ما أحوجنا..؟!

عبد الكريم البليخ

في هذه المتاهة التي نعيش، وفي هذا التخبّط الأعمى الذي يعيشه المواطن في عالمنا العربي الذي يحمل معه الكثير من الهموم والأسى والحاجة، علينا أن نعترف أننا ما زلنا نعيش الماضي بكل طقوسه المزيّفة وانبهاره الكاذب، وإن تقدمنا خطوات، والمطلوب هو ضبط النفس أكثر فأكثر، كي لا نقع في لومةِ لائم، أو حاسدٍ حاقد، وبعدها نلطم على الخدود ونشق الجيوب والنوح، ونؤرشف لواقع مسّه الجنون والبحث عن الأمان الذي افتقدناه، والاعتراف السائد، تماشياً مع ما نردّده: (معاهم معاهم، عليهم عليهم!(.
وما أحوجنا أن نحتكم إلى العقل، وإن كنا نعيش في ظل دمٍ يُراق، على أن ننشد الأمل والحرية، واللقاء بالأهل والأحبة، وكل ما يربطنا بتلك الأرض الخيّرة المعطاء في كل مكان على هذه الخليقة التي تعيش في دوّامة بلهاء!.
وما أحوجنا إلى فارسٍ صنديد، لم يسبق أن رأته العين، أو سمعت به الأذن، ليعلن خلاصنا من المعاناة التي تعيشها أمتنا العربية، وإن صعب عليه التحدي!.
وما أحوجنا إلى أن يكون التعامل الحسن، والاعتراف بالذنب، وهو فضيلة الفضائل، هو ما يربط العلاقة الوجدانية في ما بيننا، فضلاً عن اتساع صدرنا لأية قضية أو مشكلة تواجه مصيرنا، وكل ما له علاقة بالضمير والوجدان والأنا والـ نحن.
وما أحوجنا إلى أن نتخلى عن أسلحتنا، وآلات القتل والتدمير، وكل ما هو مؤذٍ، وبه قد تحُل الكثير من الرواسب والمنغّصات والآلام، ونخضع لمراسيم وقوانين وقرارات وأوامر وتعليمات جديدة، وحياة جديدة، وشعب جديد، وفكر متجدّد في هذا الحيّز من الأمل الذي نأمل أن يصير عليه في القادم من الأيام.
وما أحوجنا إلى أن نغسل قلوبنا من كل ما هو ضار، ونبرّئ ساحتنا من الغلّ والحقد، والعمل بما يُرضي الله..
وما أحوجنا إلى كلمة حق، والإعلان عن الثوابت، والبعد عن كل ما يؤلّب مشاعرنا التي انطلت عليها المصائب، وساحات الاقتتال تشق غبارها.
وما أحوجنا إلى الالتفاف على بعضنا البعض، وبحبٍ يخلو من الحقد والحسد والأنانية، والتنافس الشريف بما يَخدم المجتمع والعامّة، لا أن نورّث الكراهية والحقد الأعمى، وكل ما يسيء إلى أخلاقنا.
ما أحوجنا إلى أن نكون أكثر صراحة في كل ما يدور حولنا، بعيداً عن العودة إلى الماضي، والتمجيد بالأطلال، وعلى المرء أن يتغنى بأفعاله هو، وليس بما جاد به الأجداد:
ليس الفتى من يقول كان أبي… إنّما الفتى من يقول ها أنا ذا
وما أحوجنا إلى أن نعيد النظر بالغيرية التي افتقدناها، وعلينا أن نظهرها، لأنه من الصعوبة بمكان أن نحجب الشمس بغربال!
وما أحوجنا إلى الصدق، لأنه مظهر حضاري، ويزيد ثقتنا بأنفسنا، ويدفع بها نحو تحقيق ذاتها وبأحلامها المهدورة.
وما أحوجنا إلى قول الحقيقة، بعيداً عن اختلاق أي لون من ألوان الكذب والخداع!.
وما أحوجنا إلى صحفي متفهّم مُقنع في هيئته وكتاباته، وحسّه الإعلامي الكبير، وفي معرفة مداركه ليقنعنا بما يَحدث على الساحة العربية من أحداث فظيعة، والعمل على نبذ كل من أساء إلى صاحبة الجلالة التي عَرفت ـ وللأسف ـ متطفلين كثر، وأخذوا دور غيرهم، وسجلوا حضوراً لافتاً، وهذا ما تجلى في الكثير من المواقع الإلكترونية، وفي الصحافة الورقية!.
وما أحوجنا إلى ذاك الفنّان التشكيلي، الحاضر الغائب، الذي ركن في الظل بعيداً عن تصوير ما يحدث من فظائع مثيرة للجدل، وما زال بدوره يلتمس بريق الأمل من ظلمة نخرت وجدانه وضميره من الداخل، واستسلم لواقع هشّ مرير!
وما أحوجنا إلى موظف صادق ومخلص في عمله، بعيداً عن استغلال ما يجري، لا أن يستغل عمله الوظيفي ومكانته في أن يُعامل الناس بصورةٍ سيئة، وفيها تعالٍ و أستذة، ويظل شعاره: (ادفع بالتي هي أحسن)!.
وما أحوجنا إلى صديق وفي ومخلص، يدفع البلاء عن أصدقائه، ويقف سنداً قوياً إلى جانبهم إذا ما أصابهم مكروه ما، لا أن يتحامل عليهم ويؤنّبهم، ويُعاملهم بتملّق وتذمّر أحمق، ويستخفُّ بقدراتهم وإنجازاتهم!
وما أحوجنا إلى أن نعيد إلى نفوسنا دفئها بقلب كبير قادر على أن يحضن الجميع، وأن يرسم السعادة أمام عشاقه ومحبيه بصدق.
في المقابل، هل نستحق كل هذا الحب؟
1/10/2024