خواطر رياضية

سعد الرميحي

من حق كل عشاق كرة القدم ان يفتخروا بالإنجازات العملاقة التي حققتها قطر كدولة وكقيادة وشعب في سبيل رسم خارطة الرياضة العالمية بنسخة عربية خالصة، ليكون مردودها لصالح العرب في كل المحافل العالمية، بل لم يخطئ من قال بأن من أدوات القوى الناعمة “الرياضة”. فبسبب مكانتها وشعبيتها بين شعوب العالم، بإمكانك أن تغزوا قلوبهم وعقولهم لتُكون الصورة المثالية لبلادك وشعبك بل وأمتك .
جاء الفوز القطري ببطولة كأس آسيا ٢٠٢٣ م ليُكمل هذه الصورة الجميلة لما تحقق في نسخه هي الأجمل والأحلى منذ انطلاقة هذه المسابقة قبل ثمانية وستون (٦٨) عاماً، وما أسعدني وأسعد الجميع هو النجاح الكبير في حسن الإدارة والتنظيم الرائع، بقيادة نخب شابة من أبناء قطر، كانوا بحق على قدر كبير من المسؤولية وحسن الإدارة، يساندهم عددٍ كبير من المتطوعين والمتطوعات من مختلف دول العالم، إيماناً منهم بأن نجاح مثل هذا العمل ينصب في خدمة الناس وراحتهم .
كما لا يفوتني أن أقدم التهنئة للفرق العربية والتي تشرفت بوصول منتخبي “قطر والأردن” للمباراة النهائية، والتي انتهت لصالح العنابي، ليحافظ على بطولة هو الأجدر بأن ينالها، كما أسجل بكل اعجاب وتقدير لمنتخب النشامى والذي أبهر الجميع بمستواه الراقي وأداءه الجميل طوال مشواره في كأس آسيا، وما يضمّه من نجوم على مستوى راقي ولعب جميل وانسجام بين اللاعبين أمكنه من الوصول لما وصل إليه، كما أسجل تقديري الخاص للكابتن والمدرب القدير “حسين عموته” والذي تمكن في فترة وجيزة أن يفرض أسمه ومكانته كواحدٍ من المدربين المميزين في عالم كرة القدم، متمنياً له كل نجاح وتوفيق .
وأختتم كلماتي بشكري وتقديري لفريقنا البطل والذي لم يخيّب ثقة محبيه ونال ما كنا نتمنى أن يحافظ عليه وفاز بالكأس، وفاز معها بروحه الرياضية العالية وأخلاق لاعبيه المثالية في ساحات الملاعب فأستحق وبجدارة كأس الفريق المثالي، وهذا ما أتمنى أن يكون نهجه الدائم.
ومن نجاح لنجاح بحول الله وفضله، ثم بفضل من يقف وراء هذه المكاسب الرائعة.
***
وفي مارس ١٩٨١م، سبق أن التقيت بالنجم الكبير جاسم يعقوب بمقر الإتحاد الكويتي لكرة القدم في منطقة لعديلية بالكويت، وأجريت معه حواراً صحفياً لـ مجلة الصقر، حيث كان مقر الإتحاد يشتمل ملعباً لتدريبات المنتخب الكويتي ومعسكراً خاصاً به.
كان الفريق وقتها يستعد لخوض تصفيات كأس العالم لعام ١٩٨٢م والتي أقيمت في إسبانيا وتمكن منتخب الكويت من التأهل للمونديال برفقة منتخب نيوزيلندا.
بعد أيام، وبالتحديد في الثاني عشر من يناير الحالي من انطلاق بطولة أمم آسيا في الدوحة، وهذه المرة الثالثة والتي تستضيفها قطر بعد نسختي ١٩٨٨و ٢٠١١م، ولكن هذه البطولة تميزت بتأهل ٢٤ منتخب، ووزعت الفرق على ٦ مجموعات، جرت مبارياتها على ملاعب المونديال، ورغم تحفظي على هذا العدد، لكن الشي الذي لفت نظري هو تأهل منتخبات كل الدول العربية الآسيوية ماعدا منتخبي الكويت واليمن.
قد نقدر ظروف اليمن، رغم قناعتي بأن منتخب اليمن يضم لاعبين على مستوى رائع ويملكون إمكانيات فنية جميلة، وسبق قبل عام واحد، أن فاز منتخب اليمن للناشئين بإحدى البطولات القارية، متغلباً على ظروفه الخاصة.
ولكن غياب منتخب الكويت بتاريخه العريق، ونجومه الكبار، وما سطره من إنجازات اقليمية وقارية عبر تاريخه الطويل في ساحات كرة القدم، هو ما يُحيّر أي متابع ومحب للأزرق.
إطلالة منتخب الكويت في أي بطولة لها نكهة خاصة، فالمنتخب بتاريخه ثم بجمهوره الجميل تعطي مشاركته رونقاً خاصاً لمكانة هذا الفريق في تاريخ كرة القدم بمنطقة الخليج بالذات، وللسجل الجميل الذي سطّره عبر ساحة البطولات التي نالها خلال تاريخه الطويل.
إنني أدعو أخواني القائمين على شؤون كرة القدم خاصةً والرياضة عامةً، بالكويت الغالية ان يعملوا لأجل إعادة الأزرق لمكانه الطبيعي بين فرق الصفوة في القارة الآسيوية، فمن الظلم لعشاق كرة القدم أن يحرموا من مشاهدة الفريق الأزرق الكويتي في مثل هذه البطولة الكبيرة.
***
دائماً ما يكون الرحيل مؤلماً.. فما بالك عندما يكون الرحيل لشخص تحبه وتقدره، ويزيد الألم أكثر عندما تعرف أنه غادر ويصعب عليه أن يعود إليك مرةً أخرى.
يحدث ذلك كثيراً في الحياة، فطالما فرقت ظروف الحياة بيننا وبين من نحبهم، ولكن عندما تفرّق الدنيا مع شخص ترى فيه كل مقوّمات نجاحك وتفوّقك فذلك يَزيدك ألماً وحزناً.
في تاريخ كرة القدم حدث ذلك مراراً، ولكن في أحيان عديدة يأتي هذا الرحيل بسبب رغبة جامحة من أجل التغيير، حدث ذلك مع مدرب الأرسنال ارسن فنجر، والذي رغم أنه أمضى عشرون عاماً مدرباً لهذا الفريق، إلّا أن صيحات الاستهجان وحمل لوحات تطالب برحيله، دعته ليتخذ قرار الرحيل، ويحدث مع غيره من المدربين.
ولكن المدرب الذكي والناجح هو الذي يعرفُ كيف يختار الوقت المناسب ليعلن رحيله، حتى تستمر صورته جميلة وفي اذهان عشاق النادي والذي تولى مسؤولية تدريبه.
العلاقة بين المدرب الألماني “يورغن كلوب ” ونادي ليفربول، علاقة خاصة، قال في إحدى لقاءاته الصحفية أن زوجته هي التي طلبت منه أن يوقّع مع ليفربول بدلاً من المان يونايتد، قالت له أنه بإمكانك صناعة تاريخ مع الريدز، لكن ليس بإمكانك أن تضيف أي جديد مع يونايتد.
كان هذا هو الرأي السديد، فعندما جاء لليفربول عام ٢٠١٥، كانت بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لم تتزيّن بها خزينة النادي منذ اعتمادها عام ١٩٩٣م، أي منذ ٢٢ عاماً، مما يعني بأن جيلاً من عشاق هذا النادي الكبير أطلوا على الدنيا وكبروا، وغيرهم رحل عن الحياة دون أن يحتفلوا بفوز هذا الفريق الكبير ببطولة كان هو فارسها لسنوات عديدة.
ولكن مع ” كلوب” حقق ليفربول ما يتمناه، وفاز بكل البطولات بما فيها بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز عام ٢٠١٩ م، بعد غياب دام ٢٩ عام.
فكان لا بد لعلاقة الحب هذه أن تكون في الذكريات، لذا جاء قرار هذا المدرب الذكي والرائع في حتمية الرحيل، تاركاً أجمل الذكريات لدى عشاق ليفربول عن مسيرته الجميلة مع النادي والتي امتدت لما يقارب العشر سنوات.
وعندما تقرر له ما أراد، خطت هذه الجماهير الوفية أغنيتها الجميلة بصور لمدربها القدير، وكأن الأغنية قد خصصت له، فقبل عشر سنوات غناها جمهور نادي “بروسيا درتموند” الألماني، وهو يودّع “كلوب” يوم رحيله عن النادي.
رئيس التحرير الفخري