أدب

استعارات

فهد الحسن

** استعارات

التلال من شجن مستوطن في روابي الروح – أرنو عبر تخوم الأناشيد اليانعة وقد تحررت من كل الاستعارات والمجازات، أرنو بعينين حزينتين إلى غدي المنتظر وقد سوّرته الأسئلة الوجيزة كما يرد في نشرات الأخبار المهمّة، لتأخذني حيرتي إلى استكشاف قفار جديدة ترسو فيها مراكب أحلامي المتعبة وقد غدت قاب قوسين من انصهار عمر مخضّب بالأفول والغياب.

أيتها الحياة البتول، أيها الحلم الموشّى بالأمنيات – هل لي أن أمد جسوري الأخيرة إليك. لعل قبساً من ضياء يغمرني فأواصل ثنائي المرتبك معك، ثم أهجع إلى ذاتي وقد تحررت قليلاً من سطوة البحث عن المرايا والأوطان اللصيقة والمرائي كي أحد فيك حلمي المنتظر؟…

وأنت تغادر النوم ودّع أحلامك وبياض الرؤى صفحاتك الملونة وخيال الظلال الجامعة وأنت ترهن عمراً كاملاً مخضباً بنجمتك الساهرة منسكباً على ظل محرقة صمّمها لك النخاسون مع اغتيالات أعدت بدقّة لياسمين روحك التي أثقلتها الخطوب والاستعارات.

أكمل خطاك إلى فردوس مستهامك واقفل بوابة الأمل أمامك وادلف إلى جحيمك.

ترقّب ما أعدته لك الحياة الشبيهة وما رتبته الكوابيس في أعاصير تراتيلك الفارهة وأنت تواسي نجمة في سماواتها القصية. ترجّل لتحصي تفاصيل وقت أجل هلاكك. ورتب ارتباكك وقد مسّه ذاك الهشيم الهجين وأنت تراقب ظلك الرخامي.

موشورك الذي تكسّر تجسم عناء النحيب على أطلال روحك التي تلكأت في زحام أخواتها في غفلة من ضحيح الصمت والبنيان وأنت ترسم البسمات على ظل احتضارك.

أصعد إلى عمامتك الوحيدة، وارتشف منها سر خطيئة ساومتك على انهارك ثم اختفت.. وقد زرعت ورائك كل سيوفها في خضابك.

**بين بدايتين !

بين بدايتين.

كان ارتباكي صمتاً مؤجلاً.

بين ناصيتين من ارتطام الرذاذ بالخيل المسجّى كالرخام على ظل الطريق – مثل كأس مترعة بالأفول والأمواج التي تكسّرت عند سهادي ثم انهمرت من تيه القلوب كلمسة.. كشمس نهار عنيد.. كانت نزوة تشبه سراب الظهيرة – تفاحة حمراء تكوّرت مثل ثغر أنثوي احتشدت حوله مدامع من صقيع.

أيها الضوء

يا مشكاة المتنبئن واحتضار قناديلها … حيث الأسماك المعطوبة والشطان الخاوية … يا ظلي الأليف دع غيايك كطيف بهي دع صمتك يقتات على خضرة النسيم ليذوي في عشب لوزها – ومختصر النشيد.

بیان …. لزوم ما يلزم ….

أنا ظل غائب في تيه وحشتي، أستل روحي من غمد سيفي .. وأهوي بها على عمر أجلته الفصول. ما كنت أرسل خطاباً للندى … ولا سعّرت حنيني …. قيل لي امتثل فامتثلت، وكان لي موشور ضوء فانكسر… ثم راودته الشمس فضاع في زحام سماواتها العابرة . وأنا ما زلت خارج نطاق ظلها المائل، الذي أرّق معنى وجودي ثم أبّنته خمائلي .. فدلفت إلى صفصافة غالبت ظلها …. لتنثر حولي ما تيسر لها من غوايات ونوَب .. فأبقتني حسيراً حتى تبددت معها كل أسوار حنيني.

صمتها ….

كان صمتها ينهمر على كبدي كأيقونة مشرقية .. كريح مرسلة من وصايا نهدت أهلها، ثم اكتنزت رحيقها كالطل .. فخبأته في سرها المكنون.

أيتها الحياة …. أيتها المليكة مخملية النظرات، أيتها القابعة في دروبي كسوسنة دلفت إلى مدار أقمار المساء. كنارجيلة نفثت هوائها السري وذابت. ثم نهضت لتعبّر كحل الحرير والبسمات – أسوسنة أنت أم بسملة من ضجيج سامراء .. أم عندلة سمرقندية القد. حملت قداسها وارتحلت إلى ينابيعها القصبة .. يمامة أم عصفورة بأنفاس من عبير…. وله أم سِفر ضاع في زحام العقيق – أم قنديل ضوء تاه في حقول الأثير .. لقد شردتني الفيافي كي أستريح من سطوتك … أيتها المجدلية التي خذلها حواريوها – فكانت فردوساً طقم لالتحاف السحاب بقوارير من عطر ملائكي السمات . ها أنت تنهمرين كبنفسجة تاهت في قداسها .. ثم استقامت لتعود ظلاً وارفاً لحياة الأمنين.

أقف عند حدود التلال والمنحدرات البعيدة … أرقب إطلالة اللازورد والشوق السماوي تصلني تنهداتها مصحوبة بأنفاس صبح بهي تأبطه الندى وزرقة الأحلام والشطان وموانئ الروح العطشي إلى لقاء لا يأتي إلا مخضباً بالملاحم والزفرات … تطل فيؤنسني حضورها الطاغٍ، وأرنو إليها فأجد أمامي سنيناً من شغف مسربل بضجيج الحب والأغنيات، تأسرني بيارة من شهقات عبيرها ووسن محياها. ذكرياتها التي تسوّر جيداً مرمري الصدى والنبضات … تغوص رؤاي في جنان عريفها .. في احتمالات سوسنها، أتهجأ كل الفصول لكي أصل إلى حدود شلالاتها وهي تصبّ غدقها في عروق الأرض لتزهر حكايا ورغائب ووروداً تضوع.

التمس درباً تقودني إليها وقد اكتست بكهرمان وعقيق يخطف الأبصار.. أجازف بما تبقى من دهور الانتظار وأرسل عبر الأثير إلى وجنتيها البتول حمرة الأرجوان كي تلون من حولها التلول بما يستلزم من ضوء وقناديل وأمكنة تدل على نزق أبنوسة عصماء .. وقد كللتها البسملات التي يسرجها خيل الظنون بوشم من أمان مستحيلة.

فنان تشكيلي مقيم في الدوحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى