الورقة الأخيرة

عن السعادة ومفرداتها

عبد الكريم البليخ

مفردات السعادة في هذا الزمن الذي نعيش فيه كثيرة، وتقترب في بعضها وتبتعد عن مخيلتنا وأفكارنا مع واقع الحياة الحالية والهيجان الذي يلفّها في كل اتجاه. ويظل للسعادة وجهها وتطلعاتها ومفرزاتها في مختلف الأماكن. برأيي الشخصي، في حال حاولنا الامتثال للواقع وحفرنا عميقاً، يمكننا أن ننهل بعضاً مما نبحث عنه من أنواعها ومفرداتها المتعددة، وبحب جارف، حينها يمكن أن نعرف أين يمكن أن تَصبّ، وفي أي اتجاه. ويمكن أن نأخذ عليها هذه المحاور التي يمكن أن تُهيئ لها أبواباً وطرقاً مغلقة.

إلى كل من يبحث عن السعادة بعناوينها، سيجدها بلا شك في مخدعه تحتضن فراشه لو أراد ذلك، وقد تكون في مفارق شتى: في التسوّق، في حمل طفل صغير، في مزاولة هواية التصوير، في رحلةٍ نهرية لاصطياد الأسماك، في قراءة قصة أو مقالة أو رواية للأديب الراحل الطبيب عبد السلام العجيلي، التي وصلت إلى أربعة وأربعين إصداراً مختلفة الطيف، أو مراجعة ما كتبه الكاتب المصري المعروف جلال أمين، وما أدلى به من حوارات تلفزيونية تركت بصمة دامغة في الفكر والوجدان العربي، وكذلك ما كتبه الأديب المغفور له نجيب محفوظ، فضلاً عما تناوله الناقد المخضرم رجاء النقاش، رحمه الله. الحال نفسه بالنسبة للكاتب الروائي علاء الأسواني، وما يمتعنا به الكاتب والصحافي اللبناني الكبير سمير عطا الله، والكاتب المصري الأشهر جميل مطر من مقالات رائعة في الفكر والسياسة والاجتماع، وما يتحفنا به الصحافي غسان شربل صباح كل يوم اثنين في عموده الأسبوعي في صحيفة “الشرق الأوسط”.

قد تجدُ سعادتك في تصفّح الإنترنت، وفي التعليق على ما سبق أن قمت به من نشر (بوستات) مقتضبة تعالج قضية ما، أو في زيارة مطعم متواضع يقدم وجباتك المفضلة.

وقد تجدها في ممارسة لعبة كرة القدم أو في غيرها من الألعاب الرياضية، فردية كانت أم جماعية، أو في متابعة مباريات الدوريات الكبرى لكرة القدم. وقد تكون السعادة متوافرة في التنزّه إلى إحدى الغابات، وفي حوار جانبي مع زوجة غمرتها الفرحة باصطحاب زوجها إلى مكان خَلْوٍ بعيداً عن أعين الناس، يعلوه الصفاء والراحة.

وقد تتجسد السعادة في تناول وجبة طعام بعينها، أو أنها تكمن في تدخين النرجيلة أو في احتساء القهوة إلى جانب متابعة مسلسل تلفزيوني مثل “الراية البيضاء”، لجميل راتب وسناء جميل، أو متابعة المسلسل السوري الكوميدي (ضيعة ضايعة)، للمخرج الليث حجو ومن تأليف الدكتور ممدوح حمادة. أبدع فيه كل من النجمين باسم ياخور والمرحوم الفنان نضال سيجري، أضف إلى بقية أسرة المسلسل التي أمتعت بحق المشاهد العربي في كل مكان، على الرغم من تكراره الذي لم يشكل أي عنوان للملل. الحال كذلك بالنسبة لمسلسل (الخربة)، وما تركه من فن حقيقي وإبداع أمتع المشاهد العربي في كل مكان، أو مشاهدة فيلم مثير للمتابعة من أفلام الفنان المبدع عادل إمام أو محمود ياسين، أو الممثل الأنيق كمال الشناوي وغيرهم من الفنانين المبدعين، وما تتحفنا به “نتفلكس” في معرض أفلامها وبرامجها.

وقد تكون السعادة مرسومة في جولة سياحية مع أسرتك، في زيارة مدينة أو موقع أثري، هرباً من انشغالاتك ويومياتك التي تكرر ذاتها مع مستجدات الحياة اليومية ومتطلباتها، وفي جلسة متواضعة في مطعم يفتقر لأبسط الخدمات، وفي تناول وجبة سريعة وأنت تسير في شارع وسط الزحام تسد رمقك.

وقد تجدها في ارتداء ملابس جديدة، أو في لقاء متجدد مع صديق نبيل تعرفت عليه في زحمة انشغالاتك وهواجسك التي لا تتوقف عن الهذيان، مع فقدانك أصدقاءك القدامى.

وقد تكون السعادة مرسومة مع فريق عمل جمعته بهجة الفرح مع عدد من المهجّرين الذين سبق أن وصلوا إلى دول (النعيم)، وأُلزموا بتعلّم مناهج اللغة المكثفة بهدف الاندماج والتكيّف مع العالم الجديد. وقد تكون السعادة في إطالة اللحى، موضة العصر، وغيرها كثير.

وتظل السعادة بالنسبة لآخرين في العودة إلى أرض الوطن، والتغنّي بأمجاده، على الرغم من الحال الذي حلّ به، وتناهبته يد الغدر والمعتوهين الطغاة الذين حوّلوا سعادة أهلنا هناك إلى ألوان من الحزن والأسى.

فالسعادة ميزانها العدل، والصدق سيّدها. ومنكم نتعلّم الكثير من الدروس والعبر من ملفات الحياة وزخمها. إنها مدرسة الحياة التي نحب.

1/12/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى