آراء و مقالاتبصراحة

هل الحاضر متعب وأليم؟!

من الشائع المألوف أن يترحّم الناس على (أيام زمان)، وأن يذكروا الماضي بالخير العميم، ويشيروا إلى ما كان فيه من رخاء اقتصادي، أو تماسك اجتماعي، ومجالات للسرور والمرح، وما كان يسوده من خلق قويم، وتقاليد طيبة، وعادات حميدة، وأن يقارنوه بما يسود الحاضر من أزمات اقتصادية، وتفسخ اجتماعي، ومضايقات لا تترك للإنسان مجالاً للانشراح، وما فيه من تحلل أخلاقي، وفساد في التقاليد والعادات ينذر بالويل والثبور.

والعجيب في الأمر أنّ كل جيل يتلوه جيل يردّد ما كان يردّده الجيل السابق حتى ليخيل للمتأمل أنَّ الإنسانية في تدهور، وأن الاقتصاد في تقهقر، وأن الأخلاق تتردى، وأن الحياة تصبح يوماً بعد يوم شيئاً لا يُطاق وعبئاً ثقيلاً.

 والأعجب من هذا وذاك أنّ المراقب حين يتلفت حوله، وينظر بعين مجردة، وعقل متفتّح، وقلب نابض يجد أن الأمر على النقيض، وأن الإنسانية تتقدم، وأن الأحوال تتحسن، وأنه بالرغم مما في الحياة العصرية من مصاعب ومضايقات، فإن الإنسان العادي اليوم يتمتع بما لم يكن يتمتع به الملوك والعظماء في الماضي، وأن الأخلاق في ألف خير، إذا ما قورنت بما كانت عليه من قبل، وأن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسواها تتقدم حثيثاً نحو ما هو أفضل وأحسن.

نحن اليوم، وعلى الرغم من كل مظاهر القصور التي تسود مجتمعنا، ومن كل تطلعنا إلى غدٍ أفضل، وواقع أحسن، ومجتمع أمثل واقتصاد أمتن، وخلق أسلم، أقول نحن اليوم خير منا بالأمس، فما هو السر في ترحمنا على ماضينا، وشكايتنا من حاضرنا، وتحسّرنا على ما فات، وتذمّرنا مما نحن فيه، لا سيّما وأن النزعة إلى ذلك كله عامة شائعة الآن، وكانت كذلك دوماً في مجتمعنا، وفي المجتمعات التي تفوقنا تنظيماً، وتمتاز علينا في واقعها، أو في المجتمعات التي هي دوننا؟

فالذاكرة ـ بلا شك ـ تنتقي. إنها تحتفظ من ماضيها بما يسرّ ويحلو، وتنسى ما كان مؤلماً وقاسياً. فالإنسان إذن يقارن بين ذكريات الماضي الحلوة الطيبة، وبين الواقع الحاضر الذي يرى فيه المصاعب والمتاعب، ويتناسى ما فيه من خير وجمال ومتعة. وهذا ما يخرجه من المقارنة مترحِّماً على (أيام زمان) شاكياً من الحاضر المُتعب الأليم!.

رئيـــس التـــــحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى