مقالات

خواطر رياضية

سعد الرميحي

* * شكراً للكويت قيادةً وشعباً، أرضاً وسماءً، براً وبحراً.

لو تركت لقلمي أن يكتب بما أكنه من حب وتقدير لهذا البلد الكريم بكل أطيافه، لما كانت هذه المساحة تكفي مداد قلمي ليروي ما أكنه من محبة وتقدير لهذا البلد العزيز وأهله الطيبين.

بالأمس القريب نشر موقع “جرس” شريط فيديو يتحدث عن شخصيات مرت بالكويت، وهي في مراحل حياتها الأولى، وذكروا رجالاً ونساءً تركوا بصمة جميلة في مسيرة حياتهم، منهم الزعيم والكاتب والفنان وغيرهم، والذين أثروا المشهد العربي، سياسياً وفكرياً وفنياً وغيرها من مجالات الحياة. البعض منهم ما زال في أوج عطائه، والبعض الآخر رحل عن الدنيا بعد أن ترك أجمل الأثر وأعمق الذكريات، وما زال ذكرهم العطر تتوارثه الأجيال رغم مضي السنين.

ولكن، أين أجد نفسي من بين هؤلاء، خاصة العمالقة منهم؟

هذا الشريط الجميل أبى صاحبه إلا أن يمنحني شرف أن أكون ضمن هذه الكوكبة التي مرت بالكويت يوماً ما.

قبل أيام كنت في الكويت مرتين، الأولى كانت في شهر رمضان المبارك مشاركاً في أحد برامجها التلفزيونية الرمضانية، والمرة الثانية كانت قبل أسبوعين أشارك في الملتقى الإعلامي العربي، وأطل عبر إحدى ندواته الجميلة، ثم أحظى بشرف التكريم كأحد الشخصيات، والتي ساهمت في مسيرتها الإعلامية الطويلة في إثراء المشهد الإعلامي خليجياً وعربياً. ولكن أن أكون ضمن هذه الشخصيات المؤثرة عربياً والتي مرت بالكويت، فهو شيٌ لم يكن يخطر على بال بأن أحظى بشرف مثل ذلك.

الكويت ستبقى في قلبي، بلداً عزيزاً غالياً أحبّه وأحب أهله.

شكراً مليون مرة للقائمين على موقع “جرس” على هذا شريط الفديو الجميل والذي أعتبره وساماً، أعلقه على صدري طول العمر، متمنياً للكويت العزيزة كل تقدم وازدهار، وأن يحفظها الله، ويحفظ قيادتها وشعبها من كل مكروه.

**في شهر ابريل ١٩٨١م التقيت في مكتبي بمجلة الصقر في مقرها القديم “بفريج أسلطة القديم” بالقرب من متحف قطر الوطني، مع أخي محمد سنان العسيري رحمه الله ، والأخ العزيز جاسم الفيحاني، وأحد الأخوة لا أتذكر أسمه.

كان مقر المجلة ملتقى للعديد من الرياضيين والصحفيين، والذين يجدون متعة في زيارتها والحديث في الشأن الرياضي مع محرريها.

وقد تكون هذه ظاهرة مميزة نالتها أسرة تحرير الصقر، وانفردت بها، فلم يسبق لي أن عرفت مؤسسة صحفية تحولت كملتقى لمحبيها كما كانت الصقر، واستمرت هذه الظاهرة حتى بعد انتقال المجلة لمقرها الجديد في برج المانع على طريق المطار.

صورة تجمع الرميحي من اليمي مع محمد سنان العسيري رحمه الله، والأخ العزيز جاسم الفيحاني، ويمين الصورة أحد الأخوة فات علي تذكر اسمه.

كما كانت الصقر، محطة زيارة للعديد من الشخصيات الإعلامية والرياضية، زاروا مقرها وتعرفوا على أسرة تحريرها وطبيعة سير العمل فيها.

هكذا كانت طبيعة عمل المؤسسات الصحفية والإعلامية، دائماً ما تكون ميدان العمل ومكان يطل عليه الزائر ليتعرف على طبيعة العمل الإعلامي.

ونفس هذه الظاهرة حدثت معي عندما كنت مديراً للتلفزيون، فقد كانت المحطة ضمن برامج الزيارات والتي كنا نستقبل العديد من ضيوف الدولة، بل حتى من طلاب المدارس الذين أحبوا أن يتعرفوا على أسرة التلفزيون.

انني أتمنى ان تعود مثل هذه المبادرات، ويكون مقر هذه المؤسسات الإعلامية ميداناً للزيارة ليتعرف عشاق الإعلام على طبيعة العمل الإعلامي، وأن يكون هناك ارتباط بين هذه المؤسسات وجمهورها الذي يعشق الكلمة.

ففي ظل هذه الهجمة الشرسة، التي تقودها وسائل التواصل الاجتماعي ضد المؤسسات الصحفية والإعلامية، والتي قد تبعد القارئ والمتابع والعاشق لمهنة الإعلام عنها، كان لا بد من توثيق وربط هذه العلاقة.

انني كنت وما زلت أعشق الصحيفة، وأحرص على اقتنائها وتصفحها، وهناك الكثير غيري ممن ما زالوا على العهد والحب، للصحافة الورقية وما زال ارتباطهم بها كبيراً، لما تمثله لهم من تواصل واطلاع ومعرفة، فلا غنى عنها أبداً وإن تعددت وسائل نقل الخبر والصورة، وما زال العشق للصحافة الورقية قائماً ومستمراً وبشغف  لا حدود له.

**قبل أكثر من عام كتبت في صفحتي على انستجرام أشيد ببعض الشباب القطري المتألق على شاشة بي ان سبورت، ذكرت منهم ثلاثة محمد سعدون، عبدالعزيز النصر، وعبدالعزيز السليطي، وحرمتني المساحة من الكتابة عن بعض زملاءهم والذين أرى فيهم من الكفاءة الجيدة ما يتطلب مني، ومن باب الإنصاف، أن أشيد بهم.

بعد يومين من نشر البوست وردتني رسالة على جوالي تقول:

“أرجو يا والدي العزيز أن لا أكون مقصراً في عملي” التوقيع ابنك عبدالله العلي.

عبدالله هو أحد الوجوه الجميلة ذو الكفاءة العالية والتي تطل على المشاهدين عبر بي إن سبورت الرياضية، وكنت أنوي الكتابة عنه ولكن كنت أنتظر الفرصة المناسبة لذلك، و قمت بالرد على رسالته بما يليق به من تقدير ويستحقه من إحترام.

ولكن ما شاهدته وقرأته في ٧ نوفمبر ٢٠٢٣ م، في صحيفة الراية، أجبرني على أن أكتب عنه وإن كان بعيداً عن الرياضة.

فقد نشرت الجريدة صورة تقول أنها لشاب قطري تبرع بإحدى كليته لوالده، وإن العملية تمت في مستشفى حمد ولله الحمد بنجاح، وعندما دققت في الصورة فإذ بها للنجم التلفزيوني عبدالله محمد العلي، وللتأكيد اتصلت به مساء الأمس للتأكد من شخصه، وقد فاجئني بأنه هو ذاته من أعنيه.

ما أقدم عليه هذا الشاب يفوق عشرات المرات كل ما يكتب عنه كنجم تلفزيوني يطل على المشاهدين، فهو اليوم يمتلك قلوبهم وعواطفهم لما يغرسه من معنى الحب والوفاء للوالدين عندما يكونا في أمس الحاجة لأبنائهم للوقوف إلى جانبهم.

أعرف، كما يعرف غيري، بأن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعجُّ بالكثير من أصحاب القلوب الرحيمة العطوفة على الوالدين، وأمامي عشرات من القصص المؤثرة في معنى الوفاء والبر لهما، لذلك أتوقف إجلالًا واحتراماً أمام مثل هذه القصص.

علمتنا الحياة أن بعض الآباء هم من يعطون أولادهم وقت الحاجة كانت مادية أو معنوية، ولكن أن يقدم شاب وفي مقتبل العمر ليتبرع لوالده بجزء من أعضائه، مانحاً إياه أمل الحياة بطيب خاطر وحب ونكران للذات، ووفاءً لأب هو من وقف معه عندما كان يحتاج لوقفته، فهي خطوة قد لا تتكرر كثيراً.

أحياناً يجد الكاتب صعوبة في أن يجد الكلمات التي تستحق أن تكتب لمثل هذه المواقف النبيلة والتي تختلج فيها نسمات الوفاء وبطعم حلاوة الإنجاز.

عبدالله العلي سجل اليوم أجمل هدف في مرمى الإنسانية، وقفته مع والده دليل على أن الأب الطيب جنى ثمار حسن تربيته لأولاده.

من كل قلبي أدعو الله ان يكتب لبو عبدالله تمام الشفاء والصحة والعافية، و للإبن الوفي المحب عبدالله كل نجاح وتوفيق وصحة وسعادة وطول العمر لهما.

** كم كان عمري في هذه الصورة؟ قد يكون ما بين التاسعة والعاشرة!! ولكنها صورة من ذكريات الطفولة.

قبل سنوات وبالتحديد في مطلع الألفية الجديدة، قال لي صديق:

ألا تلاحظ بأن الثمانينيات والتسعينات قد مرت علينا سريعاً!! واليوم عندما ألتقي معه أقول له ألا ترى بأن عشرينيات القرن الجديد قد مرت أسرع!!

فيرد ويقول ،، لا تذكّرني!!!

سعد الرميحي. طفل صغير بين التاسعة والعاشرة من العمر

هذه هي الحياة فعلاً قطار سريع يمرّ ويتوقف قليلاً، في توقفه ينزل ركاب ويصعد ركاب، وما بين الصعود والنزول تكون الرحلة قصيرة، بل قصيرة جداً، ولكن الإنسان بطبعه يفكر في كل شيء إلا ما احتوته رحلته وما هو خلاصة عمله، هل أتقنه أم تخلف عن واجباته؟

جميلة الذكريات، وجمالها عندما تختلي بنفسك وتتذكر أيام كنت فيها في قمة نشاطك وحيويتك وإقبالك على خوض التحدي ومواجهة الصعاب، واقتحام المجهول، وتنقلك في العمل من مكان إلى مكان، وارتباطك مع أصدقاء وزملاء عمل مروا في حياتك، البعض منهم من تلتقيه وتأنس بالحديث معه، والبعض ممن تدعو الله أن يجمعك معهم في الدار الآخرة.

أعتبر نفسي محظوظاً، عندما أطل على دفتر ذكرياتي وأجد العديد من صور الماضي بذكرياته الجميلة، وقد اختزلتها مثل هذه الرسومات، وأحمد الله أنني احتفظت لأولادي بمئات الصور لهم وهم في طفولتهم، فعشقي الكبير للكاميرا مكنني من ذلك، وبين حين وآخر عندما نجتمع أمرر عليهم مثل هذه الصور لماضي جميل وأماكن ودول زرناها وعرفناها معاً.

وإذا كنت أسعد بذلك، فإن الكثير من أقاربي وأصدقائي من لا يجد في صندوق ذكرياته، أي من شريط الماضي، سوى ما ترويه ذاكرته عن أشخاص التقاهم أو أماكن زارها، وهذا يؤسف له، لأن الصورة هي من توثق الزمان والمكان، وأذكر زمان، عندما كنت أتبادل الصور الشخصية مع بعض الأصدقاء، كنا نكتب على ظهر الصورة “تفنى الجسوم وتبقى الرسوم”، للدلالة على أن الصورة هي من راح تدق في ناقوس الذكريات يوماً ما.

أسأل الله أن يطيل في أعماركم ويمتعكم بالصحة والسعادة والعمر المديد، وأن تبقى مثل هذه الصور هي الجسر الذي يربط بين ماضي عشناه وحاضر نعيشه، وذكريات، كلما قادنا الحنين إليها، ذهبنا لألبومات الصور نستذكر تلك الأيام، وكأني بالبعض منا وهو يشاهد صوره أيام شبابه، يردد قول الشاعر أبو العتاهية:

بكيتُ على الشبابِ بدمعِ عيني … فلم يُغنِ البكاءُ ولا النحيبُ

فيا أسفا أسفتُ على  شبابِ … نعاهُ الشيب والرأس الخضيبُ

فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً … فأخبرهُ بما صنعَ المشيبُ

رئيس التحرير الفخري

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأسرة الموقرة – مجلة الصقر –
    الأسرة الممتدة – مجلة الصقر –
    الأجداد والأبناء والاحفاد – مجلة الصقر –
    تحية قلبية خالصة، تحية عطرة بعطر كل عدد أصدر وسيصدر، من سبعينات القرن الماضي وإلى ما لانهاية
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
    أرتجل فأقول …
    صار مصطلحا يتداول، “الزمن الجميل”، وقد اقترن ذاك الزمن باللؤلؤة مجلة الصقر. كنت وقتها في الإعدادية بجزيرة جربة الحالمة، وكانت الصقر – المجلة – هي عشقي وحبي ومن يؤنسني في وحدتي – كانت الشغف، واللهف – كانت اليقظة والمنام – سكبت الدموع مع العدد الأسود “وداعا”، ولعله لقاء الأسبوع مع مارادونا من مسح الدمع وقتها …
    تمر السنين، وغياب الصقر – المجلة – وجع يزداد ألما يوما بعد يوم. اقتنعت بالمرض المزمن – غيابها – وكنت ألجأ إلى المسكنات – المجلة الفرنسية أونز، مجلة الحدث الرياضي، … وغيرها من المجلات التي تزين أغلفتها معشوقة الجماهير كرة القدم. نعم أنتمي لهذه الجماهير ولكن معشوقتي هي مجلة الصقر. … أين أنت؟ أبحث كل مرة بدون أمل، عبثا، عن شيء اسمه مجلة الصقر … هنا وهناك … وفي كل مكان … في المكتبات وفي الفضاء الافتراضي… دون جدوى…
    أيتها الحبية – ما أقساك – كل هذا الهجران ولسنوات طوال – ” ولا تنسوا الفضل بينكم”. …
    أبدعت فاتبعناك …
    وأبدعت فأحببناك …
    وأبدعت فعشقناك …
    وأبدعت وأبدعت وأبدعت، فأدمناك …
    ثم ماذا؟ صرنا نحتاج لمصحات علاج الإدمان أيتها الحبيبة – ما أقساك.
    ….
    في أحد أيام التوهان، بحثا … صادفني عدد من مجلة الصقر … من خلاله فهمت أنها عاودت الإصدار… فهمت أنها لم تنس الفضل …
    لم أصدق نفسي، ولكنها الحقيقة. عادت الصقر – المجلة – للإصدار من جديد. كنت وقتها بمدينة الرياض الجميلة حيث تحلو الحياة – أمن وأمان ورخاء – ميزة اهلها الطيبة والإبداع – أسأل الله لهم دوام العز والمجد والخير – ظهور الصقر – المجلة – كانت إضافة رومنسية لحياتي . ومن دون ترتيبات تجدول وقت استلامها الأسبوعي. بلهفة وشوق كنت أحتضن أسبوعيا معشوقتي مجلة – الصقر –

    تمر السنين، ويأتي القرار بالتوقف عن الإصدار من جديد . قرار قاس صادم …
    ما أقساك …
    لعلنا لم نشبعها حبا كما كانت تتوقع مع العودة … لست أدري
    لعلنا قصرنا في الدعم المعنوي…
    غابت بقرار معلن …
    وعن نفسي كنت متيقنا هذه المرة بعدم العودة… وعدم اللقاء من جديد…

    صار كل هدفي أن أعيد تجميع مجموعتي — أعداد مجلتي – الصقر – التي فقدتها لظروف سفري …
    أبحث كل مرة على الشبكة العنكبوتية لعلني أجدها الكترونيا على شكل ملفات pdf فأقوم بطباعتها ورقيا …
    اسوة بعديد المجلات الأجنبية التي تتيح أعدادها القديمة على الشبكة، كنت أطمع وكل مرة أبحث … دون جدوى

    لم أصدق نفسي البارحة وأنا أبحث في محرك جوجل عن – مجلة الصقر –
    لا أصدق ما أقرأه على الموقع https://www.almzmar.com
    ولا أصدق نفسي وأنا احمل ملفات pdf لستة أعداد من – الصقر – المجلة –

    يبدو أنها الشموع أشعلت من جديد…
    ويبدو أنه الأمل، يولد من جديد …
    ويبدو أنها العودة الأبدية – عودة المعشوقة لعشيقها – … لتزهو الحياة … وإلى الأبد

    شكرا لمن خطط للمشروع ….
    وشكرا لمن مر للتنفيذ…
    شكرا لكم أيها الأحبة، الأستاذ سعد الرميحي والأستاذ عبد الكريم البليخ والأستاذ عمار الشيخ علي … وشكرا لكل الآخرين … الأسرة … مجلتي … الصقر!
    أرجوكم … لا تغيبوا …
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى