هذه المقدمة تقودنا إلى الأفعال غير المحببة التي بتنا نشاهدها، ونلمسها بأيدينا من خلال موقف، للأسف، يكون مؤلماً ويثير للشفقة. وهذا الموقف هو ما يدفع الأبناء والبنات بصورة خاصة على رفض إطاعة والديهما، والأنكى من ذلك هو الصراخ بوجههما، وطلب منهما عمل أشياء لا ترضي الخالق سبحانه وتعالى، ولا ترضي الناس الآخرين الذين يقفون مستغربين تصرفهما تجاههما.
ومنها هو طلب الفتاة في حال مراجعة طبيب مثلاً من أمها خلع حذائها وأمام الطبيب، وبدون استحياء منها وما على الأم إلّا أن تنفذ طلب ابنتها، والطبيب يتفرج على هذه اللفتة المخجلة التي يقع الكثيرون فيها. والسؤال هو: ألا تخجل تلك الفتاة من تصرفها حيال أمها التي هي من تبحث عن إنسان يقدم لها الخدمة، ويوفر عليها أمثال هذا السلوك المخجل، ومن من ابنتها الشابة التي تنتظر عريسها على حصان أبيض!.
وصور أخرى لشباب في سنّ الزواج، يرافقهم والدهم ووالدتهم إلى حديقة عامّة، وتراهم يجلسون على مقاعد الحديقة بينما الآباء يظلون واقفين ولا أحد من أبنائهم يقدر حضورهم ويلتفت إليهم، ويفسح المجال لهما بالجلوس على المقاعد التي لا تليق، وكما واضح إلّا بأبنائهم وكأن لا أحد غيرهم في الوجود!.
ومن بين تلك الصور الوضيعة التي لفتت نظري هو تقدم الأبناء على الآباء في حال زيارة مطعم ما لتناول وجبة غداء أو عشاء، بدلاً من أن يكون للأب والأم مكانتهما، وإفساح المجال أمامهم بتقدمهم أولاً بالدخول إلى بهو المطعم لأخذ مكانهما وبالتالي يتبعهما الأبناء، وهذا بالكاد أن يلتزموا به الأبناء في هذا الزمن الذي تغيرت فيه الكثير من أوجه الاحترام.
في الواقع كثير من الصور السيئة صرنا نشاهدها يومياً، وكثيراً ما تستفزنا من تصرف سيئ من قبل الأبناء تجاه الآباء، وعلى وجه التحقيق حيال الأم التي كما يبدو أنها تحوّلت إلى خادمة لخدمة أبنائها وبناتها، بدلا من أن يهتموا بها، ويحكّموا ضميرهم لجهة العناية بها والعمل على تدليلها، وتذكيرهم بما سبق أن قدّمت لهم من خدمات جليلة، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من العمر الذي يمضي بنا سريعاً.
لا شك في أن احترام الأب والأم واجب مقدس على الأبناء، وفي هذه الصورة لا يمكن تجاوز الخطوط الحمراء التي تجعل منهم عالة على أبنائهم. الضرورة تحتّم الاهتمام بهم ورعايتهم وتقديم كل سبل الراحة لهم.
**
هل يمكن للمرأة أن تجور على الرجل، أو يجور الرجل على المرأة؟ المرأة لها عملها وأنت لك عملك وواجباتك التي تعييها أن تشاركك فيها، وكل منكما يمضي في طريقه لينهض بأعبائه الموكولة إليه.
فأين يكون الاختلاط والاحتكاك؟ وإذا حدث خلاف فلماذا لا يكون بالحسنى.
والغيرة بلاء؟ طبعاً الرجل يغار.. أليس هذا بلاء؟ فلماذا لا تضع نفسك في موضع المرأة وتنظر إلى الأمور من ناحيتها هي أيضاً؟
صحيح أنّ المرأة أسرع إلى الغيرة من الرجل وأن غيرتها أحمى، فبلاؤها لهذا عظيم، وهذه طبيعتها ولا حيلة لها في ذلك.
الواحد منا يتقبّل أصدقاءه على علاتهم ويحتمل أمزجتهم التي تخالف مزاجه، ويوفق بين رغباته ورغباتهم ويظل ذلك صديقهم ويظلون هم أصدقاؤه، فلماذا لا يكون هذا حال الزوجين؟ لماذا لا يحتمل منهما الآخر على الرغم من العلات، وهما بذلك أولى من الصديقين؟.
المسألة يريد الرجل أن يسود، وأن المرأة تريد أن تتحكم، ولو تركا هذا وأهملاه فنزل الرجل عن الرأي الموروث فيما ينبغي أن تكون عليه علاقة الرجل بالمرأة، وتركت هي ما تشير به “المودة” الحديثة من أن الست هي السيدة المطاعة، وأن الرجل هو التابع والخادم الذليل ـ لو تركا هذا وسارا في الحياة سيرة شريكين متعاونين على إنجاح الشركة واحتمال متاعبها والصبر على بلاياها في سبيل مزياها وفائدتها لارتاحا جداً ونعما بالحياة الزوجية.
وهنا ينبري سؤالاً هل نحن سعداء؟ نعم نحن كذلك لأننا لا نطلب من الزواج سعادة، ولو كنا طلبناها لشقينا على التحقيق، وقد تزوجت كغيري من أبناء جيلي، وهذا واجب أؤديه كما أؤدي واجبي بالعمل في الصحافة، وفي تقليب صفحات ما ينشر في الصحف وفي المواقع الإلكترونية، وبالاشتغال بالأدب في بعض الأحيان. هو واجب والسلام.
فإذا فزت بمتعة فهذا فضل من الله، وإذا فاتني ذلك فما كنت أطمع فيه أو أرجوه. وقد أدخلت هذا في رأس زوجتي فهي تفهمه حق الفهم، وقد كان عليَّ أن أفهمها هذا في أول الأمر لأني أردت من البداية أن أجنبها سبيل الاخفاق.
المسألة قبل كل شيء مرجعها إلى الاستعداد، ولو شئت لقلت إلى العقل والحكمة وسعة الصدر ورحابة الأفق.
**
لا أدري ما الذي يفهمه البعض عن الأم، وما هو الدور الذي لعبه أمثال هذه النخبة المتعجرفة حيال أمهاتهم من تقديس واحترام وود لهن حتى يخرج علينا بعضهم رافعاً سلاحه متوعداً ومتجهم الوجه بضرورة الرفق والاعتناء بها ومداراتها وحمايتها من أبنائها أنفسهم؟!.
هكذا أراد أن يصل بهذه الجملة.. وكأن أمثال هؤلاء هو من يُعنى بها ولا أحداً غيره يهتمّ بأمه ويرعاها ويخاف عليها سواه، وكأنها طفل رضيع. هذا ما يشعرنا به، و يفهمنا بصورة دائمة على أنه يهتم بها ويداري مرضها وعجزها.. كي يظل يستثمر محبة واحترام من في الخارج من أبنائها له شخصياً بذريعة رعايتها وتلبية احتياجاتها.
لا.. ليس هي كذلك. أمثال هؤلاء النخبة القاصرة النظر يبحثون عن العطايا، وهذا ما يعنيهم من الأخوة والأبناء الذين يعيشون في الخارج. بالتأكيد هم المستفيد الأكبر من الدعم، وطالما يصرخون وبأعلى صوت نحن لا نريد شيئاً، ويطالبون بسماع صوت ذاك الغائب، وهذا يكفيهم كما يدعون. هذا كل ما يريدون وليس كما يظن البعض.
يقولون: نحن لا نبحث عن المال، أمورنا الحمد لله جيدة، ولا ينقصنا سوى معرفة أخباركم!
هذا ما يتفوهون به، ويدلون، وفي الواقع هم لا يريدون منك سوى أن تدفع لهم. ولا شيء آخر. لا يعنيهم أي شيء.. وكيف ومن أين حصلت على المال هذا لا يعنيهم؟. ما يعنيهم شيء واح هو تلبية رغباتهم، وما عليك إلا أن تدفع وتصمت. وتراهم يشتكون ويتباكون للقريب والبعيد، وفي حال أرسلت وبحسب امكاناتك يلتفتون إليك ويبدأون بتساؤلاتهم، وصور التعجب تفضحها شفاههم باستفزازهم لك، وكأنك هاجرت لأجلهم، والحال الذي يعيشه أهلنا هناك بكل نكباتهم، ويظنون أنك ملزماً بفتح كيساً من الخيش حاضراً وبصورة دائمة لتملؤه ذهباً وتسرع بفك أزمتهم والحال الذي يعانون.. ولن ينته ابداً.
ليس الحال كذلك!
على الأهل احترام أبنائهم في الغربة، أقلها، وفي أماكن اللجوء التي يعيشون قساوتها.
صحيح أنّ الغالبية منهم يعيشون في راحة بال، وأمورهم ميسرة إلى حد بعيد، وواقعهم أفضل بكثير من في الداخل السوري، لكن هذا لا يعني أن يبتزوا من ارتضوا بالغربة، وسبق أن دفعوا المال، وعانوا الخوف وتحمل الصبير والحرمان حتى تحقق لهم ذلك.
لماذا لا يكون تعامل الأهل مع أبنائهم في الخارج، ممن سبق لهم الرحيل والغياب عن بلد تهاوى، بحب. بلين. بصفاء وباحترام.. ؟.لا أن يكون التواصل من أجل المال!. المال وحده هو الفصل في هذه العلاقات المزيفة، وبمجرد وصول المال بين أيديهم يرفسونك، ينسون وينكرون ما قدمت لهم.
إنهم ينكرون جميلاً أسديته لهم صيغ بالحرمان والغربة، وما عليهم سوى صبّ جام غضبهم عليك.. هكذا وبدون سبب، متناسين أنهم كانوا في يوم ما من أكثر الناس لك عداوة وجفاءً وكرهاً. أقصد الأهل، وهذه حقيقتهم. لما الخجل!.
رئيس التحرير
1/11/2024