العمود الثامن

من الحلم إلى الأمل

علي حسين

عندما أعلن الأمريكي مارتن لوثر كينغ قبل أكثر من 60 عاماً أنه يحلم بتغيير العالم، لم يكن يدري أن كلماته ستغير ملامح أمريكا بأكملها، وأن هذا الحلم سيدخله إلى سجل الخالدين، مردداً مقولته الشهيرة: “لديَّ حلم”.

نقرأ في سير المصلحين وأصحاب النفوس الكبيرة لنتعلم، وفي كل ما قرأته عن السياسيين الذين يبحثون عن الحلم، لم أرَ إلا حقيقة واحدة، وهي أنه لا مجال للجهل والانتهازية والتغاضي عن خدمة أبناء الوطن في بلدان تريد السعادة والكمال لشعوبها.

نسمع كل يوم حكايات من الشعوب التي لا يحكمها ساسة “متلونون”، لكننا نمر عليها بسرعة، لأننا مشغولون بحكايات الخراب التي لا تريد أن تنتهي، وبتفسير “أحَاجي” ساستنا عن المؤامرات التي تحيكها الكرة الأرضية ضدهم. ولهذا تجدني أتوقف عند تدوينة الشيخ محمد بن راشد، التي يؤكد فيها أن صنعة الأمل هي صنعة الحياة، لأن “الأمل هو الجسر الذي يربط بين الواقع الذي نعيشه والمستقبل الذي نتمناه”.

ثمة متعة متجددة في قراءة مثل هذه التدوينات، والبحث عن أخبار البلدان التي تسعى للارتقاء بشعوبها. أعرف، طبعاً، أنه لا مكان لصوت التقدم عند أصحاب الخطب المدجّجة بالشعارات الثورية، لكن مثل تدوينة الأمل، هو ما يبحث عنه الناس ويحبونه. هذه هي الكلمات التي تحمل خلاص الشعوب العربية، رغم أن البعض لا يريد أن يصغي إلى صوت العقل والمحبة والأمل، لكنه يظل، حتماً، صوت الحياة.

عندما تدخل الإمارات العربية المتحدة، سوف تلاحظ ماذا يعني تحقيق الحلم. ثمّة ورش عمل في كل مكان، ومعها ورش أخرى تريد أن تنقل تجربة الحلم والبناء والتسامح إلى الآخرين، لتسجل سابقة عالمية عندما أنشأت وزارة للتسامح، ووضعت على رأسها الشيخ نهيان بن مبارك، صاحب المسيرة المتميزة في التعليم والثقافة، ثم التسامح، والذي دائماً ما يبدو شديد التفاؤل بأن روح الأخوة الإنسانية ستنتصر في النهاية.

منذ سنوات، وأنا أتابع تجربة الإمارات، مثلما أقرأ عن تجارب سنغافورة واليابان وماليزيا، لأعرف كيف تتطور هذه البلدان، فوجدت السرّ في أن الإمارات وحدها تحتضن أكثر من 200 جنسية، يُساهم جميعهم في تنمية هذه البلاد التي يرفع قادتها شعار: (التسامح والتعايش، لا فرق بين أحد إلا في درجة الحلم ببناء وطن يتسع للجميع).

قبل أيام قليلة، كتب محمد بن راشد: “الإيمان بالأمل هو إيمان بالحياة ذاتها”. وقبل أكثر من ستين عاماً، قال لنا مارتن لوثر كينغ: “لدي حلم واحد، هو أن نتساوى جميعاً في المواطنة”.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى