خواطر رياضية

سعد الرميحي
رئيس التحرير الفخري

ماذا يعني اسم “كاتدرائية نوتردام”، ولماذا أخذت هذه الأهمية؟
وعد الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” بأن هذا الصرح الكبير سيكون جاهزاً وقبل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية القادمة والتي ستحتضنها باريس صيف هذا العام .
يوم ١٥ أبريل ٢٠١٩م وقبل شهور قليلة من جائحة كورونا، شبّ حريق كبير داخل كاتدرائية نوتردام، أصيبت باريس بهلع كبير، فهذه الكنيسة ليست مكان عبادة، بل هي أيقونة سياحية يزورها سنوياً ١٢ مليون زائر، فهي جمعت بين المكان الديني عند المسيحيين، وملتقى سياحي يدرّ ملايين الدولارات للاقتصاد الفرنسي.
شيّدت الكاتدرائية في عام ١١٦٣ وانتهى العمل فيها بشكلها الحالي عام ١٣٤٥ م، أي أن مدّة العمل فيها استغرق عشرات السنوات، لذلك اعتبرت رمزاً للحضارة والثقافة الفرنسية، وفيها توّج نابليون بعرش فرنسا يوم ٢ ديسمبر ١٨٠٤م، وبعد فشل غزوته لمصر، وفيها احتفل الفرنسيون بتحرير باريس عام ١٩٤٤م، وعلى الرغم من أنها تعد تحفة فنية في الفن المعماري، إلّا أن الطفل “كوازيمودو” له الدور الكبير في شهرتها، فهو بطل رواية فيكتور هيجو “أحدب نوتردام” الذي ربّاه القس فأصبح قارعاً للأجراس، تلك القصة الجميلة والتي تم ترجمتها للعديد من اللغات، والتي بسببها زاد عدد زوار الكاتدرائية ومن كل جنسيات العالم. القصة كتبت عام ١٨٣١م، ويقال أن اسمها الأصلي “نوتردام باريس” إلّا أن المترجم الإنجليزي أعجب بالرواية وغير أسمها لـ “أحدب نوتردام”.

جمال الرواية وتسلسل أحداثها هو الذي اوصل شهرتها لهذا الحد، وهذا ما دفع الحكومة الفرنسية لتجديد ترميمها وعمل صيانه دوريه لها على مر السنين، عندما أكتشفت أن أغلب زوّار الكاتدرائية هم من قرّاء تلك الرواية الجميلة، ومن الصدف أن يكون آخر حريق شبّ فيها كان بسبب أعمال الصيانة.
العمل ما زال سارياً وهذا ما دفع، بالسلطات الفرنسية على إنشاء مدرج خاص مقابل البرج الكبير ليطل ويشاهد، مرتادي الكاتدرائية، على أعمال الصيانة وإلى أين وصلت. كاتدرائية تعني “سيدتنا”.
يقول الأستاذ عبدالستار الحاج محمد بعد أن قرأ رواية “أحدب نوتردام”؛ لقد اثبت الأدب في هذه الحادثة مرةً أخرى سلطته وأبرز قوته وأظهر تأثيره. فهو الذي يخلّد الأشخاص والأماكن.
***
شكراً من القلب لكل الأخوة والأخوات الذين شرفوني في أكون ضيفاً متحدثاً في الندوة الجميلة التي نظمها مركز قطر للمناظرات بالتعاون مع مركز عُمان للمناظرات بالشراكة مع وزارة الثقافة والرياضة، والتي احتضنها مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض في مسقط ٧ يناير ٢٠٢٤م ، وكان لي الشرف أن أتحدث أمام هذا الجمع الطيب من أبناء وبنات عُمان، وأروي بعض التجارب الشخصية عن معنى الهُوية لأي مجتمع، ودورها في تكريس قيم المجتمع وهو يسعى للانفتاح نحو العالم، وسعي القائمين عليه من حكومات وأفراد للمحافظة على هُويته وهو يستقبل أفواج من الزوار والسواح الذين جاءوا بلغات وعادات وقيم أخرى، وقد تكون بعيدة عن واقعنا، وهو نهج اتخذته أغلب الدول العربية والخليجية، فسعت لدعم والمحافظة على كل ما يتعلّق بتاريخ الدولة وموروثها وتراثها من أماكن أو فنون وغيرها، في ذات الوقت تولى الدين واللغة الأهمية الأولى.
وقد ثبت ذلك في المواقف القوية التي اتخذتها قيادة قطر وهي تنظم وتستقبل المشاركين في مونديال ٢٠٢٢م، والذين احترموا قيم المجمتع وعاداته.
كما وجدتها فرصة لأن أروي للحضور مكانة سلطنة عُمان عبر التاريخ، وأروي جزء عن تاريخ هذا البلد العريق، وذكرياتي مع أهله الطيبين.
كما أسعدني أكثر بأن أكون في هذا الملتقى بصحة صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد الموقر محافظ ظفار، والذي أمتعنا بحديثه الشيّق عن نظرته للسياحة ودعم الحكومة لهذا القطاع لما له من أهمية في الاقتصاد الوطني، مشيراً لأن المحافظة على هُوية أي مجتمع هي مشاركة بين جميع أفراده، وسعدت بإطلالة الابن العزيز حسن الذوّادي مشاركاً معنا ليروي للحضور عن تجربة كأس العالم بملابساتها وتفاصيلها وما صادفته وزملاءه من ذكريات حول البطولة والمشاركين فيها من لاعبين وزوار، وقد اتحفنا الدكتور علي سند بخبرته العريضة وإطلالته الجميلة في ادارة الحوار بكل أريحية.
كما لا يسعني إلا أن أشكر سمو السيد فراس بن فاتك بن فهر آل سعيد رئيس مجلس إدارة مناظرات عُمان، والذي كرمني والمشاركين بدرع المركز كعربون محبة وتقدير، والشكر كل الشكر لهذا الجمع الطيب والذين أحسنوا استقبالنا وأكرمونا بحضورهم الكبير واستقبالهم الرائع، داعياً للجميع بدوام الصحة والنجاح.
***
كثير من أبناء الجيل الحالي لا يذكرون هذا اللاعب!!
إنه واحداً من أفضل اللاعبين العرب الذين أبهروا الجمهور الكروي بمستواه وفنياته العالية، فكان حديث الشارع الرياضي العربي وقتها.
في ديسمبر عام ١٩٨٢م، طرأت على الأخ العزيز الاستاذ سلطان بن خالد السويدي رئيس الإتحاد القطري لكرة القدم في وقتها، فكرة استضافة منتخب العرب للمشاركة في مباراة ودية مع أحد الفرق الهولندية.
سلطان الذي عرف بقوميته العربية وحبّه الكبير لكل الرياضيين العرب، كان له السبق في تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع.
وبالفعل تحولت الفكرة من حلم إلى حقيقة، وجاء نجوم العرب إلى دوحة العرب للمشاركة في هذا الحدث الفريد.
تألق المنتخب العربي وقتها وقدم مباراة جميلة وفاز بأربعة اهداف مقابل هدف واحد، واستمتع الجمهور بأداء اللاعبين، ولكن أكثر نجم أبهر الناس وقتها هو النجم الليبي الأسمر الكبير فوزي العيساوي، والذي قدم مباراة كبيرة وظهر بمستوى رائع، نال إعجاب حتى الفريق الخصم، وكانت ثلاثة من الأهداف التي أحرزت جاءت بفضل تمريراته.
كانت أخبار كرة القدم الليبية ونجومها شبه مجهولة لدى أغلب الناس، كان التواصل الإعلامي معهم وقتها ضعيف، كانت مجلة الصقر لا تدخل الأسواق الليبية بسبب مشاكل في التوزيع والتحويلات المالية، لذا كان من الصعب أن يتعرف جمهور كرة القدم على نجوم كرة القدم في ليبيا، فقد كانت الصقر هي جسر التواصل بين اللاعبين العرب وجمهورهم.
كان فوزي العيساوي نجماً بارعاً ولاعباً ذو امكانيات كبيرة، ولكن حظه العاثر أنه في ذلك العام اتخذت أغلب اتحادات كرة القدم في الخليج قراراً بمنع الاستعانة باللاعبين المحترفين من غير المواطنين للمشاركة في أنشطة كرة القدم، وإلا لو لم يتخذ مثل هذا القرار لكن العيساوي لاعباً ونجماً في صفوف أحد الفرق الخليجية في وقتها، رغم أنه قد فاز بلقب أحسن لاعب في بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت في ليبيا عام ١٩٨٢م، متفوقاً على نجوم الجزائر والمغرب وتونس ومصر وكل نجوم أفريقيا.
اختفت أخبار فوزي العيساوي عن جمهور كرة القدم بعدها، ولم أسمع عن أسمه ولا أعرف اين هو الآن!!
ولكن ما أقوله بأننا وقتها استمتعنا، كعشّاق ومحبين لكرة القدم، بلاعب نجم أسمه فوزي العيساوي.
***
هو أحد ابرز الشخصيات والتي تركت اثراً يصعب ان ينسى،،
دخل الوسط الإعلامي فترأس تحرير مجلة سياسية شاملة كانت من أفضل المطبوعات الإعلامية عربياً وقتها، تناولت و بجرأة مناقشة العديد من القضايا سواء تلك التي تتعلق بالشأن المحلي أو العربي، واستعان بكفاءات صحفية عربية يشهد لها، ولكن مشروعه الصحفي لم يكتب له الاستمرار، فتوقفت مجلة الفجر في وقت ذروة الإصدارات الصحفية العربية، ثم ترأس النادي العربي العريق، واستطاع مع زملاءه من غرس مبدأ جميل في كرة القدم، عندما قرر الزج بلاعبين صغار السن ليمثلوا الفريق الأول والصبر عليهم، ليكونوا عدّة المستقبل للنادي، وهذا ما حدث، بل ودعم الألعاب الأخرى وفي مختلف المسابقات.
ومع جني أول ثمار الحصاد، تقرر في ديسمبر ١٩٧٨م، اسناد رئاسة اتحاد كرة القدم إليه، في فترة انتقالية تشهدها الكرة القطرية، لتبدأ معه رحلة جديدة وهي كيف يبني فريقاً يستطيع ان يكتب أسمه في خانة البطولات، وهذا ما تحقق بعد سنوات قليلة، تألقت فيها منتخبات قطر الثلاثة في كرة القدم “الناشئين والشباب والأول” ليتعرف العالم العربي على نجوم الكرة القطرية وقتها، ويكون منتخب قطر، كما كان يقال عنه “الحصان الأسود” في كل بطولة يشارك فيها.
ولكن، بعد اعتزاله، قرر أن يبتعد عن الحياة العامة، ويتفرغ لأسرته، رغم أنني أتلقى وبصفة دائمة رغبات العديد من الزملاء العرب والخليجيين بالذات، في رغبتهم بالتواصل معه وإجراء الأحاديث الصحفية او التلفزيونية للاستفادة من آرائه ووجهة نظره في مختلف القضايا، والتي تتعلق بالشأن الرياضي عربياً وعالمياً، ولكن الرجل اختار البعد مكتفياً بالمتابعة.
قبل سنوات وبالتحديد ليلة ١٥ أغسطس ٢٠١٧ م تلقيت منه اتصالاً هاتفياً عبر جوالي، بعد خروجي من التلفزيون، يشكرني ويهنئني على حلقة “برنامج الحقيقة” والتي كنت فيها ضيفاً مع الزميل المذيع “محمد نويمي الهاجري”.
في ١٩ أكتوبر من العام المضي، التقيت به صدفة، بعد غياب طويل، وهو يحضر حفل زواج أحد اقاربه.
سلطان بن خالد السويدي، الحاضر الدائم في قلوب محبيه، والذي ترك أجمل الأثر وأحلى الذكريات في مسيرته الإعلامية والرياضية تشرفت باللقاء به، بعد سنوات طويلة من الغياب.