Site icon المزمار الجديد

مقهى أم كلثوم

يجمع عشاق “الست” في بغداد

  مقهى أم كلثوم الذي وُجد في شارع الرشيد منذ ما يزيد على نصف قرن ما زال يتفرّد بموسيقاه وزبائنه.

لا يزال مقهى أم كلثوم في بغداد يجذب محبي الطرب المصري وسط الأحياء القديمة في العاصمة العراقية منذ 54 عاماً.

وقد زارت كوكب الشرق أم كلثوم بلادهم عامي 1932 و1946، وعقب ذلك أطلق اسمها على العديد من المقاهي.

افتتح المقهى عام 1970، وقد كان ولا يزال نقطة التقاء محبّي سيدة الغناء العربي أم كلثوم. ويضمّ صوراً متنوعة لأم كلثوم تزين جدرانه التي تحولت إلى شبه مُتحف، ولا يتردد في المكان سوى صدى أغاني أم كلثوم طوال اليوم.

المقهى القديم يجذب رواده الذين يبحثون عن بيئة أكثر هدوءاً وبعيدة عن صخب الحياة الذي تخلقه مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أحد مرتادي المقهى إن المكان استراحة للعراقيين منذ افتتاحه عام 1970، وإن رواده الدائمين شعراء وأدباء وفنانون ومحبو أم كلثوم. وأضاف أنه رغم تقدم التكنولوجيا إلا أن الأغاني تصدر من 4 أسطوانات قديمة، مشيراً إلى أنه يقضي 5 أيام في الأسبوع بالمقهى.

بدوره قال المعلم المتقاعد عباس هاشم إنه جاء إلى المقهى للمرة الأولى قبل 35 عاماً عندما كان في السنة الأولى بالجامعة. وأضاف أنه يقابل أصدقاءه في المقهى بشكل متكرر، مبيناً أنهم يقضون معاً معظم أوقاتهم في سماع أغاني أم كلثوم.

ولا يرتاد المقهى اليوم إلّا كبار السن من الرجال الذين يأتون لشرب الشاي أو لعب طاولة الزهر، تحت صور آخر ملوك العراق، فيصل الذي أطيح به في عام 1958.

ويقول طارق جميلة (74 عاما)، وهو أحد رواد المقهى، إنّ “علاقتي بالمقهى بدأت منذ عام 1971، لكن غاب عنه الاهتمام عام 2003 ولم يجد رواد الأمس”، مضيفاً أنّ “الكثير من الشبان كانوا في السابق يمضون ساعات طويلة على وقع أغاني أم كلثوم، كأغنية ‘هو صحيح الهوى غلاب’ و’يا ظالمني’ وغيرهما”.

من جهته يتذكّر العسكري المتقاعد أبو حيدر أنّ “الحضور إلى هنا كان جزءاً من تقليدنا الحياتي، وبعد تلك السنوات لم يعد أمامنا سوى هذا المقهى نلجأ إليه لنستعيد الذكريات”.

وحين كان المقهى في أوجه كان من الصعب جداً أن تتم تلبية طلب الزبون بشكل سريع نظراً لكثرة الرواد. والتغيير الوحيد الذي أدخل على المقهى هو مسجّل جديد حلّ مكان القديم الذي يعمل بأسطوانات يستغرق دورانها أكثر من ساعة، ولم يعد الأمر يتطلب سوى عامل يختار المحتوى، بدلاً من سماع هتافات الزبائن المطالبين بهذه الأغنية أو تلك.

ويشير أبو حيدر إلى أنّه “تعاقب على إدارة المقهى عدد من الأشخاص بدءاً من مؤسسها عبدالمعين الموصلي”، متأسّفاً لأنّ “البعض لم يبد اهتماماً بها”.

ويلفت أحد رواد المقهى منذ أكثر من أربعين عاماً، سعيد القيسي (69 عاماً)، إلى أنّ “المقهى يقاوم الاختفاء ولم يفكر أحد في تأهيله والاهتمام بواحد من رموز بغداد التراثية والمكانية”، مؤكّداً أنّ “هذا المكان ارتبط بالذائقة الفنية الغنائية، وكان تحفة غائرة في وجدان الشباب، حيث يمتزج التراث والتاريخ والصوت الشجي”. ولم يتخل القيسي عن المقهى رغم قدمه، “لاستعادة الذكريات مع الرفاق ليس إلا”.

وشهد أبو حيدر والقيسي ورفاقهما دخول البلاد في دوامة انعدام الأمن في عام 2003، مع بدء الغزو الأميركي للعراق لإسقاط نظام صدام حسين. ويتفق الجميع على أنّ العراق “لم يعد نفسه منذ ذلك التاريخ، فالحروب توالت وأطاحت بالنظام والعادات”؛ حيث أغلق شارع الرشيد، الذي يطلق عليه حتى اليوم “شانزيليزيه بغداد”، أمام حركة السير وتعرض لأكثر من اعتداء.

ويؤكد محمد السامرائي، وهو أحد رواد مقاهي شارع الرشيد، أن “أقسى ما يكون أن تفارق مكاناً اعتدت زيارته كل يوم، خصوصاً عندما تكون وسائل الترفيه شحيحة ونادرة في بلد مثل العراق”.

ويضم شارع الرشيد في بغداد سلسلة من المقاهي الشعبية ذات الشهرة الواسعة على مستوى العراق، حيث تتميز بطابع خاص من البناء والتأثيث، فتعلو جدرانها صور شخصيات تاريخية وأبطال زاروا المكان فتركوا أثرا في نفوس المواطنين حتى بعد مرور سنين.

Exit mobile version