أيام لا تنسى

مروان صواف.. ملك الارتجال وصانع الحوارات الخالدة

المزمار ـ خاص:

مروان صواف، اسمٌ لمع في سماء الإعلام العربي، وعُرف بأنه ملك الارتجال الذي سحر الجماهير بحواراته الثرية وأسلوبه الفريد. وُلد مروان عام 1948 في دمشق، لأسرة ثقافية فنية عريقة، حيث كان والده محمود الصواف من قدماء الصحفيين السوريين وأحد روّاد المسرح السوري. وترجع أصول الأسرة إلى الموصل في العراق، قبل أن تستقر في حي الميدان الدمشقي الذي يعد رمزاً للأصالة والعراقة.

نشأ مروان في بيئة ثقافية وفنية ألهمت مسيرته المستقبلية. منذ شبابه، أظهر اهتماماً بالمسرح، حيث شارك هاوياً في المسرح السوري، مما عزز شغفه بالثقافة والفنون. حين افتُتحت كلية الصحافة والإعلام بجامعة دمشق، كان مروان من طلاب الدفعة الأولى، حيث تلقى تعليماً أكاديمياً صقل موهبته الصحفية.

بدأ مروان صواف مسيرته المهنية كصحفي في جريدة الثورة، حيث أثبت كفاءته في تقديم القضايا بأسلوب عميق وتحليلي. ثم انتقل إلى تقديم البرامج الإذاعية، حيث لمع نجمه بفضل صوته المميز وقدرته على إيصال الأفكار بسلاسة. لاحقاً، انتقل إلى التلفزيون السوري، حيث بدأ مشواره في تقديم البرامج الحوارية والثقافية، التي ستصبح لاحقاً بصمة خاصة به.

لم تقتصر مسيرته على الإعلام السوري، إذ انتقل لاحقاً إلى قناة الشارقة الفضائية، حيث واصل تقديم برامجه المميزة التي استقطبت جمهوراً عربياً واسعاً.

ملك الارتجال

عُرف مروان صواف بلقب “ملك الارتجال”، حيث كان من القلائل الذين استطاعوا مخاطبة الجمهور دون ورق. اعتمد على ثقافته الواسعة وحضوره الذهني في تقديم برامجه وإدارة حواراته، مما جعل لقاءاته ذات طابع خاص ومميز. ارتجاله لم يكن مجرد أسلوب، بل كان انعكاساً لشخصيته التي تميزت بالثقافة العميقة والقدرة على ربط الأفكار بطريقة جذابة ومقنعة.

ركز مروان صواف في برامجه على الثقافة والفكر والأدب، مما أكسبه مكانة خاصة لدى المثقفين والجمهور على حد سواء. كان يجمع بين الرصانة والعمق، مع لمسة من العفوية التي جعلت برامجه نابضة بالحياة. تناولت برامجه موضوعات متنوعة شملت الأدب، الشعر، المسرح، السينما، والدراما، مما جعله مرآة تعكس تنوع الثقافة العربية.

طوال مسيرته، أجرى مروان صواف لقاءات مع أبرز الشخصيات الأدبية والفنية في سوريا والعالم العربي. من بين الشخصيات التي حاورها:

الأدباء والشعراء: نزار قباني، عمر أبو ريشة، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، ونعمان عاشور.

الدراما والمسرح: نهاد قلعي، ياسر العظمة، دريد لحام، ثناء دبسي، وصلاح السعدني.

الموسيقى والغناء: صباح فخري، وديع الصافي، فهد بلان، مارسيل خليفة، ومحمد منير.

السينما والتمثيل: فاتن حمامة، سمير غانم، عمر الشريف، وأمل عرفة.

كانت لقاءاته مع هؤلاء العمالقة ليست مجرد مقابلات، بل منصات لإبراز الجوانب الإنسانية والفنية في حياتهم. كانت طريقته في إدارة الحوار تفتح الباب أمام ضيوفه للتعبير عن أنفسهم بحرية وصدق.

ما يميز مروان صواف ليس فقط ما قدمه، بل الطريقة التي قدّمه بها. رسّخ صواف مفهوماً جديداً للبرامج الحوارية، حيث دمج بين العمق الفكري والتلقائية. كان يمزج بين طرح الأسئلة العميقة والحضور الشخصي القوي، مما جعل حواراته ليست مجرد استعراض للمعرفة، بل تجربة إنسانية شاملة.

ترك مروان صواف أثراً كبيراً في الإعلام العربي، حيث أصبح مثالاً يُحتذى به للإعلامي المثقف الذي يستطيع المزج بين المعرفة والمهارة الإعلامية. ألهمت طريقته في الارتجال العديد من الإعلاميين، وأثبت أن الثقافة هي مفتاح التميز في أي مجال.

لكن شغفه الحقيقي كان في البرامج الثقافية والمنوعة، حيث وجد نفسه. وفي أول ظهور له على شاشة التلفزيون السوري، بدأت ملامح نجم إعلامي بارز تظهر بوضوح.

التزام بالمهنية

قدّم مروان صواف خلال مسيرته مجموعة من البرامج التي أصبحت علامات بارزة في الإعلام العربي، منها:

ـ مجلة التلفزيون

ـ نقطة على الحرف

ـ أيام عالبال

ـ أوراق ملونة

ـ القنال 7

ـ محضر الساعة العاشرة

ـ بساط الريح

ـ وجهة نظر

ـ إذا غنى القمر

في برنامجه “إذا غنى القمر”، قدّم مروان تجربة فريدة من نوعها. تناول البرنامج تلخيص أفلام عالمية بأسلوب مبتكر، حيث كان مروان يلعب دور المعد والمقدم، ونجح بفضل اختياراته الموفقة للمشاهد وأسلوبه البارع في السرد. كان البرنامج شاهداً على قدرة الصواف على تحويل البرامج الثقافية إلى مادة شيقة تجذب المشاهد، حتى في وقت كانت الإمكانات الفنية محدودة.

بعد النجاح الكبير الذي حققه في التلفزيون السوري، قرر مروان صواف مغادرة سوريا إثر بعض الانتقادات التي تعرض لها من المثقفين. استقر في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث واصل نجاحه عبر قناة الشارقة الفضائية. هناك، قدّم برامج مميزة مثل:

“فوق السطر”

“المشهد الصحفي”

“فن لكل العصور”

في السنوات الأخيرة، دخل الصواف العالم الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال برنامج “بسمة على ثغر القمر”، مستمراً في تقديم إبداعاته رغم ابتعاده عن الشاشة التقليدية.

في مقابلاته النادرة، شارك مروان صواف رؤيته للإعلام العربي، منتقداً حالة “التسليع” التي أصبحت تطغى على المادة الإعلامية. أكد على أهمية تحضير المادة الإعلامية بعناية، مشيراً إلى أن ما يراه البعض ارتجالاً هو في الحقيقة نتيجة إعداد عميق ودقيق.

رفض لقب “ملك الارتجال” بمعناه المباشر، قائلاً: “أنا لست ملكاً للارتجال، بل أعبر عن حس تجربتي”. كانت هذه الكلمات انعكاساً لفلسفته الإعلامية التي تؤمن بأهمية احترام عقل المشاهد وتقديم مادة تليق بذائقته.

في السنوات الأخيرة، انتقل مروان صواف إلى كندا، حيث واصل العمل الإعلامي من خلال الكتابة في مجلة “أيام كندية”، ليظل صوته وأفكاره حاضرة في المشهد الإعلامي حتى بعد مغادرته الساحة التلفزيونية.

مروان صواف ليس مجرد مقدم برامج، بل هو حالة إعلامية فريدة جسّدت الالتزام بالمهنية، والثقافة، والإبداع. تأثيره تجاوز حدود الشاشة ليصبح مثالاً يُحتذى به للإعلامي المثقف الذي استطاع أن يوازن بين البساطة والعمق.

في زمنٍ بات الإعلام يعاني من التسطيح، يظل مروان صواف رمزاً للإعلام الهادف الذي يحترم المشاهد ويغني فكره. برامجه وحواراته ستبقى شاهدة على عصر ذهبي من الإعلام، ومرجعاً للأجيال القادمة.

مروان صواف ليس مجرد مذيع أو صحفي، بل هو حالة إعلامية فريدة تمثل التقاء الموهبة، الثقافة، والحضور الإعلامي القوي. برامجه وحواراته ستبقى شاهدة على عصر من الإبداع والتميز الإعلامي الذي قلّ نظيره. إنه نموذج يُذكرنا بأهمية الالتزام بالمهنية والبحث عن العمق في عالم يزداد تسطيحاً يوماً بعد يوم.

ا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى