أصيلة المغربية.. الجوهرة الزرقاء

عبد الكريم البليخ
أغسطس ـ “آب” هل هو شهر الأزمات في عالمنا العربي، فبينما يستعد العالم للراحة والاسترخاء بعيداً عن توترات عام كامل، ترتفع درجة الحرارة العربية لحد يثير الشقاق والمنازعات، وتتحول مشكلاتنا الدموية إلى مادة يتسلى بها العالم في إجازته.
فالانقسامات والشقاقات والإهانات ما زالت متواصلة منذ ذلك التاريخ، وما زال الجسد العربي عارياً ومعرّضاً لكل أنواع الطعنات. إننا كنا نأمل أن يكون أغسطس ـ “آب” هذا العام شهراً هادئاً، وأن نشارك العالم في الاستمتاع بمباهج السلام ولو لشهر واحد، وبصورة خاصة والعالم احتفل بانطلاق ألعاب الدورة الأولمبية في العاصمة الفرنسية باريس، وقد نُظِّمت هذه الألعاب أصلاً من أجل تدعيم السلام في مواجهة الحرب. ففي اليونان القديمة لم تكن الحرب تهدأ بين المدن والمقاطعات المختلفة، واهتدى تفكير حكماء اليونان – وهي أرض الفلسفة والحكمة – إلى أن يحولوا الصراعَ الضاري بين المتقاتلين في ميدان الحرب تنافساً بين المتبارين في مضمار الرياضة. وكانت أسمى الجوائز، إكليلاً من ورق الغار وغصناً من الزيتون. وأثمرت هذه المسابقات سلاماً ساد كل بلاد الإغريق، وما زال غصن الزيتون هو رمز السلام، والرسالة الإغريقية القديمة مفهومة وسارية حتى الآن.

وإذا كانت الاحتفالات الأولمبية تُنظم كل أربعة أعوام، فهناك احتفالية عربية تُنظم كل عام تحتفي بالثقافة والفكر والفن و.. عمرها الآن تجاوز الـ 38 عاماً، تقام في بلدة صغيرة في المملكة المغربية الشقيقة هي “أصيلة”، وقد تحولت أصيلة، بفضل هذه الاحتفالية، مزاراً عالمياً يقصده كل عشاق الفنون الرفيعة كل عام، وأصبحت رمزاً للتنمية بواسطة الثقافة. وتقدم أصيلة تجربة نأمل أن نراها في العديد من مدننا العربية. مشروعها الثقافي المتمثل بمنتداها السنوي الذي تستضيف فيه سنوياً نخبة من الأدباء والمفكرين والسياسيين، في تلك المدينة التاريخية الشاطئية العريقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تبعد 35 كيلو متراً عن طنجة في الشمال.

أصيلة الأنثى المراوغة بأزقتها الضيقة الرحبة، وبيوتاتها البيضاء الموشاة بالأزرق، والمزينة بأصص الفخّار المزروعة بالأزهار، معرض فني مفتوح في الليل والنهار على مدار أيام السنة.
وللتعريف بمدينة أصيلة فهي مدينة ساحلية صغيرة جداً، تقع شمال المملكة المغربية، وهي مدينة قمة في الجمال والروعة والبهاء. جوهرة حقيقة ويطلق عليها الكثيرون جوهرة المحيط الأطلسي أو الجوهرة الزرقاء، بحيث أن جدرانها مطلية بالأزرق، والبيبان والنوافذ كذلك بالأزرق.

وبالرغم من صغرها إلا أنها تشكل قطباً سياحياً مهماً جداً، سواء السياح الأجانب أو المغاربة، مدينة قديمة ويرجع تاريخها إلى أكثر من 2000 سنة وهي شاهدة على عدّة عصور، منها: الفينيقين، القرطاجيين، الرومانيين وأيضاً السعديين، مر منها أيضاً البرتغاليين والإسبان وغيرهم، مما أعطى المدينة طابعاً تاريخياً خاصاً للغاية. وبالرغم من أنها مدينة صغيرة، إلا أن مدينة أصيلة تضمُّ عدداً من المعالم التاريخية، والتي تجذب إليها سنوياً عدداً مهماً جداً من السيّاح.

أزقتها جميلة جداً، ويعود تاريخ إنشاء المدينة العتيقة إلى قرون عديدة جداً، تتميز المدينة العتيقة بكونها محاطة بأسوار تاريخية، بنيت في أواخر القرن الـ15، من طرف البرتغاليون، وهي تطل على المحيط الأطلسي، ولها 3 أبواب ضخمة جداً، هي باب البحر، لحومر، والقصبة.
من أبرز معالمها قصر الريسوني الذي يقع على الجانب الغربي من المدينة ويتمتع بإطلالة فريدة على المحيط، كما أنه يشكل نموذجاً فذاً للنمط المعماري المغربي الأندلسي المتطور خلال أوائل القرن التاسع عشر.

يتميز القصر بقصة بناء فريدة فقد قام ببنائه الثائر أحمد الريسوني من أموال فدية اختطافه لزوجة أحد الأثرياء اليونانيين الذي كان مقيماً بمدينة طنجة وقد تسببت عملية الاختطاف حينها بأزمة ديبلوماسية مغربية أمريكية لأن الزوجة كانت تحمل الجنسية الأمريكية. وكل من زار القصر لا بد وأن يقف مشدوها منبهراً بجمال بنائه، وبهاء عمرانه، ورونق نقوشه المنبثقة من الفن العربي الإسلامي الأصيل، وقد تم ترميمه في منتصف التسعينيات ليصبح فضاء يحتضن بعضاً من أنشطة موسم أصيلة الثقافي، إذ تُقام به ورشات فنون الرسم والنحت والحفر وبعض السهرات الفنية.