ما سرّ الإخفاق العربي المريب في آسيا وأفريقيا؟

باستثناء قطر والأردن بعد تأهلهما للدور ربع النهائي لكأس آسيا على حساب فلسطين والعراق، أخفقت باقي المنتخبات العربية في تجاوز الاختبار الأول في معارك خروج المغلوب في كأسي آسيا وأفريقيا، وبالأخص عرب الماما أفريكا، الذين بصموا على «كان» للنسيان على الأراضي الإيفوارية، بدأت بالخروج المحرج للمنتخب الجزائري من الدور الأول، ومعه جاره التونسي من نفس الدور، ثم بإقصاء زعيم القارة منتخب مصر من دور الـ16 على يد منافسه المتواضع الكونغو الديموقراطية بركلات الترجيح، وتبعه رابع العالم والمرشح الأول لنيل اللقب المنتخب المغربي، بعد سقوطه المفزع أمام جنوب أفريقيا بثنائية نظيفة في نفس الدور، الذي خرج منه أيضاً المنتخب الموريتاني، بعدما حقق جزءاً كبيراً من المطلوب منه، بإنهاء عقدته مع الانتصارات والتأهل لمراحل خروج المغلوب.
تخبط الفراعنة
صحيح هناك شبه إجماع على أن درجات الحرارة ونسبة الرطوبة العالية في كوت ديفوار، كانت سبباً في المردود البدني للمنتخب المصري وباقي المنتخبات العربية المشاركة في المونديال الأفريقي، لكن هذا لا يعفي المدرب البرتغالي روي فيتوريا من المسؤولية، باعتباره السبب الرئيسي والمباشر في ظهور الفراعنة بهذه النسخة الرديئة في البطولة، وبالتبعية من يتحمل مسؤولية النتائج المخيبة للآمال، والتي وصلت لحد العجز للمرة الأولى منذ بداية التسعينات من تحقيق أي انتصار في الكان، بسلسلة تعادلات، بدأت بالسقوط في فخ موزمبيق في المباراة الافتتاحية، ثم أمام غانا والرأس الأخضر، واكتملت في ليلة الخروج من دور الـ16 على يد الكونغو، بنفس الطريقة التي خسر بها المنتخب المصري المباراة النهائية أمام السنغال في النسخة الماضية من علامة الجزاء، الفارق هذه المرة، أن منتخب الفراعنة ظهر بهوية مختلفة عن الصورة المحفورة في الأذهان، عن ذاك المنتخب المتمرّس على الفوز بهكذا مباريات، كضريبة لما يُقال على نطاق واسع بين الخبراء والمحللين، نتيجة المجاملة والمحسوبية في الاختيارات، بضم لاعبين يندرجون تحت مسمى أصدقاء الشلة المتحكمة في مصير المدرب، والأسوأ اعتماده على لاعبين غير جاهزين فنياً وبدنياً، مثل الظهير الأيسر لنادي الزمالك أحمد فتوح، البعيد عن اللعب منذ فترة طويلة بسبب نزاعه على تجديد عقده مع النادي، وبالمثل محمد النني، العائد لتوه من إصابة خطيرة، تسببت في غيابه عن الملاعب قرابة العام، وفوق ما سبق، حّول المنتخب إلى حقل تجارب في المباراة الفاصلة، بإشراك لاعبين لم يسبق لهم اللعب معاً ولو مرة واحدة من قبل، مثل محمود حماده ومهند لاشين في وسط الملعب، رغم أنه من المفترض أن المدرب انتهى من فترة التجارب واستقر على العناصر الأساسية والبديلة القادرة على تطبيق أفكاره، وفوق كل ما سبق وفي نفس الوقت يظهر أن فيتوريا وطاقمه المساعد لم يستعدوا للمباراة ولا البطولة بشكل جيد، فكان قراره بالدفع بمهند لاشين والمباراة تتجه إلى ركلات الترجيح، رغم تأكد ويقين الملايين خلف الشاشات، بأن اللاعب سيكون أول الهاربين من تنفيذ ركلات الجزاء، بسبب ركلة الجزاء المصيرية التي أهدرها أمام السنغال، وهو ما حدث بالفعل، وأجبر القائد أحمد حجازي على تكليف محمود أبو جبل بتنفيذ ركلة الجزاء التي عجلت بخروج مصر من أسهل طريق مؤدية إلى نصف النهائي.
عقدة الأسود
لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، أخفق المنتخب المغربي مرة أخرى في كسر الحاجز النفسي مع مراحل خروج المغلوب والبحث عن تذكرة اللعب في المباراة النهائية للمرة الأولى منذ 20 عاماً، إثر هزيمته غير المتوقعة على يد جنوب أفريقيا بهدفين نظيفين، لكن من تابع الـ90 دقيقة، يعرف جيداً أن منتخب البافانا بافانا افتك بطاقة الترشح عن جدارة واستحقاق، وبمساعدة من المدرب وليد الركراكي، الذي لم يفكر خارج الصندوق لحل إشكالية غياب التفاهم بين سفيان أمرابط وشريكيه على دائرة المنتصف عز الدين أوناحي وسليم أملاح، تارة بانشغال كل لاعب بأدواره الهجومية على حساب الدفاعية، وتارة أخرى لحالات قلة التركيز التي كانت تجعلهم على بعد عشرات الأمتار عن بعضهم بعضا، مثل لقطة استقبال هدف «الأولاد» الأول، من تمريرات قصيرة في العمق انتهت بتمريرة في ظهر الدفاع أنهاها إيفيدينس ماكجوبا بلمسة الخبير رقم 9 في شباك الحارس ياسين بونو، وبالمثل في لقطة طرد سفيان أمرابط في الوقت المحتسب بدل من الضائع، والتي جاء منها رصاصة الرحمة الثانية من مكان المخالفة المباشرة التي ارتكبها سفيان، هذا بخلاف تأثر الفريق بغياب الثنائي حكيم زياش وسفيان بوفال، خصوصا الأول الذي افتقده منتخب الأسود بشدة، خاصة في ركلة الجزاء التي أهدرها زميله أشرف حكيمي، في قرار يتحمل رأس الأفوكادو مسؤوليته، لسوء حظ مدافع باريس سان جيرمان مع ركلات الجزاء، أو كما قالها أنطونيو كونتي ذات مرة أثناء إشرافه على تدريب أشرف في الإنتر: «من المفيد ألا يسدد حكيمي ركلات الجزاء، يجب أن يموت الجميع قبل أن أسمح له بتنفيذ ركلة جزاء واحدة، إنه يسددها أسوأ مني عندما كنت لاعبا»، وكما نعرف، كونتي كان مثالا لما يُعرف باللاعب الموظف، الذي لا يملك سوى طاقة للركض وعمليات الكر والفر في وسط الملعب، بعيدا عن الأناقة واللمسات الإبداعية المتعارف عليها بين لاعبي الوسط، بدون مبالغة كان أقل جودة من غاتوزو، مع ذلك لم يستمع الركراكي للنصيحة ولا حتى تذكر تلك الركلة السيئة التي أهدرها نفس اللاعب أمام تنزانيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026، ليدفع الثمن بضياع الركلة وفرصة العودة بالنتيجة قبل دقائق قليلة من طرد أمرابط واستقبال الهدف الثاني، لتبقى عقدة المغرب وكأس أفريقيا مستمرة للعقد الخامس على التوالي، على أمل أن تحدث انفراجة عندما تستضيف البلاد النسخة القادمة للكان.
هدايا آسيا
في كأس آسيا، يمكن القول إنّ المنتخبات العربية فرطت في فرصة تاريخية لحجز حصيلة غير مسبوقة من الأماكن في ربع النهائي، وكانت البداية بصدمة خروج المنتخب الإماراتي أمام نظيره المتواضع طاجيكستان، في مباراة كان من المفترض ومن المتوقع أن يحسمها الإماراتي خلال الـ90 دقيقة، لكن في الأخير ذهبت إلى الأشواط الإضافية ومن ثم ركلات ترجيح، ابتسمت لممثل منطقة أوراسيا. وبعد 48 ساعة، عاد المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني لإثارة الجدل والقيل والقال، بسبب ما فعله في مباراة الوداع من كأس آسيا على يد المنتخب الكوري الجنوبي، والإشارة إلى موقفه الصادم للإعلام والرأي العام في المملكة، بترك الملعب واللاعبين قبل أن يُنفذ اللاعب الكوري ركلة الترجيح الحاسمة، وسبقها تهكمه على لاعبه لسوء تقديره للكرة في هدف كوريا الذي جاء في الأمتار الأخيرة للمباراة، رغم أنه بلغة العقل والمنطق، يعتبر المسؤول الأول عن كل الأخطاء التي تسببت في هدف أحفاد شمشون الجبار، لمبالغته في العودة إلى الوراء واللعب بطريقة دفاعية لا تتناسب مع إمكانات اللاعبين، معتقدا أنه بعد هدف التقدم، سيقلب الدفاع الأخضر إلى نسخة تحاكي أسياد الدفاع في جنة كرة القدم، فكانت النتيجة الصورة الباهتة التي كان عليها المنتخب السعودي في الدقائق الأخيرة بوجه خاص وفي البطولة بوجه عام، في ظل عدم اقتناع النقاد والمحللين بالنتائج والعروض التي قدمها المنتخب في البطولة، مثل الفوز الخادع على عمان بهدفين مقابل هدف في اللحظات الأخيرة، والاكتفاء بثنائية نظيفة في منتخب قيرغيزستان المغمور والتعادل مع تايلند قبل الإقصاء من دور الـ16. وبدرجة أقل، يمكن كذلك القول إن المنتخب السوري، فرط في فرصة تاريخية بالترشح لربع النهائي، بعد ملحمته البطولية أمام إيران، التي انتهى وقتها الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، ولولا ثبات المدرب هيكتور كوبر وجهازه المعاون على موقفهم بعد طرد مهدي طارمي في الدقيقة 90، بالتركيز على تأمين العمق الدفاعي وانتظار هدية من السماء أمام مرمى المنافس، لما ذهبنا إلى ركلات الترجيج التي ابتسمت في النهاية للمنتخب الفارسي، لينتهي المطاف بعرب آسيا بوصول منتخب النشامى الأردني إلى ربع النهائي، بعد انتصاره المثير على شقيقه العراقي بثلاثية مقابل اثنين في واحدة من أمتع وأجمل سهرات كأس القارة الصفراء، وتبعه المنتخب القطري في نفس اليوم، بفوز صعب على المنتخب الفدائي الفلسطيني، الذي نال احترام الجميع بعروضه المميزة وروح لاعبيه القتالية، التي كانت واحدة من أسرار معجزة تجاوز الدور الأول، رغم جرائم الاحتلال الصهيوني التي لا تتوقف عن تدمير المنشآت الرياضية ولا عن استهداف الرياضيين ولاعبي الكرة والتضييق عليهم.