مقالات

في رثــاء المهنـة!!

علي رياح

يتّصل الإعلامي بالقطب أو الوجيه الرياضي ليقول له مُتسائلاً بفخر وكثير من الابتزاز: هل شاهدتني الليلة الماضية؟ لقد مسحتُ بك الأرض، ولم أترك سكة في حياتك أو عملك إلا وتطرقتُ إليها؟!

يردّ عليه القطب أو الوجيه ببرود يرقى إلى اللاأبالية: حقاً؟ هل فعلتَ ذلك؟ في الواقع أنا لم أشاهد البرنامج! في إمكانك أن تقول أنت ما تشاء، وأن أفعل أنا ما أريد!

يردّ (الإعلامي) مُختتماً المكالمة وعلى لسانه كل غبار الخيبة: ولكني أرجو من كل قلبي أن تشاهدني في المرة القادمة وأنا أنتقدك.. أرجوك، فأنا أريد أن أكون اسماً مُهمّاً في دنيا الإعلام، وعلى صفحات السوشيال ميديا!!

إلى هذا المنحدر تراجع العمل الإعلامي في كثير من زوايا العمل الرياضي العربي.. باتَ مَنْ يُفترض فيه وفي مهنته التنوير والتبصير، يستجدي مسؤولاً رياضياً أن يشاهده، علّـه بعد ذلك يحسب حساباً للكلمة التي يقولها، بينما يجهل المسؤول أو يتجاهل أنّه شاهد أو تابع بعد أن صار النقد مجانياً، وبعد أن فتحنا كل نوافذ الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أمام الصديق والقريب والنسيب وعضو الحزب والكتلة، لنصل بالنتيجة إلى أن لا أحدَ يُشاهدنا!

الأمر يتكرّر على نحو أمَرُّ وأدهى في الصحافة المكتوبة.. القارئ في الشارع أو من وراء مكاتب الرياضة، معذور لأنه لا يستطيع ملاحقة ما تكتبه مائة جريدة ومجلة ومنشور دَوري أو أكثر تصدر في بلاده، فهي تتكاثر بالانشطار والتبرعم لتتخذ أماكنها على مصاطب بورصة الصحف عند بزوغ كل فجر!

كيف يتسنى للناس أن تقرأ كل ما يرد في صحافتنا؟ أصبحتُ مَهموماً بهذا السؤال، بعد أن بلغتُ القناعة بأن كثيراً مما نكتبه صار يذهب إلى باعة الأقمشة حيث يتدثّر الحرير والكشمير بصفحات نتوهّم بأننا نعتصر أفكارها من قلوبنا، ونصدرها بحبر دمائنا، ونضعها على الورق كأننا نضع بذلك توائم أرواحنا بين دفتي مطبوع!!

لهذا أقول دوماً إنني وعدد من زملاء المهنة، محظوظون لأننا عملنا في الصحافة عهود ما قبل الوثبة الإلكترونية التي اغتنمت فضاء الحرية المُتاح كي تخوض تجربة لم تتبيّن معالمها أو جدواها حتى الآن.. وهي غالباً ما تأتي بلا سقف من المسؤولية والموضوعية والواقعية!

كان أحدنا، في ما مضى، يكتب في واحدة من خمس جرائد يومية عامة أو في جريدة متخصصة واحدة.. لم يكن الإنترنت مسموحاً وكذلك الموبايل، وكانت ثلاث قنوات تلفزيونية رسمية تسمح بالحدود الدنيا من المعرفة والاطلاع، لهذا كان الناس يجدون في صحفنا المعدودة المسيطر عليها ملاذاً وحيداً.. كان ما يكتبه نُقّاد الرياضة حديث الساعة واليوم والأسبوع لدى كل قارئ مهتم بالحدث الرياضي.. لهذا كان لدينا نجوم شعبيون في الصحافة، مثلما لدينا وجوه تلفزيونية فارقة كان الناس يعرفونها وينهلون منها كل التفاصيل!

كان أي قاري يجري وراء الصحف المحدودة في الصباح الباكر قبل نفادها، كي يقرأ ويُسهم في صناعة أسماء إعلامية عَرف عنها الكثير، وكان المشاهد ينتظر المساء كي يطلع عليه المذيع التلفزيوني المتمرّس كأنه البدر، فيحلل ويستنتج ..، ويصنع رأي عام متنوراً وإيجابياً!

جاء الانفتاح في الإعلام، وجاء معه كثير من الانفلات.. ألا تلاحظون أن إعلامنا لم يعد يصنع نجماً كبيراً إلا في حدود ضيّقة، بعد أن صار أصبح (الإعلامي) يتوسّـل المتابعة بل يستولها، ويُقبّـل رأس المسؤول الرياضي لكي يشاهده في الحلقة المقبلة.. يشاهده وهو ينتقده.. وأصبح الصحفي في يومنا هذا يُهلّل ولا تسعه الدنيا فرحاً، إذا نبضَ تليفونه المحمول ليتلقى مكالمة من مسؤول أو قارئ يبشره بأنه قرأ مقالاً له، بعد أن كان يجهل – لسنوات – في أية جريدة يكتب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى