في انتظار المجهول

مجدي جادو
دائماً ننتظر القادم المجهول الذي لا نعرفه ولم نقابله مسبقاً، وليس لدينا معرفة به. ونعيش على طريقة كوكب الشرق أم كلثوم، نردد: يا خوف فؤادي من غدي… والواقع هو: يا خوف عقلي وقلبي وجيبي ومالي… نفكر فيما يحمله لنا الغد، ونظل نتوقع ونخمن ما سيقدمه، وهل سيكون قدومه بشارة خير أم نذير شؤم؟ وهل سيختلف عن السابق وعن الأمس؟
تساؤلات عديدة يطرحها الانتظار والترقب والخوف والقلق، وهي من الطباع الفطرية للإنسان.
غداً، ماذا سيقدم لنا؟
هل تتوقف الحروب والصراعات في العالم، التي تجاوزت العامين بين روسيا وأوكرانيا؟ وهل ترضخ أوكرانيا للواقع وتلجأ للتفاوض مع الرئيس بوتين بعد تخلي الغرب وأمريكا عن دعم الرئيس الأوكراني في موقفه؟
وفي فلسطين، هل ستتوقف إسرائيل عن المذابح والمجازر البشرية ضد الفلسطينيين؟ وإلى أين ستنتهي أزمة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية؟
وماذا سيقدم الرئيس دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف سيتعامل مع قضايا العالم؟ وكيف سيواجه التحديات الاقتصادية أمام الصين؟ والخلافات السياسية والنوايا الخفية مع إيران؟
هل تستقر الأوضاع في ليبيا وتتفق الأطراف على حكومة ليبية موحدة؟ وهل انتهى فعلياً الصراع في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟ وهل سيعود السودانيون إلى بلادهم وحياتهم الطبيعية؟
وما مصير سوريا بعد سقوط النظام ونهاية حكم عائلة الأسد، ودخول البلد العربي العريق في مرحلة تاريخية جديدة؟
ومتى يثبت سعر الدولار في مصر، وتهدأ الأسعار في الأسواق وتتراجع لمستواها الطبيعي، ويتوقف كبار التجار عن الجشع والاحتكار؟
هل تحقق السياحة في مصر معدلات أفضل تليق بقدراتها وإمكانياتها الطبيعية، وتساهم بشكل فعال وقوي في الدخل القومي وزيادة احتياطي النقد الأجنبي؟ وهل تستعيد قناة السويس انتعاشها بعد تأثرها بالأحداث في باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر؟
ماذا يحمل لنا الغد القادم؟
وماذا سيقدم لسكان الأرض من فيروسات وأمراض ومتحورات وانبعاث حراري وتغيرات مناخية تهدد الحياة على الكوكب؟
ماذا سيفعل الذكاء الصناعي بالإنسان؟ وهل سيزيحه عن وظائف كثيرة، كما يتوقع خبراء التكنولوجيا في العالم؟ وما حقيقة هذا الكائن؟ هل سيصبح منافساً للإنسان في العمل والوظائف؟ وهل سيحارب البشر في أرزاقهم؟ هل سيكون خيراً أم شراً على الإنسانية؟
وما معنى مصطلح الأمن السيبراني، الذي تنفق عليه الأمم الكبرى والقوى العظمى مليارات الدولارات؟ هل هو مجرد برنامج حماية؟ وضد من؟ وإذا كانت القوى العظمى تملك القدرة على حماية أنفسها وشعوبها، فماذا ستفعل الأمم الفقيرة التي تعيش على الكفاف بينما لا تستطيع حتى حماية ثرواتها المنهوبة؟
ولماذا يكثر الحديث عن كائنات فضائية تهدد الأرض؟ هل هذا يعني أن استعماراً سيأتي من الفضاء ليحتل الأرض، ونتعرف على مخلوقات جديدة؟ أم ربما لن نجد فرصة للتعرف عليها والتعايش معها؟
وهل حقاً ستختفي النقود، ولن نحمل في جيوبنا أوراقاً نقدية؟ وهل سيغزو التعامل الإلكتروني العالم، ليصبح تحت سيطرة البيتكوين وأخواتها؟
شخصياً، لا يشغلني المستقبل ولا أقلق انتظاراً للقادم.
أعيش لحظتي، فهي الحياة الحقيقية التي بين يدي. ربما أسافر للماضي كثيراً، أتذكر حياتنا البسيطة… الأسرة الصغيرة… أب وأم يكافحان من أجل أحلام صغيرة للأبناء، وتربية فطرية على الأخلاق والتقاليد الأصيلة، وقيمة العلم والعمل الشريف، والكسب الحلال، واحترام الآخر كبيراً، والعطف عليه صغيرًا، ومد يد العون بحب، والارتباط بالأهل والأقارب والجيران، والصحبة والسمر، وليالٍ تحت ضوء القمر، وابتسامة من القلب.
ويستمر القلق والخوف والانتظار، ويروج صناع التوقعات وتجار الفلك والنجوم، ومحترفو اللعب على مشاعر الناس في زاوية “برجك اليوم” و”حظك هذا الأسبوع”، والمتاجرة بقصص وهمية عن الموت والحياة والمال والصحة والزواج والطلاق، والطريق المسدود وشارع الظلام.
بالتأكيد، لن تفرغ الأيام ما في جعبتها دفعة واحدة، بل ستقدم لنا ما تحمله ساعة بساعة… وسنظل طوال الوقت ننتظر القادم.