منتخب ساحل العاج في كأس أمم أفريقيا 2024

أغرب بطل في تاريخ البطولة
أشرف الهندي

كرة القدم ليست مجرد لعبة، إنها حالة نادرة من الوجد.. ومن الشغف. علاج الأوجاع بالتشجيع في المدرجات والانتماء والعطاء، والتنافس في الملعب بروح الفريق والروح الرياضية داخل الملاعب وخارجها.
كوت ديفوار أغرب بطل!
منتخب مستضيف البطولة على أرضه، ووسط جماهيره بيخسّر ماتشين من 3 في المجموعات منهم آخر ماتش برباعية في فضيحة كبرى، ويبقا شبه خرج من البطولة والجماهير تنزل الملعب تشتم وتعتدي على اللاعيبة، وبعد كده يحصل المستحيل، وموزمبيق تتعادل مع غانا، والمغرب تكسب زامبيا في آخر مباراة، وكوت ديفوار اللي كانت برّه البطولة خلاص تتأهل كأحسن ثوالث، وتُقيل المدرب الفرنسي صاحب ال70 عاماً، ويكمل المساعد الإيفواري، اللي بدون خبرات البطولة، ويخرج بطل النسخة الماضية السنغال، ومن بعده مالي، ومن بعدهم الكونغو الديموقراطية.
لكي يصل المنتخب الإيفواري للنهائي، ويواجه نيجيريا المنتخب اللي كسبه في المجموعات، ويكسب على حسابه البطولة والجمهور اللي كان مغادر الملعب حزين وزعلان وغضبان، وبيشتم ويضرب لعيبته بعد أول 3 ماتشات بعد 7 ماتشات يحتفل بيهم وهما متوجون بالبطولة على أرضهم.
قصة بطل غريبة وعجيبة، ومن القصص الممتعة في تاريخ كرة القدم.
• خسر الفريق بنتيجة 4/0 وأصبح أول منتخب يتلقى هذه النتيجة وهو مستضيف البطولة.
• حقق 3 نقاط فقط في دور المجموعات، وأصبح أسوأ منتخب يتأهل إلى الأدوار الإقصائية في المسابقة.
• تأهل إلى ربع النهائي بعد تسجيل هدف التعادل أمام السنغال في آخر دقيقة من ركلة جزاء ثم الفوز بركلات الترجيح بعد ذلك.
• تأهل إلى نصف النهائي بعد تسجيل هدف التعادل أمام مالي في آخر دقيقة في الشوط الأصلي، رغم الطرد في الشوط الأول، ثم تسجيل هدف الفوز في آخر دقيقة من الأشواط الإضافية.
• تأهل للنهائي بعد الفوز بنصف النهائي بهدف وحيد.
• انتصر في النهائي بعد أن كان متأخراً 1-0، ثم قلب الطاولة وانتصر 2-1 على نيجيريا.
العائدون من الموت
أي أنه بلغة الكورة، تم إذلالهم كروياً ضد غينيا الإستوائية، فأصبح المنتخب شبه خارج البطولة.
الجماهير تشتم و تهاجم اللاعبين والمدرب والإتحاد الكروي وجميع من له علاقة بالمنتخب عادوا للبطولة بمعجزة، غيروا مدربهم وسط الدورة، منحوا الثقة لمساعد المدرب الشاب “ايمرسون فاي”.
عادوا من الموت و أخرجوا المرشح الأول بروح قتالية وحضور ذهني وتكتيكي عكس التوقعات، فازوا على مالي رغم لعبهم بالنقص العددي، أزاحوا الكونغو بالأداء والنتيجة وصلوا للنهائي وكانوا الطرف الأفضل و الأجدر، وقلبوا تأخرهم للفوز بالكأس الغالية.
جمهور وشعب كوت ديفوار هم السبب الأول في التتويج، هم من أحدثوا ثورة وأعادوا بمنتخبهم ليكونوا أبطالاً للقارة في ثالث مرة بتاريخهم وعن جدارة واستحقاق ليدونوا في البطولة دروساً لا تنسى في الإرادة والعزيمة والتصميم، وروح الفريق والنهوض سريعاً بعد الكبوات وتصحيح الأخطاء بحزم، والبدء من جديد بلا أخطاء.. وفي نفس البطولة ودون إبطاء أو تسويف أو مرقعة وخلفهم جماهير واعية وداعمة لا تقبل العوج ولا أنصاف الحلول.
هالر و دراما كرة القدم
بعد تأهل منتخب الأفيال العاجية بمعجزة ضمن أفضل أربع فرق احتلت المركز الثالث إلى دور ثمن النهائي وصفه الجميع بأنه العائد من الموت، لكن دراما كرة القدم لم تكن لتكتمل على النحو الأمثل إلا بفوز المنتخب العاجي باللقب ليس هذا فحسب بل وبأقدام اللاعب سباستيان هالر الذي صارع الموت هو الآخر متمثلاً في مرض السرطان.
سباستيان هالر المولود في فرنسا لأب فرنسي وأم عاجية تصلح قصته لعمل درامي يفطر القلوب، فبعد أسبوعين فقط على انتقاله من نادي أياكس أمستردام الهولندي إلى بوروسيا دورتموند في صيف العام 2022 اكتشف الأطباء إصابته بسرطان الخصية، فعاش كابوساً مرعباً ليخضع لعمليتين جراحيتين وعدّة جولات من العلاج الكيميائي على مدار ستة أشهر من دون أن يفقد الأمل في العودة ومواصلة رحلته مع كرة القدم، في تلك الأثناء تعاقد نادي بوروسيا دورتموند مع الفرنسي أنطوني موديست لتعويض غياب هالر، وفي يناير 2023 عاد النجم العاجي إلى التدريب الكامل قبل أن يظهر مع فريقه الألماني للمرة الأولى ويسجل في مرمى فريق فرايبورج ضمن مصادفة لا تصدق إذ كان هذا اليوم (4 فبراير) هو اليوم العالمي للسرطان.
لكن للمرة الثانية عَبس الحظ في وجه هالر، وإن كان بصورة أخف وطأة هذه المرة فأصيب في كاحله في منتصف ديسمبر الماضي، ولم يكن جاهزاً بما يكفي للانضمام إلى منتخب بلاده، لكنه أصرّ على استكمال علاجه في أبيدجان رافضاً كل محاولات الضغط عليه للبقاء في ألمانيا لذلك غاب عن المباريات الثلاث التي أقيمت ضمن دور المجموعات.
ونظراً لتفانيه وإخلاصه، فقد رسمت له الأقدار أفضل سيناريو من الممكن تخيله على الإطلاق فكان الورقة الرابحة في الأدوار الإقصائية، وعززت عودته الفريق المضيف بشكل جعله يتخطى كل الحواجز، ويتحسّن من مباراة إلى أخرى، وعلى الصعيد الشخصي كان له النصيب الأكبر في تتويج الأفيال باللقب الثالث في تاريخهم بتسجيل هدفي الفوز أمام الفهود الكونغولية بتسديدة فيزيائية غريبة في نصف النهائي ثم أمام النسور النيجيرية على طريقة الأسطورة محمود الخطيب في النهائي، بحسب تعبير الكاتب الصحفي الكبير مصطفى جمعة.
لقد كانت لحظات مؤثرة عندما تذكّر سباستيان هالر معاناته مع السرطان وسط أجواء الفرح التي فجّرها في قلوب ثلاثين مليون عاجي، فأجهش بالبكاء بعدما التحمت قصته بصورة خيالية مع سيناريو منتخب بلاده في البطولة، فتحوّل من شخص كان ينتظر الموت إلى بطل قومي بكل معنى الكلمة.
المشهد الأفضل في تاريخ البطولة
من خارج الملعب يحدث مع المهاجم الإيفواري سبستيان هالر.
– بعد انتهاء لقاء كوت ديفوار ونيجيريا، هالر يلتقي بمراسل إحدى القنوات الإيفوارية، ولكن ما حدث في هذا اللقاء أصبح حديث العالم|.
– هالر بدأ بالحديث عن الفوز والبطولة والتتويج، لكن المراسل ذكّره بإصابته السابقة بالسـرطان ومسيرته التي أوشكت على النهاية فـتحول كل ذلك لبكاء.
– هالر دخل في حالة من البكاء الشديد، ثم دخل المراسل في نفس الحالة، وحاول أن يهدئهم أحد المصورين، فلم يتمالك نفسه، واستمر البكاء في هذه اللقطة، حتى سقط الميكروفون من المراسل، وترك الجميع اللقاء وهم يبكون.
إذاً كان المنتخب الإيفواري عائداً من الموت على سبيل التشبيه، فـهالر عاد من موت السرطان الذي كاد أن يقضي عليه إلى تسجيل هدف الفوز بالبطولة!
هذا المشهد هو أكثر مشهد مؤثر في تاريخ كرة القدم.. وهو ما يؤكد بالدليل أن كرة القدم ليست مجرد لعبة إنها حالة نادرة من الوجد ومن الشغف، علاج الأوجاع بالتشجيع في المدرجات والانتماء والعطاء والتنافس في الملعب بروح الفريق والروح الرياضية داخل الملاعب وخارجها!