مشروع إعلام سوري يضيق الخناق على حرية الرأي والتعبير!

عبد الكريم البليخ

في ظل الغضب العارم في الشارع السوري بسبب تدهور الأوضاع المعيشية التي لم تعد تُحتمل، أصبح المواطن غير قادر على تحمّل هذا العبء المطلق، مع استمرار معاناته من آثار هذه الأوضاع، وما يعانيه من القهر والضغوط الأمنية المتزايدة، التي باتت تضيق الخناق عليه، تحت سلطة حكومة تسهم في إذلاله وتفقيره، وإعادته إلى حياة أشد قسوة. وفي خضم هذا العناء والمعاناة الاجتماعية والاقتصادية، يبقى الإعلام الرسمي منفصلاً تماماً عن الواقع، ولا يبدو مدركًا لما يحدث من حوله. بل وتسعى الحكومة إلى تشكيل المشهد الإعلامي على غرار ما كان عليه في الماضي، بهدف التأثير في الرأي العام الذي لم يعد يتأثر بأي تغييرات تُجرى.
المواطن يعيش في عزلة عن الواقع، مترنحاً بين محاولة الصمود وبين الرضوخ، دون أن يتمكن من تغيير الوضع. تراه مشتت الذهن، “بإذنٍ من طين وأخرى من عجين!”، وهي الحالة التي التزمها وعاد إليها صامتاً خشية العقاب والمساءلة.
إن الحكومة السورية تسعى إلى صناعة إعلام قادر على التأثير في الرأي العام، ولكن هل ستنجح؟ فهي تحاول إقناع المواطن بحياة مزدهرة، بينما هو يعيش في واقع هش ومُنهك، يئنّ تحت وطأة أوضاع اقتصادية متردية تنزف الألم.
الوزير الحالي للإعلام في حكومة النظام السوري، زياد غصن، طالما انتقد في مقالاته عبر عدة صحف ومواقع إلكترونية واقع الإعلام الراهن، وعدم إشراك العاملين في الوسط الإعلامي عند إعداد قانون الإعلام الجديد الذي يفترض أن يكفل للمواطن حق الوصول إلى المعلومة. وقد دعا إلى ضرورة تفعيل المكاتب الصحافية في الوزارات والمؤسسات الحكومية، بحيث تكون أكثر فاعلية في صناعة المحتوى الإعلامي الذي يخاطب المجتمع، بدلاً من الاقتصار على التغطيات الإخبارية، حيث الهدف الحقيقي هو إنتاج محتوى يخدم المجتمع ويعكس احتياجاته.
أثار قانون الإعلام الجديد، الذي أقره مجلس الشعب في شهر آذار الماضي، موجة من القلق بين الصحفيين العاملين في مناطق النظام، نظرًا لعدم إشراكهم في مشروع القانون الجديد، والخوف من تزايد الرقابة على الإنتاج الإعلامي. كما تجاهلت وزارة الإعلام السابقة عرض التعديلات المقترحة على الصحف، ما يعكس تجاهل رأي العاملين في الحقل الإعلامي في تعديل القوانين والأنظمة وكأن هذا القانون لا يعنيهم!
وقد تضمن مشروع القانون الجديد بنوداً من شأنها تضييق حرية الرأي والتعبير. فالمادة 15، الفقرة (ج) تمنح المؤسسة الإعلامية الرسمية الحق في إيقاف الصحفي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بحجة “تداول معلومات أو أخبار كاذبة أو غير موثقة”. كما تضمن القانون بعض الحصانات للصحفيين تم حذفها إلا في حالة الجرم المشهود، وتجاهل المشروع حقوق الصحفيين المستقلين وحصر العمل الصحافي لمن يحمل بطاقة صحافية صادرة عن جهة رسمية.
إن مشروع قانون الإعلام الجديد يحوي العديد من المصطلحات الفضفاضة وغير الواضحة، مثل: “الوطنية”، و”حرمة النظام العام”، و”القيم الوطنية للمجتمع السوري”، وهي مصطلحات قد سبق النص عليها في ميثاق الشرف الإعلامي وفق القانون الحالي. فما الحاجة إلى إدخال عبارات غامضة لا تقدم إضافة في القانون الجديد، الذي من المفترض أن يخدم الصحفيين ويحميهم، بدلاً من أن يهددهم ويزيد من عزلتهم عن واقع المواطن السوري، ويطمح إلى بث الروح الوطنية الحقيقية في إعلام عصري يخدم جميع أفراد المجتمع دون استثناء.