انتهى التشويق.. مبابي خارج أسوار حديقة الأمراء

حقبة جديدة لسان جرمان والدوري الفرنسي
مهارات خارقة ستفتقدها الجماهير الفرنسية
كان كيليان مبابي نجم باريس سان جرمان بطلاً لضجة مثارة بشأن رحيله الوشيك عن الفريق الفرنسي يعد نهاية عقده في الصيف المقبل. وأكدت تقارير صحفية أنّ مبابي أبلغ ناصر الخليفي رئيس النادي بقرار رحيله، ليكون بذلك على مشارف الانتقال بالمجان إلى ريال مدريد. وينذر هذا السيناريو بانتهاء مسلسل مثير دام أكثر من عامين، بعدما كان مبابي على وشك الانتقال إلى الميرنغي في صيف 2022، قبل أن يقرّر تجديد تعاقده مع باريس سان جرمان في اللحظات الأخيرة.
انتهى التشويق، أبلغ كيليان مبابي إدارة ناديه باريس سان جرمان بطل الدوري الفرنسي لكرة القدم نيته الرحيل هذا الصيف، واضعاً حداً لسلسلة طويلة من الغموض استمرت عدة أشهر، دون أن يحدد وجهته المستقبلية. إنها خسارة فادحة سيتعين على نادي العاصمة أن يتعامل معها مع رحيل قائد المنتخب الفرنسي، النجم الوحيد ذي البعد العالمي في الدوري الفرنسي منذ رحيل الأرجنتيني ليونيل ميسي في الصيف الماضي إلى إنتر ميامي الأميركي والبرازيلي نيمار إلى الهلال السعودي.
فمنذ انضمامه إلى فريق العاصمة في عام 2017 قادماً من موناكو في سن الثامنة عشرة مقابل 180 مليون يورو، توّج مبابي البالغ من العمر 25 عاماً بكل شيء مع باريس سان جرمان، باستثناء مسابقة دوري أبطال أوروبا التي خسر مباراتها النهائية عام 2020 أمام بايرن ميونخ الألماني.
وسيغادر بعد تحطيم عدد كبير من الأرقام القياسية، بينها عدد الأهداف المسجلة بالقميص الباريسي (222 هدفاً). وقال مصدر مقرب من النادي إن الشروط الدقيقة لرحيل بطل العالم 2018 “لم يتم الانتهاء منها بعد”، مضيفاً أن مبابي “لم يف بعد بالتزاماته تجاه باريس سان جرمان”.
وسيقوم الطرفان بإضفاء الطابع الرسمي على هذا الإعلان خلال أشهر قليلة، حسب المصدر الذي يؤكد أن “باريس سان جرمان يركز على المستقبل والتوازن”. ولم يرغب باريس سان جرمان ولا المقربون من اللاعب في الإدلاء بتعليق رسمي في هذه المرحلة. وسيتحول السؤال الآن حول الوجهة التالية لمبابي. فريال مدريد الذي يجري المهاجم حالياً مفاوضات معه بشأن راتبه، هو المرشح الأكبر للتعاقد معه، لكن النادي الملكي لم يعلق على الأمر.
حقبة جديدة
لا شك أن الدولي الفرنسي (75 مباراة دولية، 46 هدفا) اعتبر أنه بعد سبعة مواسم في باريس سان جرمان، حان الوقت لاكتشاف آفاق جديدة، لا سيما في سعيه للحصول على أول لقب في دوري أبطال أوروبا والكرة الذهبية الأولى. وبالنسبة إلى باريس سان جرمان ستبدأ حقبة من عدم اليقين، تماما كما هو الحال بالنسبة إلى الدوري الفرنسي الذي يجري حالياً مفاوضات للحصول على حقوق البث التلفزيوني اعتباراً من الموسم المقبل.
وعلى الرغم من الاتفاق الضمني الذي تمّ التوصل إليه مع اللاعب في صيف عام 2023 والذي يسمح للنادي بعدم دفع عشرات الملايين من المكافآت لمبابي الذي أشار بعد ذلك إلى أنه لا يريد تمديد عقده إلى ما بعد عام 2024، إلا أن باريس سان جرمان جعل تمديد عقد أفضل هداف في تاريخه أولوية.
كما أعلن النادي في نهاية 2023 رحيل نيمار وميسي، ومنح الصلاحيات الكاملة للمدرب الإسباني لويس إنريكي لتشكيل فريق شاب ومتماسك. وعلى أعلى مستوى داخل إدارة النادي، تكرر في الأشهر الأخيرة أن المؤسّسة يجب أن تسود الآن على أيّ لاعب، مع خطط “للتعاقد مع العديد من اللاعبين عند رحيل مبابي”.
ويواصل باريس سان جرمان تحوّله “نحو المجموعة والشباب”، كما أصر مصدر مقرب من النادي. لكن لا يزال من الصعب الاستغناء عن هذا المهاجم الذي سجل أكثر بكثير من أيّ لاعب آخر هذا الموسم. ومهَّد لفوز فريقه الثمين على ريال سوسييداد الإسباني 2 – 0 في ذهاب ثمن نهائي المسابقة القارية العريقة بافتتاحه التسجيل مطلع الشوط الثاني بعد معاناة في الشوط الأول.
وكان الهدف الرابع في المسابقة هذا الموسم، بينما يتصدر لائحة هدافي الدوري برصيد 20 هدفاً. بشكل عام، سجل مبابي 243 هدفاً مع 93 تمريرة حاسمة في 290 مباراة مع باريس سان جرمان، وساعد النادي على التتويج بخمسة ألقاب في الدوري.
كما أنه من الصعب أيضاً الاستغناء عن النجم الذي لديه أكثر من 111 مليون مشترك على إنستغرام والذي يمنح باريس سان جرمان وجهاً عالمياً، وهو أحد المحاور الرئيسية لإستراتيجية النادي. وقال أمين، أحد مشجعي باريس سان جرمان أمام متجر النادي في جادة الشانزيليزيه الشهيرة “بصراحة، إنها خسارة كبيرة جداً لباريس سان جرمان”. وأضاف في تصريح إعلامي “يعاني باريس سان جرمان مع مبابي في مسابقة دوري أبطال أوروبا، لذا دون مبابي، لا أعرف كيف سنفعل. بصراحة، نحن مندهشون، نحن مندهشون”.
ولم يكن ناصر الخليفي مبالياً على الإطلاق عندما كرّر، في مقابلات مع العديد من وسائل الإعلام في بداية عام 2024، أن “أفضل ناد لمبابي هو باريس”. فإذا انضم إلى ريال مدريد الإسباني، كما هو الاتجاه السائد، ستُحسم أخيراً صفقة استغرقت سنوات.
وحلّلت صحيفة “ماركا” الرياضية الإسبانية عبر موقعها الإلكتروني قرار مبابي بالرحيل عن الفريق الباريسي أن “ريال مدريد كان ينتظر أن يتخذ مبابي الخطوة الأولى. وقد فعلها”. وقالت صحيفة “آس” الرياضية اليومية إن وصول مبابي إلى ريال مدريد سيرسل النادي “إلى بعد آخر”، مضيفة أن “الفرنسي هو بلا شك أفضل لاعب على هذا الكوكب”.
وقبل هذا التوقيع المحتمل، كان على ريال مدريد مواجهة باريس سان جرمان ورئيسه القطري ناصر الخليفي الذي قام، موسما بعد موسم، بدفع رواتب مرتفعة للاحتفاظ بالمهاجم مستخدماً بعض الحجج الأساسية.
خسارة محتملة
فعلى سبيل المثال، تحدث مبابي منذ فترة طويلة عن رغبته في الفوز بأول لقب في دوري أبطال أوروبا له مع نادي مسقط رأسه. وفي أعوام 2019 أو 2021 أو حتى 2022، فكّر رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريس في التعاقد معه، قبل أن يقابل بالرفض في كل مرة. ويبدو أن هذه المرة ستكون موفّقة. كيف يمكن النهوض من خسارة مماثلة؟ يتعيّن على باريس سان جرمان بطل فرنسا ملء فراغ هائل عندما يتركه في نهاية الموسم نجمه كيليان مبابي، “حجر الزاوية” في مشروعه، فيما يبدو البحث عن خليفة لهداف المونديال الأخير بالغ الصعوبة.
وهذا ما خطّط له رئيس النادي القطري ناصر الخليفي عندما مدّد في 2022 بشكل مفاجئ للاعب المولود في ضاحية بوندي الباريسية “من خلال تمديد عقده مع سان جرمان، أصبح حجر الزاوية في مشروع النادي خلال السنوات المقبلة، داخل الملعب وخارجه”. وكما توقع الخليفي، فإن رحيل نجم مماثل، الأكثر شهرة من بلاده في الساحة العالمية، له تداعيات رياضية، مالية وتسويقية.
إلى جانب النرويجي إرلينغ هالاند هداف مانشستر سيتي الإنجليزي والجوهرة الجديدة لريال مدريد الإسباني صانع اللعب الإنجليزي جود بيلينغهام، يمثّل مبابي نخبة ورثة النجمين الخارقين الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو اللذين أحرزا مجتمعين جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 13 مرة.
ورغم مماطلة اللاعب البالغ 25 عاماً، إلا أنّ فريق العاصمة حصل على مدة عام لتهيئة نفسه، منذ الرسالة الشهيرة لصاحب الرقم 7 الصيف الماضي والتي حذّر فيها النادي من أنه لن يمدّد عقده في 2024. ومن ذلك الوقت، يطمئن المقرّبون من النادي بأن رحيل اللاعب القادم إلى سان جرمان عام 2017 من موناكو وأحرز معه لقب الدوري خمس مرات، لن يؤثر على التوجّه الجديد لسان جرمان.
وقال مصدر رفيع المستوى مطلع عام 2024 “لدينا خطة مهما كان قراره، النادي أهم من أيّ لاعب”. بعد “التخلّص” أو رحيل النجوم “اللامعين”، مثل ميسي، البرازيلي نيمار ومبابي، حان وقت المحاربين تحت قيادة مدرّب مفعم بالحيوية، الإسباني لويس إنريكي. من وجهة نظر فنية، فإن مبابي، على غرار ميسي ونيمار، لا يدافع كثيرا، وهذه مشكلة بالنسبة إلى المدرب المتطلّب.
وتبقى مسألة استبدال لاعب بمقدوره تغيير نتيجة مباراة لوحده صعبة. فعلى المدى القريب أو المتوسط، سيفتقد فريق العاصمة قائد المنتخب، عندما يخوض مبارياته في دوري الأبطال التي يلهث وراءها النادي المملوك قطرياً.
ويتعيّن على النادي التركيز على سوق الانتقالات الصيف المقبل، لإقناع مشجعيه بأن الحقبة المقبلة ستكون أفضل، وبأن سان جرمان ليس جسر انطلاق أو بيتاً تقاعدياً للنجوم الكبار. وأشار مصدر قريب من النادي إلى أن فترة الانتقالات المقبلة ستكون “جنونية”. وفي الانتظار، يرتفع حجم الضغوط على المدير الرياضي البرتغالي لويس كامبوس. وإذا كان صعباً العثور على نجم من طينة مبابي، توجد حلول أخرى.
ويعود من الإعارة لاعب الوسط الهجومي الهولندي تشافي سيمونز (20 عاماً)، حيث برع هذا الموسم مع لايبزغ الألماني، مقارنة مع موسم سابق كان جيداً مع أيندهوفن. ويمكن لسان جرمان أيضاً تجسيد بعض الصفقات التي رسمها في فترة الانتقالات الشتوية: لاعب الوسط الألماني يوزوا كيميش سيصل إلى نهاية عقده مع بايرن ميونخ في 2025، أو البرازيلي الدولي برونو غيمارايش لاعب ارتكاز نيوكاسل الإنجليزي.
موقف صلب
لكن ما هي سبل تدعيم الهجوم؟ يبدو الإنجليزي هاري كاين مرتاحا مع بايرن ميونخ، وهالاند مع مانشستر سيتي، فيما ليس بمقدور المصري محمد صلاح (ليفربول الإنجليزي) أن يجسّد بعمر الثانية الثلاثين مشروعا للمستقبل… في المقابل، قد يكون النيجيري فيكتور أوسيمين، أفضل لاعب أفريقي والذي يبلغ نفس عمر مبابي، البديل المثالي: هداف متسلسل، يواجه علاقة معقّدة مع فريقه نابولي الإيطالي رغم تمديد عقده حتى 2026.
وكان رئيس الفريق الجنوبي أوريليو دي لورنتيس كشف في أواخر يناير أن أوسيمين سينتقل إلى ريال مدريد أو باريس سان جرمان أو إنجلترا. ويعرف أوسيمين الدوري الفرنسي وأيضا لويس كامبوس الذي استقدمه إلى فريق ليل (2019 – 2020). لكن “لا نلهث وراء لاعب من هنا أو من هناك”، حسب ما تؤكّد إدارة سان جرمان.
ويبدو النادي في موقف صلب من الناحية المالية. فمع رحيل مبابي الذي يبلغ راتبه ومكافآته عشرات الملايين من الدولارات سنوياً، فقد يحرّر الهوامش المالية الكبيرة خلال تواجده. وبعد 13 عاماً من شراء النادي من قبل شركة قطر للاستثمارات الرياضية، يفتح سان جرمان فصلاً جديداً مع رحيل أحد أكبر النجوم في تاريخه.
وتواصل وسائل الإعلام التكهن بملامح المشروع الرياضي الجديد لباريس سان جرمان، في ظل الضجة المثارة حول الرحيل الوشيك لكيليان مبابي نجم الفريق. وأجمعت تقارير صحفية أن الإدارة الباريسية بصدد استثمار الأموال التي يوفرها رحيل مبابي في بناء مشروع جديد يرتكز على 3 صفقات، جناح سريع بديل لمبابي، ولاعب وسط دفاعي، وصانع ألعاب. وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “ليكيب” قائمة من الأسماء المرشحة، تتضمن محمد صلاح نجم ليفربول ومنتخب مصر. وأضافت أن الأولوية لدى الإدارة الباريسية لدعم الهجوم، ضمّ النيجيري فيكتور أوسيمين مهاجم نابولي.
وأكدت تقارير أخرى أن باريس مستعد لدفع 130 مليون يورو قيمة الشرط الجزائي في عقد أوسيمين، وأيضا 175 مليون يورو لكسر عقد لياو مع ميلان. وتشمل قائمة الأسماء المرشحة أيضا لمشروع باريس برناردو سيلفا نجم مانشستر سيتي، ليني يورو مدافع ليل، برونو غيمارايش لاعب نيوكاسل، وجوشوا كيميتش نجم بايرن ميونخ، مع إعادة تشافي سيمونز المعار إلى لايبزغ.
وتلوح في الأفق معركة عنيفة خلف الكواليس بين كيليان مبابي نجم باريس سان جرمان وناصر الخليفي رئيس النادي الفرنسي. وذكرت صحيفة “لوباريزيان” أن باريس لن يوفر 200 مليون يورو فقط من الرحيل الوشيك لمبابي بنهاية الموسم الجاري، بل ربما يصل المبلغ إلى 500 مليون يورو. وأوضحت أن الإدارة الباريسية تحاول خداع مبابي وحرمانه من بعض المكافآت، لأن باريس يريد العودة بقوة للوقوف على قدميه من الناحية الاقتصادية.
وكان فابريزيو رومانو خبير سوق الانتقالات قد أكد أن مبابي أوضح لمسؤولي ناديه أن قراره بالرحيل في صيف 2024 نهائي ولا رجعة عنه. وتابع رومانو “مبابي والإدارة الباريسية بصدد التفاوض قبل إصدار بيان رسمي مشترك، بشأن رحيل اللاعب في نهاية الموسم الجاري”. وينتهي تعاقد كيليان مبابي مع البي إس جي في 30 يونيو المقبل.