فنون

(40) عاماً على رحيل محمود شكوكو رائد الاستعراض والبهجة

*فنان الشعب الذي أضحك الأجيال

*من نجار بسيط إلى أيقونة الاستعراض المصري

*النجم الذي حمل بهجة البسطاء إلى السينما والمسرح

*حكاية الطرطور والعصا التي أبهرت العالم

عمر إبراهيم محمد

هو أحد صانعي البسمة والبهجة في عالم الفن المصري والعربي، صاحب الأسلوب المُميز في الغناء والتمثيل بالحركات والقفشات اللاذعة، خصوصاً في غناء فن (المونولوج)، كما أنه من الرعيل الأول في تقديم فن (الأراجوز) في مصر والوطن العربي.

هو الفنان المصري الشامل الراحل محمود إبراهيم إسماعيل، الشهير بـ محمود شكوكو (1912-1985م)، الذي اتخذ من أدواته المُميزة والشهيرة (العصا والطاقية) زياً له.

تنقل في العمل من الصالات والمسارح والإذاعة إلى الظهور في الأفلام الاستعراضية، محتفظاً بزيه الشهير الذي اشتهر به: الجلباب البلدي والطاقية الطويلة (الطرطور)، وأيضاً الحزام الحرير الذي كان يلفه حول خصره وهو يُغني ويرقص بالعصا رقصة أولاد البلد.

وهو الفنان الوحيد الذي صنع له المصريون آلاف التماثيل في منتصف القرن الفائت من مادة (الجبس) للاقتناء بمنازلهم، ومن الحلوى للأطفال، وهو مرتدياً زيه الشهير. وكان يُباع التمثال في كل مكان بمصر (بقرش صاغ)، وأحياناً بزجاجة مياه غازية فارغة. وكان الباعة يضعونه على عرباتهم ويسيرون في الشوارع مُنادين: “شكوكو بقزازة”.

محمود شكوكو واستعراضاته

ولد الفنان محمود إبراهيم إسماعيل (محمود شكوكو) في الأول من يونيو (1912) في حي الدرب الأحمر الشهير بالقاهرة، لأب يمتلك ورشة لنجارة الموبيليا. أدخله والده (الكُتّاب) لحفظ القرآن في بداية طفولته، لكنه لم يستمر ولم يُكمل تعليمه، فاصطحبه والده معه إلى الورشة لتعلم مهنة النجارة.

وقد تعلم شكوكو المهنة على يد والده وأصبح نجاراً ماهراً. واكتسب لقب شكوكو من (الشاكوش)، إحدى أدوات النجارة التي تعلمها واحتفظ بها حتى بعد احترافه الفن. كان يعمل مع أبيه نهاراً وفي الليل يُشبع هوايته بالغناء وإلقاء المونولوجات التي أحبها وحفظها على المقاهي، خصوصاً في شارع محمد علي (شارع الفن)، الذي كان قبلة كل الفنانين والموسيقيين آنذاك. وكان أيضاً يتردد على الأفراح والمناسبات بالأحياء الشعبية، فذاع صيته وأصبح يُطلب بالاسم، وكان أجره في الليلة وقتها (20 قرشاً).

وفي أواخر العشرينيات بدأ شكوكو الدخول إلى عالم الفن، عن طريق لطيفة نظمي، إحدى أعضاء فرقة (علي الكسار). فانضم شكوكو إلى الفرقة بعد أن اقتنع أفراد الفرقة به وبأسلوبه في تقديم المونولوج، وثبت قدميه باقتدار.

وبعد عدة سنوات من العمل في فرقة علي الكسار، وفي (1944) كان شكوكو قد تألق وذاع صيته وأصبح له جمهوره، مما دفعه إلى ترك الفرقة وتأجير سينما (كليبر) بشارع فؤاد آنذاك، وتكوين فرقة خاصة تحمل اسم (فرقة محمود شكوكو الاستعراضية) لتقديم الاسكتشات. وشاركه في الفرقة (إسماعيل ياسين، وإلياس مؤدب، وثريا حلمي) وغيرهم.

وفي ذات الوقت، التحق بالإذاعة المصرية عن طريق الإذاعي محمد فتحي، الذي طلب منه تقديم المونولوجات الفكاهية. سجل شكوكو للإذاعة في تلك الفترة أشهر مونولوجاته مثل: (ورد عليك، ويا ورد يا صفر يا صفرفور، وحدارجى بدارجى) وغيرها. وصل أجره في الوصلة الواحدة إلى خمسة جنيهات في فترة الأربعينيات. من خلال الإذاعة، لفت شكوكو انتباه مخرجي السينما، فطلبه المخرج نيازي مصطفى للعمل معه. توالت الأعمال والأفلام حتى وصل رصيده إلى أكثر من 80 فيلماً، بدأها بفيلم (أحب البلدي، 1945) إخراج حسين فوزي، وأنهاها بفيلم (شلة الأنس، 1976).

بينهما، لعب شكوكو أدواره المميزة في أفلام مثل (حسن وحسن، وتاكسي حنطور، وورد الغرام، وليلة العيد، وظلموني الناس، وشمشون ولبلب) الذي تغيّر اسمه إلى (عنتر ولبلب)، وهو الفيلم الذي ما زال يُمثل قيمة فنية ودلالة فكرية عميقة، حيث يُعبر عن أخذ الحق والانتصار للناس العاديين البسطاء بمزيج من الحيلة والذكاء والصبر والمرح.

كان للمسرح أيضاً نصيب من أعماله، حيث قدم على المسرح عدة مسرحيات منها: (موال من مصر، ووداد الغازية، والزيارة انتهت). وراح شكوكو يتنقل بين المسرح والسينما مروراً بالإذاعة ثم التلفزيون، حيث طور من فنه وقدم مونولوجات الفرانكو-آراب مثل: (أشوف وشك تومورو، وحبيبي شغل كايرو، وحمودة فايت يا بنت الجيران).

ثم أتت مرحلة مهمة في حياته، حيث كانت لشكوكو علاقة خاصة جداً مع المونولوج وفن العرائس. فهو الفنان الوحيد الذي أدخل فن (الأراجوز) ضمن حفلات الغناء بزيه المميز. تلقى دعوة من السفير الروماني بالقاهرة، الذي أعجب بمهارته في إحدى الحفلات، للسفر إلى رومانيا لدراسة فن العرائس، خصوصاً عرائس (الماريونيت) ومدى دمجها مع فن الأراجوز.

سافر شكوكو إلى رومانيا، ومنها إلى باريس وإنجلترا وألمانيا لتعلم فن العرائس، وأيضاً لتقديم بعض العروض هناك، والتي نالت إعجاب الكثيرين. عاد إلى مصر وأنشأ أول مسرح للعرائس، وأطلق عليه (مسرح شكوكو للعرائس). نجحت بعض العروض التي قدمها، رغم أن الساحة كانت مزدحمة بالكثير من المونولوجستات، إلا أنه ظل بارزاً في الطليعة دائماً.

ورغم نجاح العروض، تكبد شكوكو خسائر مادية كبيرة، فلم يُكتب لتلك التجربة الاستمرار. في ذات الوقت، بدأت الدولة تهتم بهذا الفن، فأنشأت مسرحاً للعرائس في منطقة (العتبة) خلف المسرح القومي.

لم ييأس شكوكو من تجربته التي لم تستمر، فكثف نشاطه في السينما والمسرح الدرامي. واصل أداء المونولوج على المسرح وفي أعماله السينمائية، وكتب له كبار الشعراء. كما قدم له الموسيقار محمد عبد الوهاب لحن المونولوج الشهير (يا دبحة قلبي بقزازة لماذا الظلم ده لماذا؟)، وقد لحن له من قبل مقطعاً غنائياً في إسكتش (اللي يقدر على قلبي) في فيلم (عنبر، 1947) مع ليلى مراد وإسماعيل ياسين وعزيز عثمان.

الإسكتش كان مزيجاً من الطرب والفكاهة، كما لحن له عزت الجاهلي، ومحمد فوزي، وكمال الطويل، وغيرهم.

عاش شكوكو لفنه ولإمتاع جمهوره. كرمته الدولة في عيد الفن عام 1979 بحصوله على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله، وتسلمها من الرئيس الراحل أنور السادات. كما تم تكريمه من عدة جهات عربية ودولية.

في (21 فبراير 1985)، رحل محمود شكوكو، الفنان الذي ملأ حياتنا وما زال مصدر بهجة ومتعة. وصل بأعماله إلى العالمية في وقت لم يكن يجيد فيه القراءة أو الكتابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى