يوميات

طائرةٌ ورقيّة

النص يعبر عن حالة وجدانية يعيشها البطل، حيث يحلم بعودة الحبيبة التي غابت. حين يستيقظ ليجدها بجانبه، يتفاعل معها وكأنها حقيقة، لكنه في النهاية يدرك أنها ليست سوى انعكاس لشوقه العارم.

جملة “من الذي أتى بك من مكانك البعيد؟” تعكس دهشة المتكلم وعدم تصديقه لما يراه، لكنه، مدفوعاً بالشوق، لا يريد أن يتأكد مما إذا كان هذا الواقع حقيقياً أم مجرد وهم.

الكاتب يستخدم الدموع كعنصر متكرر في النص، حيث تصبح الدموع لغة التعبير عن الحب العميق: “حين تغيبين أبكي، وحين تأتين أبكي، وحين تضحكين أبكي”. وهذا التكرار يرسّخ إحساس العجز أمام مشاعر الحب التي تفوق قدرة الكلمات على التعبير.

النص يعكس تجربة الحب التي تتجاوز حدود الواقع، حيث تتحول المشاعر إلى كيان مستقل يعيش في أحلام المحب، في حواره مع ذاته، في بحثه المستمر عن معنى للغياب. إنه نص عن الانتظار الطويل، عن الألم الجميل، وعن الحب الذي يظل حياً رغم المسافات والزمن.

المزمار

………

إبراهيم النمر

حين استيقظ من نومه مهموماً كرجل فقد كل شيء، وجدها قربه فانفرجت أساريره وبدت على وجهه ابتسامة عريضة لم يعهدها من قبل:

أنت هنا؟؟!!..

من الذي أتى بك من مكانك البعيد؟؟!!..

ابتسمت بحياء وقالت له:

أتى بي الشوق إليك، واستدارت بعيداً عن عينيه، بعد أن رأت دموعه البيضاء..

أمسك يدها بكل شوق وحنين وحب، وأطلق نهراً من الكلمات التي لم يعهدها من قبل، وكأنه تعلّمها حديثاً:

حين تغيبين أبكي، وحين تأتين أبكي، وحين تضحكين أبكي، وحين وحين وحين ..

وضعتْ يدها – التي شكت من وجع منعها من كتابة كلمة صغيرة عنه ـ على عينيه فتحولت الدموع في عينيه إلى ابتسامة طفلية!!!!..

أمسك يدها مخافة أن تتركه غارقاً في دمعه، قبّلها بكل نزاهة ووضعها على رأسه:

ما دمت بهذه الصورة الرائعة، وهذه القدرة على تحويل الدمع إلى فرح، والغياب الموجع إلى حضور هانئ بهيج، فأنا مدين لك بالكثير، ومعجم كلماتي لا يعينني على نسج حرير الشوق إليك، وحاجتي أكبر من حروف لغتي التي بتّ أراها عاجزة عن توصيف حبي وشوقي وحنيني إليك..

وعادت دمعته من جديد لترسم على خدّيه لوحة بديعة لم يعرف أسرارها سوى مرآته التي التفتت إليه بحنان وقالت له:

ليتني عرفتُ في المرايا التي جاورتني، مرآة تبدع في تحويل الدمعة إلى ابتسام، كما فعلت لك تلك الأنثى…

ابتسم ابتسامة عريضة، وأدرك أن هناك علاقة حميمة بين المرايا واليد والدموع والشوق والانكسار والاجتياح السلمي والحضور البهي والغياب والألم والفرحة و و و و و .

عادت الدمعة من جديد لترسم أملاً وتقول كلمة عجز اللسان عن نطقها:

تعالي إليّ

فإني بدونك لا شيء يُذكرْ

تعالي إليّ لكي أتطوّرْ

تعالي

فقد زحف الحزن نحوي

وليس لديّ سلاح وعسكر …

وقبل أن يكمل قصيدته التي كتبها من سنين، كتبها عن حبه لعاشقة لم تأتِ، وجد بأن القصيدة التقت ملهمتها، وإن الكلمات التي كتبها بدمعه وحزنه وفرحه، عرفت ملهمتها، ذات اليد المتعَبة بعد عشرين عاماً من البحث والتحري!

وهنا أطلق اللسان عبارة صغيرة خبأها دهراً:

أحبك لأنك القصيدة..

أحبك لأنك القصيدة..

كتب القصيدة على ورقة بيضاء، ورسم على طرفها الأيسر قلباً نابضاً قوياً عزيزاً، وجعلها طائرة ورقية بجناحين كبيرين، أطلقها بكل قوة بعد أن تأكد بأن اليد التي كانت معه لم تكن يد حبيبته البعيدة، لكنه الإحساس الغامر بالشوق والحنين إليها تمثّل له يداً شكت من الوجع ذات حديث، ونسي أن يقبّلها أو يقول لها سلامة قلبك يا يدها الغالية..

أطلق طائرته الورقية، لكنه بعد أن ابتعدت، فتّش عن قلبه فلم يجده !

ربما أطلقه مع تلك الطائرة دون أن يدري؟؟!!!.

شاعر سوري مقيم في تركيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى