مقالات رياضية

ثلاثي الزمالك.. ظالم أم مظلوم؟

محمد رضوان

عندما تغيب القوانين وتختفي اللوائح، يكثر اللغط وتنمو المغالطات، ويظهر على السطح أصحاب المصالح، من ذوي العقول الصغيرة والأرواح الضعيفة، وكلما طال غياب القوانين، كلما استفحلت الأخطاء، وتحولت الحياة إلى غابة، يرتع فيها الكل بلا رابط، وانقلبت القطط العمياء أسود ضواري، واعتلت الأقزام منصات الوعظ والإرشاد.

أقول هذا بعد أن صارت الساحة الكروية المصرية في حالة يرثى لها، بسبب غياب القوانين الرادعة، والأحكام الصارمة، وأصبحت الجماهير تتحكم في مقدرات اللعبة وسُنَنها، وباتت الأندية أقوى من الاتحادات، هذه الاتحادات التي منوط بها الحزم والصرامة مع المخطئين حسب الأطر واللوائح التي أقرتها، لكن كل هذه الأعراف والقوانين تذهب سدىً عند أول حادثة، بسبب المزيد من المواءمات والحسابات، مما يؤدي إلى تنازل هذه الاتحادات عن دورها شيئًا فشيئًا، حتى وصل الأمر إلى ترك لجام اللعبة برمته للضاغطين عبر المنصات الإعلامية، أو المستفيدين من تجاوز القوانين ومخالفتها.

الحقيقة أن ما حدث من ثلاثي نادي الزمالك في دولة الإمارات، ما هو إلا نتاج طبيعي لما يدور في ساحة الكرة المصرية، التي هي في الأساس لعبة، مهما استطال أمرها واستعظم، تظل لعبة تمارسها الشعوب من أجل الترفيه، ومن أجل المنافسة العفيفة، لكن المصريين جعلوها مضماراً للتجاوز والتعدي وانعدام النظام، في إطار سيء جدًا من الانحدار الأخلاقي والسلوكي.

في تصفيات كأس العالم 1990، قام (الأخضر بللومي) نجم الجزائر الكبير بالتعدي على طبيب مصري في أحد فنادق القاهرة، حيث إقامة المنتخب الجزائري، إلى أن وصل الأمر إلى أن فقأ بلومي عين هذا الطبيب، الذي قام بدوره ورفع قضيته إلى الإنتربول الدولي، الذي منع بلومي من دخول مصر لمدة 20 عام، حتى تم التصالح بين اللاعب والطبيب، في بادرة قام بها محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري الأسبق، المهم أن الطبيب بحث عن حقه بنفسه، في غياب تام للسلطات المصرية، أو حتى اتحاد الكرة المصري، واتضح فيما بعد أن بلومي بريء تماماً من الحادثة، وإنما لُفقت له.

موقف آخر حدث عام 2019 يوضح تعامل المصريين مع هذه المواقف، حيث كان المنتخب المصري يخوض غمار كأس الأمم الأفريقية، حينما اتهمت فتاة (عمرو وردة) لاعب المنتخب بالتحرش ونشرت رسائل وصور فاضحة للاعب، وعلى الفور قرر الاتحاد المصري استبعاد عمرو وردة من صفوف الفريق، إلا أنه تراجع عن القرار بعد توسط عدد من زملاء اللاعب.

هذه هي ردود فعل المصريين في أحلك المواقف وأشدها ضراوة، هذه المواقف التي تحتاج الحزم والحسم، من غير تهاون وتراخِ، يمررها أهل مصر على الدوام بعد تدخل الوسطاء، ويلتقم المجتمع المصري كل الجرائر في ثوانٍ، مع أول كلمة ترحّم واستعطاف، ويغيب ميزان العدالة، ولكم في واقعة عمرو وردة أخلص العبر، فمتى يكون شطب اللاعب من سجلات اتحاد الكرة ما لم يكن في مثل هذه الوقائع؟، لكن ولأننا كمصريين أهل طيبة فإننا نصل إلى حد التفريط في الكبائر قبل الصغائر، وننسى كل خطيئة مع تعاقب الأيام.     

هذا التباين الواضح بين ردي الفعل المصري والإماراتي، يوضح الحالة التي يعيشها المصريون، وأيضاً الإماراتيون، ودعكم من حكاية الكرامة، وحكاية الشماتة، هذه الحكايات التي تلبس المخطئ ثوب المظلوم، فلو أن هؤلاء اللاعبين تذكروا للحظة كرامة مصر لما فعلوا فعلتهم، وعلموا أنهم يمثلون كيان مصر بهيبته وأصالته.

هذه المرة، أخطأ ثلاثي الزمالك، لكنها ليست ككل المرات، بعد أن وجدوا الردع الذي لم يجدوه مرة في بلادهم، وبعد أن واجهوا أهل كرامة ونخوة حقيقيين، فكان ما كان، ولست هنا أتحدث عن لاعبي الزمالك فحسب، وإنما كل لاعبي مصر قاطبة، الذين أساءوا أدب عندما لم يجدوا العقاب.

ويشاء القدر، أن تحمل ليلة الحادثة واقعة أخرى، ولكن على الجانب الأخر، حيث معسكر النادي الأهلي، عندما تطاول (محمود عبد المنعم كهربا) – حسب ما سمعت – على مدير الكرة محمد رمضان، فكان قرار الترحيل إلى القاهرة أبلغ عقاب، مع توقيع غرامة قاسية على اللاعب لردعه وتهذيبه، وشتان بين ما حدث هنا وما يحدث هناك، فالفارق جليّ، وردود فعل الناديين الكبيرين مع الواقعتين مع مرور الأيام، ستظهر هنا وأيضاً هناك.

في النهاية أقول، لا يصح إلا الصحيح، فإن كانت دولة الإمارات بالغت – كما يقول البعض – وحولت الأمر إلى أقسام الشرطة، وتطور الأمر إلى قضايا ومحاكم، فإنني لن ألومها على رد فعلها، وإنما كل اللوم على الفعل، وكل العتاب على الفاعل، قبل أن ألوم أحداً على صون كرامته، واعتداده بنفسه، واعتزازه بكيانه.   

أديب الرياضة   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى