يوميات

وسواس قهري

يكتبها ـ عبد الله العجمي

يقول المتنبي:

فطَعمُ الموتِ في أمرٍ صغيرٍ

كَطَعمِ الموتِ في أمرٍ عظيم

لم يخبرنا أحد، وهو يحتضر عن طعم الموت، ولا عن نكهته، إن كان سُكَّر زيادة أم “سادة”، أيها السادة…

ويقول في موضع آخر:

لولا المشقّةُ سادَ الناسُ كُلُّهمُ

ألجُودُ يُفْقِرُ والإقدامُ قَتّالُ

الجود لم يُفقر حاتم الطائي، والإقدام لم يقتل خالد بن الوليد، الذي مات ميتة العير حتف أنفه!

ويبقى المتنبي “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، في الأولين والآخرين…

يحكي الجواهري، شاعر العراق، عن موقف جاء فيه إليه شاب يعرض عليه شيئاً من شعره، فوجد الجواهري أنَّ هذا الشاب تافه، وشِعره أتفه منه، لكنه أصرَّ بإلحاح أن يعرف رأي الجواهري فيما ألقى عليه، فوقع عليه الرد كالصاعقة!

قال الجواهري بحكمة:

“يا بُني، الشعراء ثلاثة: شاعرٌ كبير، وشاعر، وحمار!”.

ثم أردف:

“أما الشاعر… فهو أنا!

بقي الشاعر الكبير والحمار، وهما بينك وبين المتنبي… فاختر لنفسك ما يُناسبك!”

وطبعاً، الشاب اختار لنفسه صفة “الشاعر الكبير”!

**

كل مجلات الموضة في عام 1982 رشحت اللاعب البرازيلي إيدير آنذاك كأجمل لاعب في البطولة. لم يكن الترشيح سهلاً على خبراء الموضة والوجوه “الفوتوجينيك”، فاحتاروا حيرة الكلبة “لايكا” عندما صعدوا بها إلى القمر!

احتاروا بين “الخيار والطماط الخايس”، وبين لاعب منتخب الكويت محمد كرم!

فاز إيدير باللقب، بسبب مواصفاته التي “زي بتوع السينما”، بعد منافسة مريرة مع محمد كرم، الذي كانت مواصفاته أقرب إلى مواصفات “مطيرجية الحمام”!

اللاعب المدفعجي الوسيم إيدير، يبدو أن الزمن هو ألدّ أعداء الشباب!

وهو الذي جعل ذلك الأعرابي الدميم يقول:

“ألا ليت الشبابَ يعودُ يوماً…”.

شُيّابُنا اعتادوا الكذب علينا… كلهم يقولون:

“عندما كنا شباباً، كانت وسامتنا يُضرَب بها المثل، وكنا نعذّب قلوب العذارى عند موارد الماء!”.

أي جمال كان سيكون في تلك البيئة الصحراوية، التي لا يقدر على مجابهتها إلا الضب، و”شُيّابُنا” الذين يشتركون مع الضب في الجلد والملامح؟!

**

النمس الذي لا يمكن استخراج الدبس من ذيله!

كرّ مرجزاً برائعة علي بن الجهم:

“عيونُ المها بين الرصافة والجسرِ

جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري”.

عقله الكامن في مؤخرته أوحى له بأنه قادر على التهام البقرة الوحشية، والتي اسمها الفني “المها” (أخت المها)!

اسم هذا الكائن الشرس هو “غرير العَسل”، لكنه كالنمس، لا يمكن استخراج العسل من ذيله!

**

الحاكم المسخ، الذي لولا فرنسا وبريطانيا العظمى، ما حكم “عِشّة دجاج”، يملك عنجهية نابليون، وغطرسة هتلر، ونذالة موسوليني!

يرى الشعب على أنه دجاج، ويُنصِّب عليهم ديكة عقيمة، تصدر الجعجعة بلا طحين، والديك “يُذّن ولا يصلي”!

لو اختلفت دجاجة مع هذا المَسخ حول حالة الطقس، لسلّط عليها عاصفة الغضب الساطع، وجعلها مكعب مرقة ماجي تحتسيها كلاب الأثر!

قالت للشعب الذي طالب بالخبز: “كلوا كيك!”، ولم تقل: “كلوا تبن!”…

فوضعها الشعب تحت المقصلة.

أنا لا أحب شوربة ماجي… وأخاف شوربة العدس!

**

ليفربول متصدر الدوري الإنجليزي، يغرد خارج (الصرب)، أضف إلى أنه متصدر دوري أبطال أوروبا…

لولا وجود المصري ـ فخر العرب ـ محمد صلاح بين صفوف “الريدز”، لما كان هذا سيحدث هذا الموسم!

صلاح لا يزال يجعل غول الأهداف هالاند يلهثُ خلفه!. صلاح الآن، بكل تجرد، أبرز وأفضل لاعب في العالم!

كاد أن ينتحر كروياً وينتقل إلى دوري العواجيز، ويلعب للهلال مع البليهي!

“يا نهار إسود… يا نهار مش فايت!”.

ما جعل صلاح محبوباً جداً هو أنه ليس أهلاوياً ولا زملكاوياً، فأحبّه الأهلاوي والزملكاوي معاً.

لو ذهب للهلال، لاكتسب كُرهاً مجانياً من النصراويين والاتحاديين!

لا تذهب للهلال يا صلاح، أصلحك الله، حتى لو أصبحت تمشي بعكازات…

اذهب إلى النصر!

**

قبل أيام، اكتشفت أنني أحب برشلونة من منطلق “الغش التجاري”!

أحب برشلونة، ويحب ثوري بقرتها! فريق يفرض حبه على الجميع، حتى الحكام يحبونه، ويُغدقون عليه من عدالتهم التي تنافي عدالة السماء!

ضربة جزاء لـبنفيكا تتحول بسرعة البرق إلى هدف خامس لـ البرشا…

ثم يقولون: ريمونتادا!

غالباً، إن أحدث فريق إسباني ريمونتادا، ففتش عن “الغش التجاري”!

أنظف ريمونتادا حدثت، هي تلك التي أنجزها ليفربول على البرشا و”طريقها” على رأس البرشا… وميسي معهم!

**

أنا أشك، إذن أنا موجود (في البيت). باتت شكوكي اليوم أكبر من الأمس. هذا العالم يُدار من حجرةٍ تحت الأرض، تلك الحجرة فيها كهنة وحاخامات وجن، يلعبون الورق والشطرنج، ويأكلون حلوى الخطمي. هم المخ المتطور جداً.

الذراع اليمنى لهم هي أمريكا، تنفّذ ما يأمرون به من مكائد: إسقاط الأنظمة، الحروب، الاقتصاد، نشر الأوبئة، رفع وخفض سعر الدولار…

هذه الحجرة، أسميها تفخيماً “الحُجيرة”. مثل إيماني بوجود الجن، أُجزم بأنها موجودة تحت نيويورك، ولا شك عندي في ذلك. ولا أحتاج إلى سؤال أبي بكر سالم: “حدّ في الحُجيرة؟”.

لأنها، كما أسلفت، تعجُّ بالكَهَنة والحاخامات والجِن، يلعبون القمار، يقامرون بالعالم العربي!

لا نملك ردعهم إلا بالدعاء الصادق، وهنا أحتاج أبا بكر سالم، وأحتاج قوله: “يا رب الأرباب، ساعدني وكن عوني!”

ما تبقى من عقلٍ عندي يقول إنني مصاب بداء الشك، وبعضٍ من الوسواس القهري… والرباط الصليبي!. (ركّز على الصليبي).

**

“يا قاع ترابك كافور”… الأغنية الأشهر إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي كنا نرددها في الكويت أكثر من ترديدنا أغنية “آه يا الأسمر يا زين” لـ عبد الكريم عبد القادر!

يقول مطلعها:

“يا قاع ترابك كافور / عَ الساتر هلهل شاجور”.

عَ الساتر (على الخندق)، هلهل شاجور (زغردَ رصاص شرشور الرصاص).

كنا في الكويت مع العراق قلباً وقالباً… عند تحرير “الفاو” من الإيرانيين، فرحنا، وعند تعمير “الفاو” من الخراب، انطلقت حملات التبرع الرمزية لإعادة الإعمار، من المدارس والجمعيات والمؤسسات. ولا أنسى مبادرة نساء الكويت بالتبرع بحليّهن الذهبية…

كنا في الكويت ننام على القومية العربية ونصحو عليها، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي نمنا فيه وصحونا على… قادسية صدام تحتل قادسية جاسم يعقوب!.

مُلحن الأغنية الحربية ومغنيها، مغمور اسمه علي عبد الله، والذي يظهر في الفيديو واقفاً خلف الميكروفون بلباسه العسكري. لحنه الحماسي هذا كان كـ “بيضة الديك”… باض ولم يبض بعدها!.

في آخر أيام قادسية صدام، هرب من العراق، ولجأ إلى الأردن… وهو الآن دكتور في إحدى جامعات الأردن، يدرّس فن العمارة.

**

في زمنٍ كانت فيه الإذاعة عبر الأثير تبعث الأوكسجين في صدورنا، ماتت الإذاعة… وما زلنا نعيش بلا أوكسجين!

كنت مسحوراً بالراديو وأنا بعمر “زهور الشوك”. هوايتي كانت ركوب موجات الأثير، أبحث عن أغنية، فأجد فيروز في الصباح الباكر قد نهضت من النوم قبل الجميع…

إذاعة الكويت كانت ساحرة آسرة ببرامجها البديعة، وأذكر البرنامج الأشهر “أخبار جهينة”. وأذكر إذاعة صوت الجماهير من بغداد، التي كانت تمتلئ بالأغاني العسكرية أيام الحرب العراقية الإيرانية: “عونج يا قاع”، و”إحنا مشينا للحرب”، و”منصورة يا بغداد”. وعلى الموجة الطويلة، صوت العرب من القاهرة، برامج منوعة هادفة ومفيدة. ومن السعودية، إذاعة القرآن الكريم، وفي الصباح برنامج الزراعة وأغنيته الشهيرة: “ازرع أرضك”.

ارتبط صوت طلال مداح في وجداني بأغنيته “وطني الحبيب” عبر الإذاعة السعودية في جدة والرياض.

في أوائل الثمانينيات، كنت أتابع الدوري الإنجليزي عبر إذاعة لندن، بصوت المعلق افتيم قريطم، وأسمع الأخبار بصوت ماجد سرحان الرخيم.

الإذاعة كانت هي: “مالئة الدنيا وشاغلة الناس”. وكانت هي: “والأذن تعشق قبل العين أحياناً”.

لا أستطيع أن أكمل… أخشى أن أدخل في نوبة بكاء “ولا أحد درى عني”.

أما وإن علم أبو جلال بأني أذرف الدمع الهتون، فحتماً سيرسل لي قنابل مسيلة للدموع!

سأضطر أن أقطع الإرسال…

**

في هذه الليلة الباردة، ريحٌ عاتية تعزف على النافذة بأنين الناي…

نايُ راعٍ يعزف لحناً حزيناً للنعجة التي أكل الذئب صغيرها، أو كأنه عواء ذئبٍ جائع لم يتسنَّ له أكل صغير النعجة، التي تستمع إلى عزف الراعي المنفرد على الناي. وأنا جالس القرفصاء، متدثراً بالفروة، أشاهد فيلماً على التلفاز.

كاميرون دياز تميس بقوامها الرشيق، وشعرها المُذهّب، جميلة، كأنها ذئبة أرملة قتل الثعلبُ ذئبها في كمينٍ محكم بمكر…

أغيّر المحطة بأطراف أصابعي الباردة، فأجد سلمى حايك، تحيك الفتنة في كل مشهد. أغلق التلفاز، وأهمّ بالنوم… راجياً أن تلاقيني سلمى حايك في الحلم!

كاتب كويتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى