فواصل منقوطة

فواصل منقوطة ؛؛؛

عبد الكريم البليخ

في مجتمع يزدهر بالإبداع والثقافة، يظهر أحياناً نمط من الأفراد الذين يدّعون الانتماء إلى عالم الأدب والثقافة، دون أن يمتلكوا أدنى مقومات هذا الانتماء. ليس هذا فحسب، بل يسعون لنشر الكراهية والحقد، ويستخدمون ادعاءاتهم الثقافية كسلاح لطعن الآخرين، وتحقيق مكاسب شخصية على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية.

هناك صنف من البشر يدّعي الانتماء إلى عالم الأدب والثقافة، لكنه في الواقع يفتقر إلى الروح الحقيقية لهذه المجالات. هؤلاء لا يسعون إلى إثراء الآخرين بمعرفتهم، بل يعملون على تدمير العلاقات الإنسانية، مستخدمين كلماتهم كسهام حادة تصيب القلوب وتفرق بين الناس. الغريب في الأمر أنهم يعيشون بيننا، ويعرفهم الجميع، لكنهم مستمرون في تصرفاتهم المخزية دون رادع.

لماذا الحقد والكره؟

من الطبيعي أن يطرح المرء سؤالاً جوهرياً: ما الذي يدفع هؤلاء إلى الكراهية والحقد؟ هل هو الإحساس بالنقص؟ أم هو الفشل الذي يدفعهم إلى كراهية نجاح الآخرين؟ إن هذه التساؤلات تفتح الباب لفهم نفسياتهم المعقدة التي تبدو وكأنها مبرمجة على نشر السواد والفرقة.

هؤلاء لا يكتفون بمواقفهم السلبية فقط، بل يتفاخرون بها ويعتبرونها شجاعة أو جرأة، بينما هي في الواقع انعكاسٌ لضعفهم الداخلي. يعيشون حياة قائمة على الحسد والرغبة في إسقاط الآخرين، وكأن نجاحهم الوحيد يكمن في إفشال من حولهم.

الغريب أن كثيراً من هؤلاء استطاعوا التسلل إلى دوائر النجاح، وحصد الأوسمة والمناصب، ليس بفضل كفاءتهم، بل بفضل مكرهم واستغلالهم للأوضاع. تراهم يتصرفون بتعالٍ وفوقية، متجاهلين أنهم غير مرغوب فيهم حقاً. هذا التناقض بين صورتهم الحقيقية وصورتهم الظاهرة يثير تساؤلات حول كيفية نجاحهم وسط هذا الكم الهائل من السلبية.

لا يمكن إنكار أن وجود هذا النوع من الأفراد يُفسد المناخ الثقافي والاجتماعي. فهم يشوّهون مفهوم الأدب والثقافة، ويجعلون من هذه المجالات منصة للتفاخر الفارغ والانتقاص من الآخرين.

**

أصدقاء “فيسبوك” كثيراً ما يختبؤون خلف الشاشة ويخفون مشاعرهم الحقيقية، وبالتالي يمكنهم التفاعل بأسلوب معين يعكس فقط ما يرغبون في إظهاره، ما يجعل علاقاتهم أقل صدقاً وشفافية، وكذلك نراهم مشغولين أكثر الوقت باهتمامتهم الشخصية ليس بالضرورة أن يكون كل من يظهر “جباناً” على فيسبوك، فهناك من يكتفي بالتفاعل الرقمي بسبب انشغاله أو اهتمامه بأمور أخرى، ولا يعتبر نفسه ملزماً بتقديم الدعم النفسي أو المادي.

قد يسبب الاعتماد على أصدقاء فيسبوك للحصول على الدعم العاطفي خيبة أمل كبيرة عند غيابهم في الأوقات الحرجة، ما يؤدي إلى أخذ الحيطة والحذرة واللجوء إلى العزلة والوحدة. الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً على المنصات الاجتماعية قد يتعرضون لأثر سلبي على الصحة النفسية عندما يدركون أن معظم صداقاتهم على فيسبوك ليست كما تخيلوها. في أغلبها صداقات وهمية!

نلحظ، كما يلحظ كثيرون من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، “فيسبوك”، ظهور أسماء تشارك في التعليق، أو الاكتفاء بالإعجاب على صفحات الأصدقاء بعيداً عن تنشيط صفحاتهم التي يُصرّون على إهمالها، وعدم الاهتمام بما ينشر عليها، بل إبقائها مهمّشة خاوية لا تغني ولا تسمن من جوع، ما يعني وقفهم نشر أي رأي كان، سواء مع أو ضد، تحسباً من رصده ومتابعته أو الكشف عنه من قبل جهة أمنية أو مخابراتية، لا سيما أن أصحاب هذه الصفحات يقيمون في حضن الوطن، وطالما يختفون أو يظلون بعيدين عن الإفصاح عما يجول بخاطرهم، أو أنهم في الواقع غير قادرين عن إيصال ما يريدون للقارئ الذي يتابع ويعي ما يجري على الساحة من أحداث.

 والأنكى من ذلك أنهم طالما يتباهون بعضلاتهم المفتولة، وقوة شخصيتهم، ورجاحة عقولهم، واتساع مداركهم، وذكائهم الخارق، وعلى أنهم الأجدر والأقدر معرفة من غيرهم… ويمتثلون إلى السكوت، و”التطنيش” وهم في الواقع يختفون ما وراء الكواليس غير قادرين على فعل أي شيء بذريعة أنهم يعيشون على ثرى الوطن ويقيمون فيه!

ماذا يريد أمثال هذه النخبة الميؤوس منها من المجتمع؟ وكيف يفكرون في مآل الناس؟ ومن هم في واقع الحال؟ وإلى أي الجهات ينتمون؟ وما هي العقول التي يمتلكونها؟ وما أدراكم قد يكونون من أذيال النظام الخفي. لم لا؟

فهل يجرؤ هؤلاء من الكتابة على صفحاتهم التي يغيبون عنها بذرائع مختلفة، والتخلف عن مواكبة ما يدونه الأصدقاء؟

**

 صحيح أن المرأة قد تكون أسرع للغيرة من الرجل، وغيرتها أعمق وأشدّ، هذه طبيعتها، ولا حيلة لها في ذلك، كما أنه ليس أمراً يعكس ضعفاً أو خطأ، وتمثل الغيرة بالمقابل حافزاً للرعاية والاهتمام المتبادل، لكن يجب أن تكون متزنة، ولا تتحول إلى مصدر للتوتر.

علاقاتنا مع الأصدقاء تقدم نموذجاً من التسامح؛ إذ طالما نتحمّل أصدقاءنا على علاتهم، ونقبل أمزجتهم المختلفة، ونجد السبيل للتوفيق بين رغباتنا ورغباتهم، ومع ذلك يبقى الصديق صديقاً، وهم أيضاً يظلون أصدقاء. فلماذا لا يكون الحال نفسه بين الزوجين؟ لماذا لا يتحمل أحدهما الآخر، برغم العيوب والنقائص، وهما في ذلك أقرب وأحقّ من أي صديقين؟ من الواجب أن يُظهر كلاً الطرفين تفهماً ومرونةً متبادلةً.

المشكلة تكمن في أن الرجل يرغب في أن يكون السيد المُطاع، بينما قد تطمح المرأة في السيطرة والتوجيه، فلو تخلى كلاهما عن هذه الأفكار الموروثة حول ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، وتجاوزا التوقعات المجتمعية حول من يقود العلاقة ومن يتبع، وسارا في الحياة كشريكين متساويين متعاونين على تحقيق النجاح، وتحمّل صعاب الحياة، لصارت حياتهما أسعد وأقرب إلى الطمأنينة. فالتكامل بين الزوجين، دون أن يسعى أحدهما لتسخير الآخر، يقود إلى حياة زوجية متوازنة ومستقرة.

وهنا ينبري السؤال: هل نحن سعداء؟

نعم، نحن سعداء، لأننا لا نطلب من الزواج السعادة المطلقة، فلو جعلناها هدفنا الأساسي، لكانت الخيبة أكثر احتمالاً. السعادة ليست بالضرورة في المثالية، بل في القدرة على القبول بما هو ممكن وتحقيق التناغم في حدود الواقع.

السعادة، ليست مسألة أهداف كبيرة بقدر ما هي مسألة نظرة إلى التفاصيل اليومية؛ فحين ندرك أن لكل علاقة تحدياتها، وأن الزواج هو عقد تعاون وتفهم قبل أن يكون مصدراً للسعادة، يصبح من السهل علينا أن نجد الراحة والرضا. هذا المفهوم يساعدنا على التمسك بالعلاقة، ويجعلنا أكثر تفاؤلاً بالاستمرارية، عوضاً عن البحث عن الكمال. قد يكون توضيح هذه الأفكار للزوج أو الزوجة منذ البداية أمراً ضرورياً لتجنب الإحباطات الناتجة عن اختلاف التوقعات.

إنّ مسألة السعادة الزوجية تعود إلى الحكمة، والتفكير بعقلانية، وسعة الصدر في مواجهة الضغوط والصعاب اليومية. السعادة لا تأتي من خلال البحث عنها بشكل مباشر، بل من محاولة التوازن بين التوقعات والواقع.

السعادة ليست غاية بقدر ما هي شعور ينمو من خلال الرضا والتفاهم المتبادل، ومن خلال إدراك أهمية الشراكة والالتزام، بعيداً عن النمطية التي تفرضها بعض المفاهيم الاجتماعية. فإذا تمكنا من العيش بروح المشاركة، مع مراعاة بعضنا البعض، نكون بالفعل قد حققنا سعادة حقيقية تتجاوز الصعاب.

**

في البلاد الأوروبية تجاوزت أصوات العديد من الزوجات حدود العتب، وارتفعت إلى درجة فرض آرائهن بصورة صارخة، إن لم يكن في الأغلب بمحاولات واضحة لأخذ دور الرجل بطريقة مخجلة، مع استخدام ألفاظ جارحة لا يقبلها أي عاقل. هذه الهيمنة الجديدة تجلت في سحب البساط من تحت أقدام الأزواج، ما أدى إلى تصاعد حالات الطلاق في دول مثل ألمانيا، النمسا، السويد، وبلجيكا، حيث بلغت نسبتها أرقاماً مذهلة لم تكن في الحسبان. هذه الظاهرة انعكست سلباً على طبيعة الحياة الأسرية، التي كانت في بدايتها مبنية على الحب والاحترام المتبادل، لكنها تحولت اليوم إلى صورة من التفكك والشرخ العميق.

القضية في هذا الشأن معقدة ومتداخلة. تلقي بعض النساء اللوم على الأزواج متهمينهم بالسيطرة الزوجية وعدم السماح للزوجة بممارسة حقها القانوني في الحصول على المعونات الشهرية المخصصة لها ولأطفالها. لكنهن يتناسين أن ما يحصل عليه الزوج من المساعدات بالكاد يكفي لتلبية متطلبات المعيشة الأساسية للأسرة، مثل دفع فواتير الكهرباء والغاز، اشتراك الإنترنت، التأمين، وبطاقات النقل العام.

هذا الواقع دفع بعض الزوجات إلى التقدم بطلب خلع أزواجهن عبر المحاكم الرسمية، سعياً للحصول على استقلالهن المالي والتخلص من مسؤوليات الأسرة. ونتيجة لذلك، باتت بعض الزوجات تتحكم في المعونات المخصصة للأسرة، حيث يكتفي الزوج بفتات مما يُصرف. هذا الواقع الجديد أدى إلى تهميش دور الزوج، الذي لم يعد يبالي في كثير من الأحيان بما يدور حوله.

إهمال دور الزوج كفاعل أساسي داخل الأسرة، أدى إلى إحداث شرخ عميق في بنية الأسرة وزيادة حالات الطلاق. الأهم من ذلك هو لجوء بعض الأزواج إلى محاولة حفظ ماء وجههم عبر الفرار من هذا الواقع الذي يفرض عليهم دوراً هامشياً، تاركين زوجاتهم وأولادهم بحثاً عن حرية شخصية بدلاً من الاستمرار في حالة الذل والهوان التي باتت واقعاً يعيشه كثيرون.

رئيس التحرير

1/12/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى