هل تستعيد الرياضة النسائية العربية مكانتها في أولمبياد باريس؟!

عبد الكريم البليخ

المرأة العربية بصورة عامة، ابتعدت عن الساحة الرياضية، ويستثنى من ذلك بعض الدول التي اهتمت بالنصف الثاني من المجتمع (المرأة)، مثل مصر ودول المغرب العربي وبعض الدول العربية الآسيوية التي استطاعت أن يبرزُ منها عددٌ محدود من الأبطال في ألعاب القوى والسباحة وكرة اليد والجمباز، وغيرها.
وهناك فئة قليلة من النساء تزاول بعض الألعاب الرياضية، وأخرى اتجهت إلى المعاهد الرياضية لاتخاذ الرياضة كمهنة (التدريب أو التدريس). وهناك فئة من النساء برزت وشقّت طريقها جنباً إلى جنب مع الرجال.
في وطننا العربي الكبير هناك من يرفض ممارسة الرياضة النسائية عموماً، ومنهم من يسمح بممارستها، لكنه يرفض دخولها في المنافسات، لا سيما الدولية، بالنظر إلى ظروف السفر والمعسكرات وغيرها. ولذلك فإن الرياضة العربية النسائية لم تحقق حتى الآن إنجازات كبيرة على مستوى الرياضات الجماعية، ككرة القدم وكرة السلة، مثلاً. بينما على مستوى الألعاب الفردية، كألعاب القوى، كتبت بطلات عربيات أسمائهن في كتب التاريخ الرياضية، أمثال الجزائرية حسيبة بولمرقة، والسورية غادة شعاع، والمصرية رانيا علواني في السباحة، فضلاً عن المغربية نوال المتوكل التي استطاعت التفوق على الظروف، وعلى الرجال وحصلت على الميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز في أولمبياد لوس أنجلوس عام 94، وفارسات الكويت (نادية وجميلة المطوع، ولمياء العيسى، وسلوى القاضي، وبارعة الصباح)، اكتسبن الشعبية على المستوى الخليجي والعربي والقاري. كذلك في مجال لعبة الشطرنج، برزت على المستوى الخليجي والعربي، نادية محمد صالح (دولة الإمارات العربية المتحدة)، والتي حصلت على البطولة العربية الثانية للشطرنج بدبي في العام 1984، وعلى المركز الثاني في البطولة العربية الفردية التي أقيمت بتونس في العام 1984، كما شاركت في أولمبياد الشطرنج عام 1980 الذي أقيم بمالطا، وفي بطولة إنجلترا الدولية للشطرنج في العام 1981.
ويزخر سجل الرياضة العربية بالمئات من الرياضيات المتألقات في رياضات عدة منذ عقود شتى؛ إذ ذاع صيته عربياً وإفريقياً وعالمياً، مثال السبّاحة التونسية مريم الميزوني بطلة السبعينيات على المستويين الإفريقي والمتوسطي، والجزائريتين البطلتين الأولمبيتين نورية بنيدة مراح في ألعاب القوى، وسليمة سواكري وصوريا حداد البطلة الأولمبية في رياضة الجودو..
وإذا كانت دول مثل المغرب والجزائر ومصر تزخر بنشاط رياضي نسائي منذ عقود، لم يكن الأمر كذلك إطلاقاً بالنسبة إلى دول عربية عدة لم تشارك منها رياضيات في المنافسات الدولية إلا قبل سنوات معدودة؛ مثل الدول الخليجية، بسبب تركيبة المجتمع المحافظ الرافض لممارسة المرأة للرياضة، وشغلت نساء عربيات العديد من المناصب في الإدارة والتسيير الرياضي ومنهنّ: ريم بنت بندر بن سلطان، والكويتية فاطمة، والتونسية درصاف القنواطي التي كانت حارسة مرمى قبل أن تصبح أول حكمة تونسية تدير مباريات كرة قدم للرجال في تونس وفي إفريقيا، والبطلة المغربية في ألعاب القوى نوال المتوكل التي تولت منصب وزيرة الشباب والرياضة في المغرب، كما تبوأت منصب نائبة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، كما شغلت الجزائرية حسيبة بولمرقة منصباً في اللجنة الأولمبية الدولية والجزائرية.
طموح للمنافسة
تتطلع بطلة الملاكمة المغربية خديجة المرضي حصد أول ميدالية لها في أولمبياد باريس بعد خروجها من دور الثمانية في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، قبل انسحابها من أولمبياد طوكيو لأسباب صحية. وأثبتت المرضي بشكل لا يقبل الشك أنها مستعدة تماماً للتحدي الأولمبي بعد أن حصدت ذهبية بطولة العالم للوزن الثقيل العام الماضي “إلى جانب الفوز بميداليتين ذهبيتين في دورتي الألعاب الأفريقيتين الأخيرتين، وذهبيتين في بطولة أفريقيا.
وتخوض الرباعة المصرية سارة أحمد تحدياً مع الذات لإثبات أحقيتها في التواجد على الساحة الأولمبية بعد غيابها عن أولمبياد طوكيو؛ بسبب الإيقاف المتعلق بتعاطي المنشطات.
وسبق لسارة بالفعل الصعود إلى منصة التتويج حينما حصدت الميدالية البرونزية في أولمبياد ريو دي جانيرو حينما كانت في الـ18 من عمرها. وتجاوزت سارة أحمد (26 عاماً) كل العقبات التي واجهتها وتفوقت على نفسها خلال السنوات الأخيرة حيث حصدت ميداليتين ذهبيتين في آخر نسختين من بطولة العالم. وبجانب سارة أحمد هناك عدة أسماء بفريق رفع الأثقال المصري، مرشحة للصعود إلى منصة التتويج، وفي مقدمتها حليمة عباس ونعمة السعيد.، ولا ننسى بالمقابل الملاكمة الجزائرية إيمان خليف وصيفة بطلة العالم 2022، والمغربيان فاطمة الزهراء أبو فارس بنت الـ22 عاماً بطلة أولمبياد الشباب 2018 في التايكوندو.
وحصلت المرأة العربية في تاريخ مشاركاتها بالأولمبياد على 8 ميداليات ذهبية، وأغلبها في سباقات ألعاب القوى، مقابل 4 فضيات و10 برونزيات، ليصل المجموع 22 ميدالية حصلت عليها المتسابقات العرب.
وتعتبر العداءة المغربية نوال المتوكل أول عربية تحصد الذهبية بسباق 400 متر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984. ونالت العداء الجزائرية حسيبة بولمرقة ذهبية سباق 1500 متر في دورة برشلونة 1992، وحققت العداءة السورية غادة شعاع ذهبية السباعي في أولمبياد أتلانتا 1986.
وقطفت العداءة نورية مراح بنيدة ذهبية سباق 1500 متر في أولمبياد سيدني 2000.
وفي لندن 2012، تحققت ذهبيتان عبر البحرينية مريم يوسف جمال، في سباق 1500 متر، والتونسية حبيبة الغريبي في مسابقة 3000 متر موانع.
وفي ريو 2016، حققت العداءة روث جيبيت الذهبية النسائية لبلادها البحرين، بعد فوزها بسباق 3000 متر موانع.
وشهدت دورة طوكيو 2024 تحقيق أول ميدالية ذهبية للمرأة العربية خارج نطاق ألعاب القوى، وكانت بمسابقة الكاراتيه مع المصرية فريال أشرف، في منافسات وزن 61 + كجم.
ويمكن إيجاز المشاكل التي تواجه الرياضة الأنثوية في العالم العربي في عدّة نقاط.
الأولى، الأوضاع الاجتماعية السائدة. حيث تجد الأنثى صعوبةً بالغةً في السماح لها بالتوجه لممارسة الرياضة، وتواجه نقداً حاداً من أقرب الناس إليها، ومن المجتمع الذي تعيش فيه، ثم إهمال الأندية الرياضية للرياضة الأنثوية، وأخيراً ندرة الكادر التدريبي والتحكيمي النسائي.
فهل تتضافر الجهود من أجل بعث الرياضة النسائية العربية وتستعيد مكانتها، والإفاقة من غفوتها لجهة تحقيق المنافسة وإثبات مكانتها، حتى تستطيع أن تلحق بركب المقدمة.
النمسا