مقالات

طبيب وقاتل؟ مستحيل!

جعفر عباس

عندما يقول عربي إن “أمورنا ماشية بالبركة”، فهو يقصد أن تلك الأمور تسير بغير تخطيط، ومع ذلك فإنها ببركة السماء تسير. نحن نعيش في جزء من العالم تسير فيه الأمور بلا تخطيط أو تنظيم، بل خبط عشواء، أي بلا ضوابط أو توجيه. في إحدى الدول العربية الإفريقية، أُدين رجل تجاوز الأربعين بحكم بالسجن، رغم أنه ثبت عليه قتل شخصين على الأقل عمداً مع سبق الإصرار والترصد.

بدأت الحكاية قبل نحو عشرين سنة، عندما التحق الرجل (س) بالجامعة لدراسة علم الأحياء. كأي شاب عربي، كانت أسرته تطمح لأن يدرس الطب. ولكن (س) رسب في السنة الأولى، وأصبح كل مؤهلاته الأكاديمية هي الشهادة الثانوية. وقع في ورطة: والده ينتظره ليفتتح عيادة في بلدته، لكنه لم يفلح حتى في دراسة علم الأحياء. وبدلًا من الاعتراف بالفشل، قرر أن يصبح طبيباً “بالعافية”، دون مؤهلات حقيقية، متجاهلاً أن محاولته سترفع رأس عائلته ظاهرياً فقط، بينما ستجعلها مكسورة حقيقةً.

لإقناع عائلته، أوهمهم بأنه يدرس الطب، مستغلًا أن دراسة الطب تتطلب سنوات طويلة. بعد عدة سنوات، التقى بطبيب حقيقي كان يحلم بالسفر للخارج لنيل الدراسات العليا. وعده (س) بمساعدته في الحصول على بعثة دراسية عبر “واسطات” قوية لديه، وطلب منه شهاداته بحجة تسهيل الإجراءات. تلاعب بشهاداته، وجعلها تحمل اسمه، وأصبح طبيباً “مزيفاً” مسجلاً في وزارة الصحة.

لم يرضَ (س) بلقب طبيب عام فقط. فاستغل طبيباً آخر يعمل في مجمع طبي وأقنعه بأنه متخصص في أمراض النساء والتوليد. وعندما شك فيه صاحب المجمع، هرب إلى مكان آخر. لاحقاً، اصطاد طبيباً متخصصاً في أمراض النساء والعقم، وأقنعه بأنه يمتلك صلات بمنظمة الصحة العالمية، ووعده بفرصة دراسية في أوروبا. حصل على شهاداته، وتلاعب بها مجددًا، ليصبح “اختصاصيًا رسميًا” في أمراض النساء والولادة.

بفضل هذه الشهادات المزورة، تم تعيينه رئيساً لقسم النساء والتوليد في مستشفى إقليمي. بدأ بممارسة عمله، وأصبح يطلب للنساء حبوب الحديد وحمض الفوليك، ويصور الأجنة بالموجات فوق الصوتية. مع مرور الوقت، صدق نفسه وقرر إجراء عمليات جراحية. فكانت أول عملية قيصرية يقوم بها سبباً في وفاة الأم والجنين معاً. لم يتوقف، بل تمادى وأجرى عملية أخرى لامرأة لم تكن بحاجة للجراحة، فتوفيت أيضاً.

أدرك الممرضون والأطباء المساعدون الذين عملوا معه أنه لا يملك حتى مهارات جزار مبتدئ. بدأت التحريات، وانكشف أمره، وانتهى به الأمر في السجن. رغم جرائمه التي شملت قتل امرأتين، وانتهاك خصوصية العشرات من النساء، كان عقابه فقط السجن!

قبل سنوات قليلة، تم القبض على “طبيب أسنان” آسيوي في إحدى العواصم الخليجية. كان يعالج المرضى بأسعار زهيدة، حيث خلع الضرس بـ 5 دولارات، وعالج العصب بـ 10 دولارات. اتضح لاحقاً أن مهنته الأصلية كانت فني كهرباء!

هذه القصص تسلط الضوء على أهمية الرقابة الصارمة على المهن الطبية، والتحقق من مؤهلات العاملين فيها. حياة الناس ليست لعبة، وتركها في أيدي من لا يملكون المؤهلات اللازمة قد يؤدي إلى كوارث إنسانية لا تُغتفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى