رسائل الحمام

في رحاب المزمار

محمد رضوان

… الآن، صارت (المزمار) في حوزة قارئيها، بعد أن تغلبت الإرادة على الحيرة، وانتصرت الرغبة على التردد، وبعد أن تضورت النفس للثقافة، واشتاق الذهن للأدب العفيف، وفي ظل طغيان المهلهل و توسع الأدب الرخيص، جاءت (المزمار) لتُعيد قاطرة الذوق إلى مسارها القويم، وتحرر قيود الأحرف المحجوزة، والكلمات المُعتقلة.

جاءت (المزمار) لتنهض، مثلما تفعل الروح الأبية، جاءت لتدخل بين رسالات البناء الحقة وأضواء الأقمار المنيرة، جاءت لتتسنم أحصنة الثقافة القويمة وجياد المعافاة الصحفية، (المزمار) رسالة أدب، ودوحة فن، وخواطر جمال، هي للوجهاء نوافذ للرأي الحر، وللنجباء منابر للمنطق القويم، (المزمار) في مجملها ثمرة تفاحة نضرة في زمن المجاعة الفكرية.  

إن غاية (المزمار) أن تقاوم طغيان التكنولوجيا، وبَهَرج الأجهزة المحمولة، والإفراج عن العقول الحائرة من احتجاب الأدب، أجل هذه هي غاية (المزمار)، وهذه هي الأسباب التي دفعت إليها، رغم انتظاراً لصعاب السبيل وعثرات العمل، وربما أيضاً منغصات الأذى، إلا أن المضي قُدماً في مثل هذه المنصات المنيفة، يقضى على خريف الأدب، ويبعثُ في الأرواح ربيع الثقافة، ويزيل كهولة الصحف وتجاعيد الصحافة.

عندما هاتفني صديقي الرائع عبد الكريم البليخ بطريقته الهادئة التي استمدها من سكينة الفرات، وروحه الثائرة التي تعلمها في “الرّقة” مدينة الثورة، أقول إنه عندما حدثني صديقي عن مشروع (المزمار)، راقت ليَّ الفكرة، وشدّني العنوان، فقد رأيت فيه الكثير، خاصةً وأن المهلهل طغى على السائغ، واستطال الرديء على الصالح، فصار الحال مُلزماً لحضور مزمار، يربط القديم بالحديث، ويصل الشرق بالغرب، وقبل كل هذا يُعيد الاتزان لمن أسس بنيانه على جرف هار.

نريده مزماراً يوحّد الثقافة العربية، ويعمل على تقوية النهضة الفكرية، وتوثيق الروابط الأدبية، واعتصام النابهين من أبناء النيل وشط العرب، نريده مزماراً يجوب البتراء وبردى وقرطاج وسُقطرى، مزمار يقيم درجات الفكر المُهدمة، ويبعث روح الشباب في الخواطر المُتأمِلة، والرؤى المُتدبِرة.

نعم .. نريده مزماراً يقض مضاجع التافهين، ويقطع دابر أصحاب العقول البليدة، مزماراً يرتكز على ثلة من البارعين، فيضربون الأرض من مشرقها إلى مغربها، ويركنون إلى صدق العزم وقوة الإيمان، ومخدعهم الحيوية والتجديد، لا يخشون مجادب الحياة ومجاهلها، وإنما جُل سعيهم البناء الثقافي، والإبحار الأدبي. 

افسحوا المجال لشباب (المزمار) المُفعمين بعبير العزم ورغد الفكر وبواعث الأدب، واستقبلوا الكهول في رحاب (المزمار)، بأذهانهم الوقورة وقلوبهم الغضة وإرثهم النفيس، ورغم صعوبة البدايات ومكابدة العمل، افسحوا المجال للمزمار، واستقبلوها بقلوب غضّة وعقول لامعة، استقبلوها وهي على خير ما يكون العازمين، من شدّة الثقة بالمستقبل، وقوة الرجاء في الله.

أديب الرياضة

                                                   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى