أيام لا تنسى

عبد طه الحمزة المدرب والحكم والإداري

*مارس كرة السلة وألعاب القوى والدراجات.. والسفر حال دون إكمال مشواره الرياضي

*تميزت الأسرة “الحمزاوية” بتفوّقها بعدد من الألعاب بفضل دعمه وتشجيعه، كما شغل عضوية المكتب التنفيذي للمحلية، وكان بابه مفتوحاً للجميع

….

عبد الكريم البليخ

لم تكن الصدفة وحدها هي من قادته إلى تحقيق النتائج الإيجابية في الألعاب التي مارسها، سواء كانت فردية أم جماعية؛ بل إن اجتهاده وعشقه للرياضة ورغبته القوية كانت السبب في أن أصبح محباً ومتيماً بها. ومن هنا نجح عبد طه الحمزة – كلاعب ومدرب وحكم وإداري – في تحقيق النتائج في البطولات التي شارك فيها، سواء في ألعاب القوى أو الدراجات أو كرة السلة.

لقد كان شغفه العام بالرياضة وراء تألقه وتحقيقه لنتائج أرضته إلى حد كبير؛ فقد بدأ مشواره الرياضي بمشاركاته مع فئات نادي الشباب العمرية لكرة السلة، ثم أبهرت بعض المشاركات الصدفية الأنظار بنتائج إيجابية، منها مشاركته في بطولة المحافظة للدراجات على دراجة زميل له ونيله المركز الأول. وفي صدفة أخرى، شارك في سباق الـ1500 متر ببطولة مدارس الرقة لألعاب القوى، حيث خاض السباق حافي القدمين ونال المركز الأول عن جدارة. وتدرج بعد ذلك في اللعب ضمن صفوف نادي الشباب بفئاته المختلفة حتى حان موعد سفره إلى دولة الكويت في عام 1980 بهدف تحسين وضعه المعيشي، واستمر في الغربة لأكثر من خمسة وعشرين عاماً.

ورغم بعده عن الرقة وعن أسرته ونشاطها الرياضي، لم يقطع صلته بأخوته من “الأسرة الحمزاوية”، إذ كان يتواصل معهم باستمرار ويحثّهم على المشاركة في البطولات، ليتلقّوا منه كل الدعم والتشجيع. وبعد عودته إلى الرقة واستقراره فيها، عمل في المجال الإداري وشغل عضوية مجلس إدارة نادي الشباب الرياضي، وعضوية مجلس إدارة نادي العمال، كما كان عضواً في اللجنة الفنية لكرة السلة. وكُلف أيضاً بتدريب المنتخب الثانوي لمدارس الرقة، والتحق بدورتين تدريبيتين في كرة السلة بدمشق، وشارك في تحكيم بعض مباريات دوري مدارس الرقة.

عبد طه الحمزة

ومن أبرز المهام التي كُلف بها، شغل عضوية مجلس محافظة الرقة لأربع دورات، وكان حيادياً لا ينتمي لأي جهة حزبية. كما انتُخب عضواً في المكتب التنفيذي للإدارة المحلية، حيث أشرف على مؤسسات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وقسم من مجالس الإدارة المحلية.

في هذا الحوار نسلط الضوء على قامة رياضية بارزة تركت بصمة لا تُنسى في رياضة الرّقة، كما ينقلها لنا عبد طه الحمزة، اللاعب والمدرب والحكم والإداري.. والإنسان المتواضع الهادئ الطباع، والراقي في تعامله.

مشاركات محلية ودولية

ـ ممارستكم للعبة كرة السلة كانت هي البداية في مشواركم الرياضي الطويل. كيف كنتم تقرأون الواقع الرياضي في ظلّ غياب الاهتمام بالرياضة في تلك الفترة بصورة عامة، وكيف تمكنتم من تحضير ملعبكم في المدرسة التي كنتم تخطون أولى خطواتكم فيها، والحال بالنسبة لـ “البانيات” التي لها علاقة بلعبة كرة السلة؟.

* بدايتي كانت بممارسة كرة السلة في عام ١٩٦٣ وكنت في حينها في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة عدنان المالكي، ولم تكن المدرسة تحتوي على ملعب رياضي، والأرض ترابية.. وبمبادرة من الأستاذ كمال جنيد تم جمع مبالغ مالية من الطلاب، وتصنيع “بانيات|” من الخشب، وأذكر من بين اللاعبين:  محمود عبد الكريم، عبد العيسى العاني، محمود الناشف، المرحوم محمد جاسم الحميدي، وفي المرحلة الاعدادية تم انتسابنا إلى نادي الشباب وتدرجنا في جميع المراحل حتى وصلنا إلى فريق الرجال، وكنا نلعب باسم النادي وبطولات المدارس على مستوى المحافظة والقطر،  وفي النادي كان يشرف على تدريبنا الأستاذ خلف الحسن، وهو من الرعيل الأول الذين لعبنا معهم مع حفظ الألقاب دحام النجم، قاسم الهندي، حمد الصالح، عبد الصالح الدرويش، مطر العلي. ومجموعتنا كانت تضمّ تيسير عبد الكريم، محمود عبد الكريم، وليد الحافظ، هلال الصالح، يوسف اليوسف، عبد العيسى العاني، عبد الهادي المصطفى، مصطفى الراشد، سعد الله سعيدو من الحسكة كان يدرس طالب معهد بالرّقة، المرحوم المهندس عبدالله الحنوش، المرحوم الدكتور حمود الموسى، المرحوم أحمد حمشو، وكنا في تلك الفترة نشكل أسرة واحدة داخل الملعب وخارجة وطالما نلتقي ليلاً وينصب همنا ونقاشنا حول الرياضة بشكل عام.

المشاركة في سباق الدراجات

ـ لعبت في صفوف نادي الشباب الرياضي بدءاً من فئة الأشبال وانتهاءً بالرجال. ما هو تقييمكم للرياضة في النادي بصورة خاصة، وكيف كانت تسير الأمور في تلك الفترة؟

*كان نادي الشباب يلعب في دوري الدرجة الثانية بكرة السلة ومن أجمل مبارياته كانت مع نادي الحرية الحلبي، ولم أشارك فيها كوني كنت طالباً بمدرسة المساحة بدمشق، وفي تلك الفترة شاركت ببطولة روابط الشبيبة المدرسية، وكانت من أجمل المباريات التي خضتها، والأفضل من بين تلك اللقاءات المباريات التي كنا نلعبها مع الشقيق نادي الفرات.. فالملعب كان يمتلئ عن بكرة أبيه حالما يكون هناك لقاء رياضي ما بين الفرات والشباب، وفي أي لعبة كانت. أما المشاركات الدولية، فقد لعبت ضد نادي سبارتاك موسكو بالرّقة، ونادي الموصل العراقي بالموصل.  

الصدف.. ونتائجها الإيجابية

ـ وعن التدريب والتحكيم والإدارة. أين وجدت نفسك في هذا الثالوث في عالم الرياضة؟ وما هي حكاية الصدف التي واجهتك في مشاركاتك الرياضية التي كان لها نتائج إيجابية في مشوارك الرياضي؟

*وبالنسبة للمناصب التي شغلتها كانت عضو مجلس إدارة نادي الشباب، وعضو مجلس إدارة نادي العمال، وعضو في اللجنة الفنية لكرة السلة، وتكليفي بتدريب جميع الفئات بنادي الشباب وصولاً لمنتخب الرجال.. وكلفت أيضاً بتدريب منتخب الثانوي لمدارس الرّقة ومشاركتنا ببطولة مدارس سوريا لا سيما أنني حاصل على دورتين تدريبيتين الأولى أمريكية والثانية ألمانية، أما في مجال التحكيم بداية حصولي على حكم كرة السلة من الدرجة الثالثة وشاركت بتحكيم بعض المباريات، وأحياناً الصدف تلعب دوراً أساسيآ في تغيير مسيرتي الرياضية. الصدفة الأولى كنت متوجهاً للنادي عن طريق دوّار النعيم ورأيت الدوّار يغصّ بالجماهير، وكان مقر إتحاد شبيبة الثورة أمامه وتبيّن لي أن هناك بطولة رياضية للمحافظة بالدراجات سوف تقام بعد فترة قصيرة، وكان سيد هذه السباقات المرحوم مهيدي العساف وهو مشارك ومرشح للفوز، وإذ بأحد أقربائي أشار لي بالمشاركة بالسباق، وهو يمتلك دراجة يَحثني على المشاركة، فبادرت بالمشاركة .. وكانت الانطلاقة من بداية طريق المزارع باتجاه مقر اللجنة التنفيذية للاتحاد الرياضي بالرقّة وكان ترتيبي الأول، وبفارق كبير عن المرحوم مهيدي العساف، وتوالت بعدها الانتصارات .الصدفة الثانية، كنت طالباً في الصف الأول الاعدادي في ثانوية الرشيد وكانت هناك دروس إضافية وكنت متوجهاً لحضور الدرس ورأيت ملعب ثانوية الرشيد يغص بالرياضيين ويتقدمهم مدرسو التربية الرياضية بالرّقة وجمع غفير من الطلاب للمشاركة ببطولة مدارس المحافظة بألعاب  القوى، وخطر ببالي فكرة الاشتراك بسباق الـ ١٥٠٠ م ولم يكن معي لباس رياضي وشاركت حافي القدمين وحصلت على المركز الأول، وتم اختياري من قبل معلم الرياضة لتمثيل المحافظة بهذا السباق وعلى رأسهم الأستاذ ماهر قندقجي والطحان، وأقيمت البطولة على مستوى القطر بمحافظة اللاذقية وبوفد مؤلف من الطلاب والطالبات ومشاركتنا هي الأولى لجهة اكتساب الخبرة.

سفره خارج القطر

ـ في عام 1980 اضطررتم للسفر إلى دولة الكويت، وكنتم في عزّ عطائكم الرياضي بهدف تحسين وضعكم المادي. في تلك الفترة تركت الأنشطة الرياضية التي تتعلق بممارسة أي لعبة كنت تتفاعل معها. ماذا يمكن أن تخبرنا عن تلك الفترة، وما هو شعورك حيال انقطاعك عن ممارسة أي نوع من الألعاب التي كنت تحبها؟ وهل الغربة عن الوطن في تلك الفترة استطعت من خلالها أن تمدك بالخبرة والمعرفة واطلاعك على ثقافة الناس الآخرين؟ وكيف رأيتها؟

* ركبت القطار باتجاه العراق متوجهاً إلى دولة الكويت الشقيقة تاركاً خلفي ذكرياتي بحلوها ومرها وكان هذا في عام ١٩٨٠ واستمرت اقامتي لمدة ٢٥ عاماً. تعرفت فيها على أهل وأحبّة من الشعب الكويتي الذين غمروني بمشاعرهم النبيلة وتعلمت على ثقافات وعادات هذا الشعب الكريم.

في الكويت لم استطع التوفيق بين الرياضة وعملي في مجال المساحة. ففضلت العمل في مجال المساحة لدى بعض الشركات والمؤسسات، والقيام بأعمال إدارية. سفري حرمني من كثير من الألعاب التي كنت أمارسها وكنت أمني النفس بمتابعة المشوار الرياضي في دولة الكويت ولكن ظروف العمل حالت دون ذلك.

ـ الأسرة “الحمزاوية” في الرّقة كان لها وقعها وحضورها، وتمارس عدد من الألعاب بفضل شبابها المتفرّدين بالعطاء والحب للرياضة، وأنت واحد من أبنائها، وسجلوا حضوراً يشهد له الجميع ويعد فخراً لأبناء الرّقة وحققوا نتائج مرضية في عدد من الألعاب التي كانوا يمارسونها فردية كانت أم جماعية. ماذا تقول في ذلك؟

*كل الفخر بأنني مؤسس المدرسة “الحمزاوية” للرياضة لأنهم برزوا في كل الألعاب الجماعية والفردية على مستوى القطر والمحافظة، فضلاً عن الدور الكبير الذي لعبه والدي ووالدتي مدرستي الأولى في تهيئة الطريق أمامهم وكانوا خير الداعمين لهم رياضياً واجتماعياً. و كان لي الفخر بتأسيس المدرسة “الحمزاوية” للرياضة لأنهم برزوا في جميع الألعاب الجماعية والفردية على مستوى القطر والمحافظة، وأعتقد بأن شقيقي ويس الحمزة أوّل من ارتدى حذاء الأديداس الخاص برياضة الجري.

ومهام إدارية متنوعة

ـ الأماكن الإدارية التي شغلتها بعد عودتكم إلى الوطن وترك عملكم في الكويت تركت انطباعاً لدى أغلب الرياضيين في الرّقة، وغيرهم من العاملين بالإدارة المحلية في المحافظة. هل من الممكن أن تُخبرنا عن الأماكن والأعمال الإدارية التي شغلتها؟

*ومن المهام التي شغلتها في محافظة الرّقة عضو مجلس محافظة الرّقة لأربع دورات متباعدة، وأنا مقيم بالكويت وباقي الدورات لم أرشح فيها علماً أني حيادي ولا أنتمي لأي جهه حزبية، وقد عاصرت المحافظين التالية أسماؤهم:

محمد سلمان، محمد نجيب السيد أحمد، أحمد شحاذه خليل، عدنان السخني، وآخرهم حسن جلالي. وبعد استقراري بالرّقة، وفي أيام المحافظ عدنان السخني تم انتخابي من قبل أهلي وأحبّائي عضواً في المكتب التنفيذي واستلمت قطاع الخدمات الذي يشتمل على شركة الكهرباء ومؤسسة المياه والصرف الصحي وقسم من مجالس البلدات. وقد ابليت بلاءً حسناً في خدمة أهلي وناسي الطيبين أبناء الرّقة الكرام والجميع يشهد على ذلك، وكان المكتب عبارة عن خلية نحل، وبابه مفتوحاً للجميع.

وهناك حادثة وقعت لا بد من ذكرها عندما حصل أبطال الرّقة على بطولة العرب لاختراق الضاحية بلبنان، وأظن ذلك في عام ٢٠١٠ وأذكر أنه كان من بين الأبطال بطل رياضي كنيته الجفّال وكان مدربهم الكابتن طلال المجبل وحضروا إلى مكتب زميل لي من أعضاء المكتب التنفيذي، وهم يحملون المداليات والكؤوس والشهادات وأخبروه بأنهم يريدون مقابلة المحافظ لتكريمهم، وفعلاً حصل اللقاء مع المحافظ حسن جلالي وخرجوا بخفّي حنين، وبعد فترة من الزمن وبإيعاز من مدربهم طلال حضروا إلى مكتبي يحملون جوائزهم وأخبروني بالموضوع، وكان عندهم سفر خارج القطر للمشاركة ببطولة عربية، وأعتقد في دولة خليجية، وهم بحاجة للدعم المادي وكان أملهم في المقابلة مع المحافظ الحصول على مبلغ ٥٠ ألف  ليرة سورية، وهم ثلاثة أبطال ووعدتهم خيراً.

وفي الاجتماع الدوري للمكتب التنفيذي للإدارة المحلية، وبعد الانتهاء من جدول الأعمال سألت المحافظ لماذا لم تكرم أبطال الرّقة والعرب؟. قال لي: أنا ما عندي ميزانية لصرف مكافأة لأحد؟ فقلت له هناك بند ضيافة خاص بمكتبك، وهو مخصص بالملايين، فضلاً عن العمل الشعبي، والخدمات الفنية. كل هذه الموارد وتعجز عن صرف مكافأة متواضعة لا تستحق الذكر. وبعد الحاح أكد بأنه سيصرف لهم ٥٠ ألف ليرة فقط. وقلت له هم ثلاثة ولا أقبل إلا أن تصرف لكل واحد ٥٠ ألفاً. وتم صرف ١٥٠ ألف للاعبين الثلاثة بمعدل 50 ألفاً لكل لاعب. وبدوره طلال المجبل، وكان يمتلك في حينها محال لبيع الأدوات الرياضية في شارع الأماسي أرسل لي مع أحد اللاعبين بيجامة رياضة، وبدوري أهديتها لأحد العاملين المحتاجين معنا في المحافظة.  هذه الحادثة ليس لإظهار البطولات والدور الذي كنت أحب أن أقدم لرياضة الرقة ولأبنائها، ولكن للتاريخ. ومن المساهمات التي كنت أقوم بتأمينها عندما كنت عضو مجلس محافظة وسائط النقل للنادي للمشاركات الخارجية، وكان هذا واجبي تجاه رياضيي الرّقة الأحبّة.

افتقار الرقة للمنشآت الرياضية

ـ ما هو تقييمكم لواقع المنشآت الرياضية في الرّقة، باعتباركم من المهتمين والمساهمين والناشطين في تجسيدها إلى واقع؟ وما هي الأسس التي يمكن من خلالها الاقلاع برياضة الرّقة، وعلى وجه التحقيق في كرتي السلة واليد والعودة بهما إلى الأضواء؟

*الرّقة في الوقت الحالي تفتقر لأبسط مقومات الملاعب والمنشآت الرياضية التي تدميرها عن بكرة أبيها.. ويمكن لها أن تنهض من بين الركام في حال عملنا بصدق وتكاتفنا مع بعض، وعملنا يد بيد وبجهود أبناء المحافظة الغيارى والمخلصين منهم، كما يجب الاهتمام ببناء القواعد الرياضية لكافة الألعاب، والتدرّج معهم حتى مرحلة الرجال.

وختاماً، وبالعودة لسؤالك الأول عن معاناتنا سابقاً كنا نصرف من جيوبنا. كنا نلعب على ملاعب ترابية واسفلتية، وفي أحيان لا نملك ثمن الحذاء الرياضي، ونضطر إلى أن نلعب حفاة، وبغياب التغذية الضرورية لضيق ذات اليد، ولكن حبّ الرياضة والتعلق بها طغى على كل هذه المعوّقات ووصلت رياضة الرّقة إلى منافسة الفرق القوية.

اليوم تحول حب الرياضة إلى احتراف يدر على اللاعبين الكثير من الأموال. الرياضة في سوريا ما تزال في تراجع لافت ومخيف، وتحتاج إلى الاقلاع بها من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى