فواصل منقوطة

سوريا.. بزوغ شمس الحرية

عبد الكريم البليخ

في يوم مشهود سيبقى محفوراً في وجدان الأمة والعالم، تحقق الحلم الكبير للشعب السوري بانتصار الحرية على الاستبداد. بعد أكثر من نصف قرن من الظلم والقهر، سقط نظام بشار الأسد، النظام الذي حول سوريا إلى سجن كبير يسوده القمع والفساد. هذا اليوم التاريخي شهد نهاية عقود من المعاناة التي تحمّلها الشعب السوري، وفتح أبواب الأمل لمستقبل أكثر إشراقاً وحرية.

منذ أكثر من خمسين عاماً، عاش السوريون تحت ظل نظام قمعي استبدادي لم يدخر وسيلة لإسكات أصواتهم، لكنه لم يستطع إسكات روحهم. اليوم، أثبت الشعب السوري أن الإرادة الحرة قادرة على قهر الاستبداد مهما طال أمده. بسقوط هذا النظام، انطوت صفحة مظلمة من تاريخ سوريا، ليبدأ عهد جديد من الحرية والكرامة.

تحول النظام السوري لعقود إلى ما يشبه المزرعة العائلية، حيث تفشى الفساد والقمع، لكن الشعب صمد، متحدياً كل محاولات الإخضاع. برغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري من دمائه وأحلامه، جاء النصر ليؤكد أن كفاح الشعوب من أجل الحرية لا يمكن أن يُهزم.

مع سقوط النظام، فُتحت أبواب السجون التي كانت شاهدة على أفظع الانتهاكات. عاش آلاف المعتقلين، الذين قضوا سنوات طويلة في زنازين الظلم، لحظة طال انتظارها. خرجوا إلى النور، حاملين معهم أحلاماً بوطن حر ودولة عادلة، تاركين وراءهم ذكريات قاسية، لكنهم متطلعين إلى مستقبل جديد.

النصر السوري لم يكن سهل المنال، فقد جاء بعد أعوام طويلة من القمع والدمار. دفع السوريون أثماناً باهظة، ليس فقط بدماء الشهداء، بل أيضاً بالتضحيات التي قدمتها عائلات بأكملها، والدمار الذي طال المدن والقرى. هذا الانتصار يمثل شهادة على نبالة الشعب السوري وشجاعته الفائقة، فقد أظهر وعياً وحكمة قل نظيرها في مواجهة الطغيان.

حظي هذا التحول التاريخي بمباركات واسعة من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. وصف البعض هذا الحدث بأنه “ميلاد جديد لشعب عظيم”. وجّهت رسائل تهنئة أكدت على ضرورة الاستفادة من هذه اللحظة لبناء سوريا جديدة، دولة موحدة تحفظ حقوق كل مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم.

دعت هذه الرسائل إلى بناء علاقات تعاون جديدة بين سوريا وجيرانها على أسس من الاحترام المتبادل، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وتجنب التدخلات الخارجية التي كانت سبباً في إطالة أمد معاناة الشعب السوري.

مع سقوط النظام، يتطلع الشعب السوري إلى بناء دولة ديمقراطية حرة تقوم على مبادئ العدل والمساواة. سوريا التي تعبّر عن كل أبنائها، والتي تمثل نموذجاً للتعايش والتعددية، هي الحلم الذي بات أقرب إلى الواقع.

الطريق نحو المستقبل ليس خالياً من التحديات، لكن الإرادة السورية التي استطاعت أن تسقط الطغيان ستتمكن من بناء وطن يحمي قيم الحرية والكرامة التي ناضلوا من أجلها.

اليوم، انتصرت سوريا. انتصر الشعب الذي ناضل من أجل حريته، وواجه القمع بكرامة وشجاعة. لم يكن هذا اليوم نهاية الطغيان فقط، بل بداية لعهد جديد تُشرق فيه شمس الحرية فوق كل مدينة وقرية في سوريا.

ستكون سوريا الجديدة دولة ديمقراطية، قائمة على قيم الحرية والعدالة، وعنواناً للتعايش بين كافة مكوناتها.

إنه ليس مجرد يوم تاريخي، بل صفحة جديدة في تاريخ الأمة العربية، ورسالة إلى كل شعوب العالم بأن الحرية قد تتأخر، لكنها حتماً ستنتصر. سوريا اليوم حرة، مستقلة، وموحدة، ومصممة على أن تصبح دولة تستحق التضحيات الجسام التي قدمها شعبها البطل.

هذا اليوم ليس فقط نهاية الطغيان، بل بداية لعهد جديد من الحرية والكرامة لكل السوريين.

***

أين نحن مما يحدث اليوم على أرض سوريا؟ هذا السؤال يختصر حكاية شعبٍ شاهد وطنه يتحول إلى ساحة صراع، وكعكة تتنافس على فتاتها أطراف متعددة، بعضها مدعياً التحرير، والآخر جاهراً بالاحتلال. أرضٌ كانت مهد الحضارات، ومعبراً للتاريخ، ومصدراً للهوية والثقافة، لكنها اليوم باتت مرادفاً للدمار والرعب والخذلان.

سوريا التي كانت يوماً رمزاً للجمال والتاريخ، أضحت مسرحاً لحروبٍ لا تنتهي، وحكايات موتٍ تتكرر كل يوم. أطفالٌ كانوا زهرات المستقبل، خطفتهم الحروب كمن يخطف فرحة من حضن أمٍ، تاركين وراءهم عائلات تتجرع الألم كل لحظة. مشهد الموت صار مألوفاً، حتى أن السوريين، بغالبيتهم، باتوا يعيشون مع هذا المصير بصدرٍ عارٍ، وكأنهم في سباق دائم مع القدر.

معاناة السوريين ليست مجرد أرقامٍ تُحصى أو أخبارٍ تُتناقل؛ إنها وجعٌ يوميٌ يعيشه ملايين الناس الذين ضاقت بهم الحياة وأغلقت في وجوههم جميع الأبواب. ورغم كل ذلك، تجدهم صامدين، يقاومون البؤس بالأمل، ويعيشون على حلم العودة إلى حياة كريمة، حياة تستحق أن تُعاش.

المأساة السورية ليست مجرد نتيجة للحرب والدمار، بل هي انعكاسٌ لسنواتٍ طويلة من التهميش والفساد. إدارة حاكمة استباحت الوطن، واعتبرت الشعب مجرد أداةٍ لخدمة مصالحها. هذه الإدارة لم تقدم للمواطن السوري سوى الفتات، وحتى هذا الفتات كان يتبخر في دهاليز الفساد والمحسوبيات.

المواطن السوري، الذي حلم يوماً بوطنٍ عادل، وجد نفسه في مواجهة واقعٍ مظلم، حيث كل محاولةٍ للمطالبة بحقوقه تقابل بالقمع أو التهديد بالموت أو السجن. هذا الواقع جعل من الكرامة حلماً بعيد المنال، ومن العدالة شعاراً لا معنى له في ظل نظامٍ لا يعرف سوى لغة القمع والإذلال.

رغم كل هذه المآسي، لا يزال السوريون يبحثون عن مخرجٍ من عنق الزجاجة. يحلمون بحياةٍ كريمة مليئة بالحب والمصداقية، يحلمون بوطنٍ يحتضنهم بدلاً من أن يطردهم.

الكرامة ليست مجرد كلمة، بل هي حقٌ أصيل لكل إنسان، والسوريون اليوم في أمس الحاجة إلى استعادتها. هذه الاستعادة تبدأ بإيجاد حلولٍ حقيقية لمشاكل المهجرين والنازحين، وبتقديم العدالة للضحايا، وبإعادة بناء وطنٍ قائم على أسس العدل والمساواة.

سوريا، التي كانت يوماً رمزاً للحضارة والتاريخ، يمكن أن تعود إلى مكانتها إذا تضافرت الجهود، وإذا أُعطي الشعب فرصة حقيقية لبناء وطنه من جديد.

سوريا اليوم في حاجة إلى من يؤمن بها، إلى من يعمل من أجلها، إلى من يعيد لها مجدها، وأهم من ذلك، إلى من يعيد لشعبها كرامته المهدورة.

**

وفي السياق، وعلى ضوء التحولات السياسية التي تشهدها سوريا، تصاعدت الدعوات إلى بناء دولة مدنية شاملة تضمن مشاركة النساء في الحياة العامة والسياسية. خرج المئات من النساء والرجال في تظاهرات تطالب بحقوق متساوية وتمثيل عادل للمرأة في الإدارة الجديدة، وسط قلق متزايد من تصريحات تحدّ من دورها في المجتمع السوري.

وسبق أن أثيرت تصريحات مثل تمثيل المرأة في المناصب الوزارية والنيابية، وأنها هذا التمثيل بالنسبة للمرأة ما زال بحاجة إلى دراسة من قبل المختصين. هذه التصريحات أثارت مخاوف حول إمكانية تقييد حقوق النساء في سوريا الجديدة.

لطالما لعبت النساء السوريات دوراً محورياً في مختلف المجالات، بدءاً من السياسة والبرلمان، حيث تولّت مناصب وزارية، إلى الاقتصاد والتعليم والمشاركة الفاعلة في الثورة السورية. النساء كنّ في طليعة الحراك الشعبي، وقُدن المظاهرات وناضلن من أجل التغيير.

مع تصاعد الجدل حول التصريحات غير المدروسة، تؤكد أصوات عديدة على أهمية الحفاظ على مكتسبات النساء السوريات وتعزيز دورهن في جميع المجالات. تظاهرات رفع فيها شعار “لا وطن حراً دون نساء أحرار”، أكدت على أن بناء سوريا الجديدة يجب أن يقوم على العدالة والمساواة بين الجنسين.

المرحلة القادمة تحتاج إلى حوار مجتمعي شامل حول دور المرأة في سوريا الجديدة. يجب أن يكون الدستور الجديد شاملاً ويضمن حقوق الجميع، بمن فيهم النساء، مع الابتعاد عن نهج المحاصصة واعتماد الكفاءة كمعيار وحيد.

بالرغم من وعود الجهات الحاكمة باحترام حقوق المرأة، إلا أن التصريحات المثيرة للجدل تثير قلقاً بشأن توجهات الإدارة الجديدة. وتظل هناك حاجة ملحّة لضمان التزام السلطات بحقوق النساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.

في هذه المرحلة الانتقالية، تواجه النساء السوريات تحديات كبيرة للحفاظ على حقوقهن والمشاركة في بناء وطن يتسع للجميع.

رئيس التحرير

1/1/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى